لا عزاء للوطن....ايامنا كلها حداد

بقلم صباح توجاني المديوني
لم يجد الحسين العباسي رئيس اتحاد الشغل الذ يراس الرباعي الراعي للحوار الوطني من حل امامه سوى الإعلان للصحفيين المتعبين من طول الإنتظار، أن الحوار الوطني تم تاجيل جلسته الإفتتاحية سينطلق يوم غد الجمعة على الساعة العاشرة صباحا.
وأفاد العباسي، في تصريح لوسائل الإعلام في ساعة متأخرة من ليلة يوم الأربعاء بمقر وزارة حقوق الإنسان ، أنه تم بحث خلال اجتماع الرباعي الراعي للحوار مع الأطراف الموقعة على خارطة الطريق مسألة مزيد التشاور مع رئيس الحكومة، علي لعريض، لتقديم مزيد من التوضيحات حول الخطاب الذي ألقاه بخصوص تعهد الحكومة بالاستقالة، وذلك إلى جانب تناول موضوع النواب المنسحبين، الذين قال إنه سيتم الاتصال بهم اليوم لبحث مسألة عودتهم إلى التأسيسي.
وكانت جبهة الإنقاذ التي تضم احزاب المعارضة الفاعلة في الساحة انسحبت من قاعة الإجتماع التي كان تواجد فيها زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي رفقة الأمين العام لحزب حركة نداء تونس الطيب البكوش، قياديو المعارضة اعلنوا انهم علقوا مشاركتهم في الحوار الى حين تاكد استقالة حكومة علي العريض.
والحقيقة ان العباسي الذي ظل خلال الساعات الأولى رفقة باقي رؤساء المنظمات الراعية للحوار، شبه متاكد من نجاح الحوار الذي استنزف طاقاته وجهده طيلة اكثر من ثلاثة اشهر، أوشك ان ينتهي حال بدايته، اصيب بصدمة مثله مثل باقي التونسيين جراء الأحداث الإرهابية الخطيرة التي جدت ظهر الإربعاء في الجنوب وفي الليل في الشمال بما يوحي بان التنظيم الإرهابي الذي يستهدف تونس مر الى مرحلة تنفيذ تهديداته التي كانت حذرت منها المصالح الإستخباراتية التونسية والجزائرية والفرنسية والأمريكية.
ما عاشته تونس يوم الإربعاء الأسود حري بان يدون في شريط رعب هوليودي، فلم تجف دموع التونسيين بعد، جراء استشهاد 6 اعوان للحرس باحدى قرى ولاية سيدي بوزيد ، التي شهدت انطلاقة ما يسمى بثورة الربيع العربي، حتى نزل خبر استشهاد عون امن اخر وسقوط جرحى بجهة منزل بورقيبة جراء اطلاق نار عشوائي من طرف اشخاص ملثمين كانوا على متن سيارة مكتراة هجموا على دورية للحرس واجهزوا على احد الأعوان بلا تردد...
الا ان قصر الحكومة كان يغلي هو الأخر وسط احتجاجات الصحفيين الذين حضروا منذ منتصف نهار الإربعاء، لمواكبة كلمة رئيس الحكومة التي دعوا اليها وكان منتظرا ان يعلن خلالها عن قرار استقالة حكومته ويتعهد بذلك كتابيا...عندها فقط كانت الأحزاب السياسية خارج السلطة، ستدخل الحوار الذي كان سينطلق وسط اجواء فرحة الإنتصار...انتصار المعارضة وسقوط حكومة الترويكا..سقوط النهضة وخروجها من الباب الصغير..
الا ان الرياح عكست الإتجاه الذي ارادته المعارضة لها، فكان ان طلع علي العريض في حدود الساعة السابعة والنصف بالضبط، اي بتاخير خمس ساعات كاملة عن موعده، ليعلن ان حكومته المنصرفة تماما لمتابعة الأحداث الإرهابية الخطيرة التي تشهدها مناطق متفرقة من البلاد، قررت التعهد بالتخلي عن السلطة ،،،،بعد استكمال المسار التاسيسي.
وهو موقف قديم في ثوب لم يكلف رئيس الحكومة نفسه عناء تغييره فجاء بنفس المفردات واضحا لا غبار عليه: لا استقالة قبل اشهر....
الإعلان عن هذا القرار جاء متزامنا مع وصول الاف المتظاهرين تحت راية جبهة الإنقاذ الماعرضة الى ساحة القصبة حيث تجمعوا على بعد امتار قليلة من مكتب رئيس الحكومة مرددين شعارات تطالب برحيله وتخلي حكومته على السلطة فورا...
النداءات التي تواصلت الى الصباح لتتحول المظاهرة الى اعتصام اراده منفذوه مفتوحا الى حين اسقاط الحكومة، لم يكترث له لا العريض ولا مستشاروه ولا وزراؤه الذين التقوا لمدة ساعات متتالية لتدارس الأوضاع الأمنية العاجلة ثم خرج على اثر ذلك رئيس الحكومة ليلقي كلمة مقتضبة امام الصحفيين وقد تعلقت انظار التونسيين بشاشة التلفزات المحلية في انتظار ما سينطق به.
