من مكة إلى الرياض: دورة التضامن الإسلامي ورحلة بناء المستقبل عبر الرياضة

من مكة إلى الرياض: دورة التضامن الإسلامي ورحلة بناء المستقبل عبر الرياضة

في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، لم تُنظر الرياضة فقط كأداة للتنافس الشريف، بل كجسر دبلوماسي وثقافي يُجسّد روح الأخوّة والوحدة بين الشعوب الإسلامية. في تلك الأجواء، طرح الأمير فيصل بن فهد -رحمه الله- فكرة إقامة دورة رياضية كبرى تجمع شباب العالم الإسلامي تحت شعار واحد، لتكون الرياضة وسيلة للتواصل وبناء الصداقات بعيدًا عن الحدود الجغرافية والسياسية.
هذه الرؤية لم تبقَ مجرد فكرة، ففي 6 مايو 1985 تأسس الاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي رسميًا، برئاسة الأمير فيصل بن فهد، ليضع نصب عينيه هدفًا واضحًا: جعل الرياضة أداة لترسيخ القيم الإسلامية وتعزيز الصداقة والتفاهم بين الدول الإسلامية ضمن إطار تنظيمي واحترافي.

مكة 2005: نقطة الانطلاق

بعد عقدين من التأسيس، تحوّل الحلم إلى واقع في عام 2005. لم يكن اختيار المملكة لاستضافة النسخة الأولى صدفة، بل تجسيدًا لدورها الريادي في دعم المبادرات الجامعة. وجاءت مكة المكرمة، ومعها المدينة المنورة وجدة والطائف، لتكون المسرح الأول لهذه التجربة التاريخية.
شهدت النسخة الافتتاحية مشاركة 57 دولة و2,555 رياضيًا تنافسوا في 17 رياضة، وسط تنظيم مميز جعلها علامة فارقة في تاريخ الأحداث الرياضية الإسلامية ونموذجًا يُحتذى به لاحقًا.

محطات متعاقبة وصعوبات عابرة

منذ انطلاقها، مرّت البطولة بمحطات متعددة: بعد نجاح مكة 2005، تعذّر تنظيم نسخة إيران 2009 لأسباب تنظيمية. ثم جاءت بالمبانغ الإندونيسية 2013، تلتها باكو الأذربيجانية 2017 التي شهدت توسعًا في المشاركة وارتفاع مستوى المنافسات.
أما نسخة قونية التركية فكان لها طابع خاص، إذ تأجّلت من 2021 إلى 2022 بسبب جائحة كورونا وتعارضها مع أولمبياد طوكيو. ورغم الظروف، حققت مشاركة قياسية بلغت 3,536 رياضيًا، لتؤكد أن البطولة تسير بخطى متسارعة نحو العالمية داخل الإطار الإسلامي.

إنجازات بالأرقام

خلال مسيرتها، جمعت دورات التضامن الإسلامي أكثر من 10 آلاف رياضي، لتصبح ثالث أكبر حدث رياضي عالمي بعد الأولمبياد والألعاب الآسيوية.
على صعيد الميداليات، برزت تركيا في الصدارة بـ239 ذهبية، تليها إيران بـ118، فيما حققت المملكة العربية السعودية 37 ذهبية و111 ميدالية إجمالًا، لتؤكد حضورها التنافسي المتنامي في هذه البطولة القارية.

تنوع يرسّخ قيم الانفتاح

ورغم اسمها "التضامن الإسلامي"، فإن المشاركة لا تقتصر على الرياضيين المسلمين، بل تشمل جميع مواطني الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي بمختلف انتماءاتهم. هذا التنوع يجسّد قيم التعايش والتسامح التي تأسست عليها البطولة، ويؤكد أن الرياضة قادرة على أن تكون لغة عالمية تتجاوز كل الحواجز.

الرياض 2025: نسخة برؤية جديدة

من 7 إلى 21 نوفمبر 2025، تستعد العاصمة السعودية الرياض لاستضافة النسخة السادسة من البطولة في حدث يُتوقع أن يكون الأضخم والأكثر تميزًا.
ستشهد النسخة إدخال رياضات جديدة مثل سباقات الهجن والرياضات الإلكترونية، إلى جانب 23 رياضة أخرى. كما ستُقام أول قرية رياضية متكاملة في جامعة الأميرة نورة لتكون فضاءً للتلاقي والتفاعل بين الوفود. هذه الخطوات تعكس رؤية المملكة في الجمع بين الأصالة والحداثة، وإعطاء الشباب منصة تلبي تطلعاتهم.

رسالة تتخطى حدود الملاعب

لم تكن البطولة يومًا مجرد منافسة رياضية، بل هي مشروع إنساني يعزز قيم التعاون والوحدة والسلام بين شعوب العالم الإسلامي. ومن مكة 2005 إلى الرياض 2025، تظل دورة ألعاب التضامن الإسلامي شاهدًا على الدور الريادي للمملكة في إطلاق مبادرات تبني جسور التفاهم وتؤكد أن الرياضة كانت وستظل وسيلة لتوحيد الشعوب لا تفريقها.

*ظفر الله المؤذن

التعليقات

علِّق