مسرحية "غدا... وهناك...!" لنعمان حمدة: تعرّي الجانب الوحشي للإنسان وتنبّه من المستقبل المجهول

مسرحية "غدا... وهناك...!" لنعمان حمدة: تعرّي الجانب الوحشي للإنسان وتنبّه من المستقبل المجهول

قدّم المسرح الوطني التونسي، موفى الأسبوع المنقضي بقاعة الفن الرابع بالعاصمة، العرض الأول لأحدث إنتاجاته المسرحية "غدا... وهناك..." سينوغرافيا وإخراج نعمان حمدة ونص ودراماتورجيا لمريم السوفي.

وتقمص الأدوار في هذا العمل مجموعة من الممثلين حديثي التخرج من مدرسة الممثل هم ثواب العيدودي ولينا جردق وعياض حامدي ونادية بالحاج ومريم التومي ومحمد عرفات القيزاني وحلمي الخليفي وأنيس كمون.

في هذا العمل "غدا... وهناك...!" اختار المخرج نعمان حمدة أن يكون الركح خاليا من عناصر الديكور والأكسيسوارات واكتفى بالإضاءة، مما ينبئ منذ البداية بأن المخرج سيعول على لعب الممثل فوق الخشبة من ناحية، وليكون الفراغ الركحي منسجما مع الفضاء الذي تدور فيه أحداث المسرحية حيث تلتقي مجموعة من الأصدقاء من جديد بعد فترة زمنية طويلة، بعد أن تلقوا دعوة لحضورحفل عيد ميلاد، فيجدون أنفسهم في مكان غريب رغم انفتاحه وتعدد أبوابه ومنافذه إلا أن هذه الدعوة تعيدهم إلى المكان نفسه الذي انطلقوا منه، فيدفعهم هذا الوضع للتأمل من جديد في واقعهم رغم اختلافاتهم.

ويظهر هذا التعويل على أداء الممثل بدرجة أولى من قبل المخرج نعمان حمدة، وهو أحد المكونين في مدرسة الممثل بفضاء المسرح الوطني، ليبلّغ أحاسيس الرهبة والخوف من المجهول، فكان الأداء يراوح بين السكون تارة والهيجان طورا، وهي خصوصية اعتمدها المخرج لتفادي سقوط العرض، الذي دام حوالي ساعة ونصف، في الرتابة، بل خَطَّ الإيقاع منحًى تصاعديًّا انسجاما مع ذروة الأحداث وبنية المسرحية التراجيدية.

وفي ما يتعلّق أيضا بأداء الممثلين على خشبة المسرح، نجح "جنود" مسرحية "غدا... وهناك..." في تقمّص أدوارهم بحرفية، وجعلوا من أحاسيس الرهبة والخوف التي سكنتهم واقعا وحقيقة تسكن المتفرّج في حدّ ذاته.

ولعلّ اهتمام المخرج بعمل الممثل هو الذي جعله يغيّب الديكور والأكسيسوارات، أما الإضاءة فبدت منسجمة مع الفضاء ومتاهاته ولعبت وظيفة الدلالة على السكون والجمود والانغلاق وعبرت عن حالة التشظّي والتشتّت والتمزّق.

وجمعت شخصيات مسرحية "غدا... وهناك..." بين مختلف شرائح المجتمع على اختلافاته الفكرية. وهي بذلك ترجمة للعلاقة بين مكونات الشعب الواحد، إذ سادها الاختلاف والتوتر والعنف وصولا إلى حد القتل رغم الكارثة التي تحيط بهم جميعا، فكلّ منهم مستميت في موقفه المعتقد أن الدعوة كانت لحضور عيد ميلاده، رغم أن القضية المركزية هي البحث عن خلاص جماعي للخروج من ذلك المكان المخيف والمجهول.

وللمكان في هذه المسرحية أكثر من معنى، وهو قائم بالأساس على مفارقة بين المنشود والموجود، فهذا المكان عوض أن يكون فضاء للاحتفال بعيد الميلاد ورمز للفرح والحياة، يصبح مهجورًا لا حياة فيه، بل إنه يصبح سجنا لمن جاء للاحتفال وفضاء للصراع والعنف حدّ القتل.

ولم تكن عودة الشخصيات إلى هذا المكان المهجور بطريقة إرادية في كل مرة يخرجون منه، إلا محاكاة لصورة المجتمع الذي كلما علّق آماله على التغيير المنشود لتحسين ظروف العيش وبناء دولة قائمة الحرية والعدالة، إذ به في كل مرة يعود إلى المربع الأول الذي انطلق منه وهو مربع الصراع السياسي والعنف المتفشي في المجتمع.

ولذلك بدا التوجه العام الطاغي على المسرحية هو الموت والظلمة والسواد وغيرها من المشتقات الدالة على العدم والفناء، وقد أراد من خلالها المخرج التنبيه إلى المصير المجهول إذا لم يتمّ تدارك الأمر بسرعة لإنقاذ الدولة.

التعليقات

علِّق