لا تحدث إلا في تونس : الحكومة تقدّم مشروعا " ثوريّا " ونوّاب الشعب يعودون 3000 عام إلى الوراء

لم نتعوّد أن نرى جمعيات " تحارب " من أجل استقلاليتها تدافع عن الحكومة . لكن هذه المرّة رأينا وسمعنا رئيسة جمعية القضاة التونسيين روضة القرافي تدافع بكل وضوح عن الحكومة لكن في إطار معيّن ومحدد حتى لا تأخذكم الظنون بعيدا . وقد وضّحت هذا الأمر بالقول إنه من العجيب أن تدافع جمعية القضاة عن الحكومة .... لكن عندما يعرف السبب يبطل العجب مثلما يقال . وأكّدت القرافي أن وزارة العدل التي تعدّ جزءا من الحكومة تقدّمت بمشروع قانون يتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء . وبعد أن صادقت عليه الحكومة تمت إحالته على مجلس نواب الشعب للمصادقة عليه أو تعديل ما يمكن تعديله فيه . وأكّدت أن المشروع الذي قدمته الحكومة ولأول مرة في تاريخ القضاء التونسي تخلّى عن العديد من السلطات التي كانت متجّمعة لدى وزير العدل على غرار الإشراف على النيابة العمومية ونقل القضاة وغير ذلك لفائدة المجلس الأعلى للقضاء وأن هذه السلطات هي التي كانت تكبّل استقلالية القضاء وتجعله دائما تحت رحمة السلطة السياسية . ومن جهة أخرى أكدت رئيسة جمعية القضاة أن المشروع صاغه عمداء وخبراء في القانونين العام والدستوري ومنهم العميد محمد صالح بن عيسى وزير العدل المقال وهو عميد وأستاذ في القانونين المذكورين وكان واعيا بما يفعل . إلا أن لجنة التشريع العام التي كان يرأسها إلى حدّ اليوم الأستاذ عبادة الكافي أخذت المشروع وأفرغته تقريبا من محتواه وعدّلته إلى درجة أنه لم يعد مشروع الحكومة وأن هذه اللجنة لم يعجبها أن تتخلّى وزارة العدل عن أهمّ سلطاتها لفائدة المجلس الأعلى للقضاء وهو مطلب شعبي وحقوقي ومن المفروض أن يكون مجلس نواب الشعب أوّل من يدافع عنه وليس الحكومة . وقالت القرافي إن لجنة التشريع العام أعادت السلطات كاملة إلى وزارة العدل وكأنّها تتمسّك بضرورة أن يبقى القضاء على مرّ الزمان تابعا وخاضعا للسلطة السياسية . وأضافت أيضا أن المحكمة الدستورية قضت بعدم دستورية ما قامت به لجنة التشريع العام وطلبت منها تعديل التعديل وأوضحت لها أنه ليس من حقّها دستوريا أن تصبح هي صاحبة المشروع الذي يفترض أن تكون الحكومة صاحبته خاصة أن اللجنة وبعد أن فعلت ما فعلت أعادت المشروع إلى الحكومة كي تصادق عليه ثم تعيده إليها أي أن الأدوار الطبيعيّة قلبت رأسا على عقب .
وبالرغم من أنها لم تقلها صراحة فقد كادت روضة القرافي تقول لنا إن الحكومة أصبحت في هذه الحالة أكثر ثورية وتقدّميّة من مجلس نواب الشعب ممثلا في لجنة التشريع العام . وهنا يطرح السؤال الذي لابدّ منه وهو : هل انتخب الشعب التونسي مجلسا ليدافع عن مصالحه أم مجلسا يدافع عن الحكومة ؟. أما والحالة تلك أليس جديرا بالشعب أن يستجير بالحكومة من ظلم مجلس الشعب ؟.
جمال المالكي
التعليقات
علِّق