معضلة "الصرف"...بهذه الطريقة يمكننا تجاوزها
من منا لم يعان في يوم من الأيام من عدم توفر "الصرف" الذي يطالب به أكثر من تاجر. معضلة لها أسبابها ولكنه يمكننا أن نتجاوزها.
" الرجاء توفير الصرف". هذه العبارة تتردد أكثر من مرة وفي أكثر من محل تجاري: عند "العطار" والخباز و "الخضار" و "الحماص" وسائق التاكسي وحتى في نوافذ بعض الإدارات العمومية. وهي ظاهرة اكتسحت إذن أكثر من فضاء إلى حد أن بعض التجار يتعمدون كتابتها بكل وضوح وتعليقها للحرفاء. والسؤال كل السؤال هو لماذا نشكو نقصا في "الصرف" وبخاصة بعض القطع النقدية من صنف 1 و2 و5 و10 و 50 مليم التي أندثر البعض منها ولم نصبح بالفعل نعثر على البعض منها على الأقل ؟
أول إجابة يمكن توفيرها في الغرض هي أن المؤسسة المكلفة بطباعة العملة أي البنك المركزي التونسي لا تتولى توفير هذه القطع النقدية على الأقل بالكفاية اللازمة. وهو أمر يبدو منطقيا جدا بالنظر إلى كلفتها التي تفوق قيمتها عند تداولها في السوق.
حتى المتسولين في الطريق
ثاني إجابة هي أن عديدا من التجار لا يذهبون إلى من يمكن له أن يمنحهم هذا "الصرف" وهي تقاليد أصبحت غير متداولة كما كانت على الأقل في الماضي القريب. إذ أن كانوا التجار يتحولون يوميا أو أكثر من مرة في اليوم الواحد إلى من لديهم "الصرف" مثل البنوك و "العطارة" و "الحماصة" وحتى المتسولين في الطريق العام والذين يتحصلون عن كثير من القطع النقدية من خلال" نشاطهم" اليومي إن صح التعبير.
هذا ويتذمر بعض التجار دوما من عدم إمكانية الحصول على هذا "الصرف". وذلك بالطبع لأن هذا "لصرف" نادرا ما يوفرونه كما أشرنا للأمر سابقا أو أنهم يخصصونه لمن لديهم مصلحة معهم مثل من يبيعهم سلعة تكون مفقودة أو يمنحهم أفضلية بطريقة أو بأخرى. هذا و قد لاحظ العديد منا أنه لا يمنكه الحصول على "تصريف" بعض الأوراق النقدية في بلادنا عند الحاجة إليها و أن من يتوجه إليهم لهذه الغاية يفتحون حتى صناديقهم ليبينوا لهم ذلك. وأنهم في السياق ذاته لا يجدون ضالتهم إلا بعد الذهاب إلى أكثر من تاجر. و حصل حتى أن لا تتم بعض الشراءات بسبب فقدان "الصرف".
والأمر قد يتواصل
و من العناصر التي يتم التأكيد عليها أحيانا لتفسير هذه المعضلة هي التدهور المستمر للدينار الشيء الذي يجعل بعض القطع النقدية فقدت قيمتها في المعاملات التجارية. وهو ما يقدمه أستاذ العلوم الاقتصادية بالجامعة التونسية رضا الشكندالي من تفسير غياب "الصرف" والذي يؤكد على أن الأمر قد يتواصل إذا ما تواصل هذا التدهور. والحال أن العملة تونسية ما زالت تعاني من هذا الوضع.
و تفيد المعطيات التي تحصلنا عليها في هذا الشأن أن الدينار التونسي عرف تدهورا كبيرا بين سنتي 2011 و 2016مقابل الأوروو هي من أهم العملات الصعبة المستعملة في بلادنا: من دينارين إلى دينارين و نصف. ثم عرف الدينار نوعا من التحسن من 3 فاصل 450 مليما سنة 2017 إلى 3 فاصل 170 سنة 2019. علما أن الدينار يتم تداوله اليوم في حدود 3 فاصل 300 مليم.
الاكتفاء باستخدام الدينارات
فكيف يمكن إذن تجاوز هذه المعضلة التي ترهق اليوم عديد المتعاملين في السوق بالعملة التونسية؟ يبدو أن هناك بالأساس حلين إثنين لا ثالث لهما. يتمثل الأول في ضبط سعر السلع والخدمات بطريقة تراعي الواقع المعيش. الشيء الذي يعني أنه لا مجال لضبط أسعار من نوع دينارين فاصل 520 مليم أو 3 دينارات فاصل 999 مليم مثلا. بمعنى على البائع أن يضبط أسعاره بعيدا أكثر ما يمكن عن المليمات. والاكتفاء إذن باستخدام الدينارات.
والثاني يتمثل في الذهاب تدريجيا إلى الحد من استخدام النقود بكل أصناف بما في ذلك الأوراق واستعمال البطاقات البنكية وكل ما يوفره اليوم الدفع بالأدوات التكنولوجية الأخرى. وهو أمر يتعرض في بلادنا اليوم إلى صعوبات من بينها رفض بعض الشرائح للدفع الإلكتروني قصد عدم إبقاء أثر لمعاملاتهم واعتماده الدفع نقدا دون سواه. وهو ما من شأنه أن يشجع على التهرب الجبائي و الفساد.
"الاندماج المالي"
يأتي بعد ذلك ضعف التجهيزات. و تشير إفادات تتعلق بسنة 2023 أن 8 في المائة فقط من الشركات الصغرى و المتوسطة في بلادنا تتوفر على جهاز لاستقبال بطاقات الدفع الإلكتروني. في حين أن الأمر ضروري إن أردنا تحقيق أحد أهداف الدولة حسب الخبير الاقتصادي محسن حسن والمتمثل في "الاندماج المالي" لكل الشرائح المجتمعية. وقد أفادت معطيات صادرة عن البنك الدولي سنة أن أكثر من 50 في المائة من الشركات التونسية لا تتعامل مع القطاع المصرفي.
و هو أمر جد محير إذ أن الدفع الإلكتروني و لو لشراء سلعة يساوي سعرها بعض المليمات فقط أصبح واقعا في عديد البلدان بما في ذلك دول عربية و إسلامية من محيطنا. فمتى يمكننا تحقيق هذه النقلة؟
محمد قنطاره
التعليقات
علِّق