مع توسّع دائرة المورّطين في قضيّة المخدرات : استغراب وتساؤلات والداخلية جادّة في في الذهاب إلى النهاية

مع توسّع دائرة المورّطين في قضيّة المخدرات : استغراب وتساؤلات والداخلية جادّة في في الذهاب إلى النهاية

لا شكّ في أن ظاهرة تعاطي المخدرات ( مهما كان نوعها ) من قبل المشاهير  ظاهرة قديمة وموجودة في كافة أنحاء العالم وهي تشمل الفنانين والرياضيين وحتى بعض مشاهير السياسة. وبما أن تونس جزء من هذا العالم فإن الظاهرة وجدت سابقا وتوجد حاليا وربّما بأرقام أكبر بكثير مما نعلم.

ويبدو هذه المرّة أن وزارة الداخلية ( ولأول مرة منذ عقود كاملة ) قد أخذت المسألة بكل جديّة في حين أن الكثير منّا يعلم علم اليقين أن الكثير من القضايا  التي تورّط فيها مشاهير قبرت وأغلقت ملفاتها بتدخّلات من زيد أو عمرو. وفي هذا الإطار علمنا بأن الأبحاث في قضية التعاطي والترويج التي انطلقت منذ أيام قد توسّعت دائرتها فشملت وجوها جديدة استغربنا جميعا من إمكانية تورّطها في هذا المجال القذر الذي يدمّر حياة المعنيين بالأمر تدميرا بالإضافة إلى المتاعب الجمّة التي تنزل على عائلاتهم دون أن تكون هذه العائلات في حاجة إليها.

لماذا ؟؟؟

إنه السؤال الجوهري في هذه الحكاية : لماذا يسعى الإنسان إلى تدمير نفسه بنفسه والحال أن بإمكانه أن يكون في أحسن الحالات وعلى جميع المستويات ؟. فالمتّهمون في هذه القضية لهم من الشهرة ومن المال ما يكفي ليعيشوا حياة مريحة بعيدة عن كافة المشاكل التي يعانيها غيرهم ممّن قد تدفعهم ظروفهم القاسية في الحياة إلى هذا الانحراف الخطير. لذلك يتساءل كل من اطّلع على بعض التفاصيل وقرأ اسما أو أكثر من أسماء المورّطين : ماذا ينقصهم حتّى يقدموا على تدمير مستقبلهم وصحتهم بهذه الطريقة التي تضرّ بهم وتضرّ بكل من ارتبط معهم بهذه الممارسة؟. ولعلّ أكبر مثال على الحيرة والتساؤل لاعب كرة القدم الشاب الذي لم يتجاوز 22 سنة من عمره . فهذا اللاعب ينشط في واحد من أكبر الفرق التونسية وأشهرها.وهو يتقاضى أجورا ومنحا ليست متاحة لأكبر العلماء والدكاترة  والمهندسين في تونس إضافة إلى أنه ينتمي إلى دائرة المنتخب الوطني لكرة القدم . وكل هذا يجعل من الثابت أن المستقبل الكبير ما زال أمامه ليحقق كافة أحلامه بالطرق الشرعية النظيفة فيكون قدوة وفخرا لفريقه وعائلته وكافة الشباب  الذين كانوا يرون فيه قدوة ومثالا حسنا. لكن لا ندري لماذا يأتي في لحظة طيش أو غرور أو لست أدري ماذا فيحطّم كل شيء ويجد نفسه في ورطة لا يحسد بالطبع عليها.

لا للشماتة

عندما انطلقت الأبحاث في هذه القضية ( وهي متواصلة مثلما قلنا وسوف تشمل رؤوسا أخرى ) انقسم التونسيون بين " متعاطف " لا يرى من الحكاية إلا أن يساند " زميلا " أو " صديقا " أو حتّى لمجرّد التعاطف لأن بعض المورّطين مشهور ... وقسم آخر أبدى شماتة وتشفيّا  لم نر مثلهما أبدا. وبين هذا وذاك قلت وأعيد القول مرارا وتكرارا إن المسألة لا تتعلّق بالشماتة أو بالتشفّي بقدر ما تتعلّق بالحرص على تطبيق القانون على كافة المواطنين بالعدل ودون أي تمييز. فبالنسبة إليّ ولآلاف من الناس أيضا فإننا ندعو الله أن يظهر الحقيقة ولا شيء غيرها . فإذا كان بعض المورطين ( أو كلّهم ) بريئا نتمنّى أن يتم إنصافه وأن يواصل حياته بالشكل المعتاد. أما أذا اتضح أن أحدهم ( أو كلّهم ) مورّط بالفعل فليتحمّل مسؤولية أفعاله كاملة وحسب القانون الموجود ولسنا من دعاة إيجاد قوانين خاصة بهم أو الدعوة إلى تنزيل عقوبات غير موجودة عليهم فقط لأنهم مشهورون أو غير ذلك من الدعوات.

الدولة مساهمة ؟

مثلما أشرت في البداية فقد ساهمت " الدولة " من حيث تدري أو لا تدري في انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات والمنشطات ( في المجال الرياضي ) من خلال أمرين على الأقل:

-  التغاضي عن الكثير من القضايا التي  كشفها الأمن سابقا وتم التدخّل فيها والتستّر على مرتكبيها والمورطين فيها لأن لهم " أكتاف ومعارف " أخرتهم منها مثلما تخرج الشعرة  من العجين في حين أن المواطن العادي يدفع غاليا ثمن هفوة أو جريمة ارتكبها في هذا المجال وفي كثير من الأحيان بأحكام قاسية جدا.

- الدولة أغلقت منذ 6 أو 7 سنوات على الأقل واحدا من المراكز الطبيّة التي كنّا نفخر بها في كافة البلدان العربية والإفريقية وهو مركز مكافحة تعاطي المنشّطات من قبل الرياضيين .فقد كان هذا المركز يقوم ببعض الاختبارات في مختلف الرياضات وقد كشف بعض حالات تعاطي المنشطات وتمت معاقبة بعض الرياضيين في هذا المجال. وكان الرياضيون كلّهم وبالتالي كافة المسؤولين عنهم يعرفون أن هذا المركز ومثلما يكشف عن تعاطي المنشطات فهو يكشف أيضا عن تعاطي المخدرات بما فيها " الزطلة " التي يعترها البعض مخدّرا " خفيفا " فيعمد إلى تعاطيها بدعوى أنها تزيد من عطائهم على الميادين. وباختصار شديد كان هذا المركز الطبّي " غولا " يخيف الرياضيين فيمنعهم من الوقوع في الخطأ. ومع غلقه لأسباب ما زالت إلى اليوم مجهولة أصبح الرياضيون ( ليسوا كلّهم طبعا ) لا يجدون ما يمنعهم من تعاطي المنشطات والمخدرات في غفلة بالطبع عن مسؤولي فرقهم الذين لا أحد يعتقد أنهم يشجعوهم على ذلك .

ولعلّ من أهم الطلبات التي باتت اليوم ملحّة للوقاية على الأقل من تعاطي المنشطات والمخدرات  إعادة هذا المركز الطبّي إلى نشاطه في أقرب الأوقات.

جمال المالكي  

التعليقات

علِّق