رجل الشارع لم يعد قادرا على تحمل المزيد من المصائب فقد ازدادت حيرته وتضاعف سخطه على النخبة السياسية التي يرى انها خيبت اماله ولم تكن في مستوى تعهداتها ابان الحملة الإنتخابية في اكتوبر 2011 ، وصارت تكاليف عيشه ثقيلة على ميزانيته المتواضعة.
رجال الشارع او ما يسمى ب"الأغلبية الصامتة" التي التفتت اليها اليوم وسائل الإعلام لتستمع الى اصواتها بعد ان اطل راس الأفعى من جديد ليفترس شباب الوطن الجريح وهم يؤدون واجبهم بكل شجاعة، هي اليوم منقسمة. فمن التونسيين من يعتبر ان تنامي الإرهاب هو الذي عطل انطلاقة الحوار الوطني الذي كان سيضع نقطة النهاية لمسلسل الأزمة السياسية والإقتصادية المستفحلة، ومنهم من يرى بان تعنت المعارضة الجالسة على الربوة وتمسكها بتنفيذ اجندتها باقصاء الحكومة ومن وراءها حركة النهضة من المشهد السياسي نهائيا هو السبب، فيما يشيع المعارضون ان حكومة علي العريض التي يصفونها بالفاشلة واساسا حركة النهضة هي التي رعت العناصر الإرهابية بتساهلها في التعامل معها في بداية نشاتها مما فتح المجال امام قيادييها المتطرفين الى استقطاب الاف الشباب العاطل عن العمل واغوائه بالمال لتنفيذ مخططاتها الإرهابية.
اما اغلب التونسيين من غير المتحزبين، فيعتقدون ان الأحزاب السياسية مجتمعة، في السلطة وخارجها، هي المسؤولة عن تفشي الإرهاب وتهريب السلاح بانصرافها الى التجاذبات السياسية العقيمة وانصرافها الكامل الى تصفية حساباتها الحزبية الضيقة دون مراعاة لأولويات البلاد التنموية بالأساس.
اقول بحرقة كبيرة، بان تونس اليوم هي التي تدفع الثمن من ارواح اولادها الشهداء، والسياسيون يتفرجون، و الدولة التونسية هي المستهدفة في كيانها ووجودها، فلا احد من الشعب يعلم علم اليقين ماذا يحدث بالضبط سواء في قاعات الحوار الوطني المغلقة او من يقف وراء الجماعات الإرهابية المسلحة."
وعليه فان كل الإحتمالات واردة بخصوص ما سيحصل خلال الأيام القليلة القادمة في ظل هذا التعنت وهذا الغموض في المسائل الإستراتيجية العالقة، وكل لحظة تمر في ظل هذا التلاعب بمصير الناس يتكون عواقبها وخيمة على المجتمع وتحديدا على الإقتصاد الذي اضحى يتنفس اصطناعيا..او هكذا اراد له سياسيونا.
فالشعب التونسي على قناعة اليوم بان اياد خفية تلعب وراء الستائر بمصير بلد باكمله دون ان يعطي اسما محددا لهذه الأيادي التي يصفها" بالقذرة" لأنها تعرقل مسيرة البناء الديمقراطي وتعيد عقارب الساعة الى الوراء غصبا واكراها.
ويستند التونسيون في الحكم على النخبة السياسية ككل بالفشل، في تواصل عمليات الإعتداء على مقرات الأمن العمومي طيلة ليلة الإربعاء الخميس، في مناطق متفرقة من البلاد بالإضافة الى الهجمات على الدوريات الأمنية القارة، فيما يتساءل التونسي بمرارة في الحلق: " لماذا يخرج العفريت من قمقمه كلما اقترب حل الأزمة السياسية؟؟؟
من يغذي الإرهاب ومن يموله؟؟؟
اسئلة حارقة و لا اجوبة لها يملكها الشعب الحزين الذي يعيش ايام حداد حقيقية تملأ القلوب حزنا على رحيل شباب شجاع قدم الروح فداء للوطن ...وطن جريح يئن من طعنات ابناءه السياسيين والإرهابيين على حد سواء وان بدرجات متفاوتة.
ان الخاسر الأكبر من عودة الإرهاب القوية، وتاجيل الحوار، ونعليق المعارضة مشاركتها فيه،واغتيال زهرات الوطن واسوده، وبث الخوف في قلوب الناس صغارا وكبارا...هو الوطن..
ولأنه من المستحيل واللامعقول تغيير الوطن، فانه لا يسعنا الا تغيير النخبة السياسية" ووجوه الكابة واللوح" التي مللنا خطاباتها وعوائها في ليلنا الطويل .
التعليقات
علِّق