كيف فشل سعيّد في توجيه رسالة إيجابيّة إلى الولايات المتّحدة والعالم من خلال استقبال صحفيّتين أمريكيّتين...؟!

كيف فشل سعيّد في توجيه رسالة إيجابيّة إلى الولايات المتّحدة والعالم من خلال استقبال صحفيّتين أمريكيّتين...؟!

نشر المحامي و الناشط السياسي عبد اللطيف دربالة على صفحته الرسمية تحليلا على هامش استقبال رئيس الجمهورية قيس سعيد لصحفييتين أمريكيتين أول أمس الجمعة بقصر قرطاج.

وقال دربالة أن  الرئيس قيس سعيّد أراد توجيه رسالة إيجابيّة إلى الولايات المتّحدة والعالم من خلال استقبال صحفيّين أمريكيّين.. فحوّلها إلى رسالة سلبيّة مخجلة..!!

وجاء في تدوينة مطولة للأستاذ عبد اللطيف دربالة ما يلي : "فيفيان لي" (تجلس في الوسط باللون الأبيض في الصورة العليا) هي صحفيّة أمريكيّة تعمل بمصر كمراسلة لجريدة "نيويورك تايمز" الأمريكيّة العريقة والشهيرة.. جاءت إلى تونس لعمل تغطية إخباريّة بمجرّد إعلان رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد للإجراءات الاستثنائيّة مساء يوم 25 جويلية 2021..

في تونس تعرّضت الصحفية الأمريكيّة للمضايقة الأمنيّة وتمّ إيقافها لمدّة ساعتين.. وقد أبدت استغرابها لكون تونس لم تشهد ذلك منذ عشر سنوات من بعد ثورة 2011.. فكتبت في صحيفتها.. وغرّدت على تويتر.. وتناقلت كبرى وسائل الإعلام العالميّة أخبارها.. بما بدأ يشكّل فضيحة دوليّة لـ"نظام قيس سعيّد" الجديد.. أو الذي يريده جديدا..!!

فماذا فعل قيس سعيّد لإصلاح هذا الخطأ ومنع التأثير السيّء للحادثة على صورة تونس وعلى صورته الشخصيّة.. ولعدم التأثير سلبا على تقبّل إجراءات الرئيس الذي جمع بين يديه كلّ السلطات وأغلق مكتب قناة الجزيرة واعتقل أمنه صحفيّة أمريكيّة..؟؟

التفاصيل روتها الصحفيّة الأمريكيّة نفسها.. وشاهد الشعب التونسي جزء منها في شريط فيديو نشرته رئاسة الجمهوريّة على موقعها على الفايسبوك..

فقد استدعت الرئاسة الصحفيّة "فيفيان لي" على عجل للقاء الرئيس سعيّد صحبة زميليها من نفس الجريدة.. وذلك خلال ساعة واحدة.. وتمّ اللقاء فعلا بعد ظهر يوم الجمعة.. أي أوّل أمس..

وسبق لنا أن نشرنا تحليلا لتلك المقابلة.. وتوقّعنا فيه أن يكون أثرها معاكسا وسيّئا.. وهو ما حصل فعلا وصدق تحليلنا.. فعوض أن يصلح الرئيس سعيّد الإنطباع السيّء لدى الصحفيّين الأجانب.. أشعل على النقيض من ذلك تماما شعورا مضادّا.. إذ كتبت الصحفيّة الأمريكيّة لاحقا مقالا صحفيّا بدا متوازنا وموضوعيّا.. حتّى أنّه تعرّض بوضوح لحفاوة نسبة من الشعب التونسي بإجراءات 25 جويلية وعدم اهتماماهم بالديمقراطيّة مقابل الأزمات التي تمرّ بها البلاد..

لكنّ ما جاء بالمقال تضمّن تفاصيلا اعتبرتها وسائل إعلام تونسيّة وأجنبيّة مخجلة.. وهذه أهمّها:

ـ الصحفيّة كتبت على توتير بأسلوب لاذع بأنّها جاءت للبحث حول مخاطر انهيار الديقراطية في تونس فتلقّت قراءة للدستور الأمريكي من الرئيس التونسي.

ـ الصحفيّة قالت في أسلوب ساخر بأنّ الرئيس قيس سعيّد تعهّد بالمحافظة على حريّة الصحافة لكنّه لم يسمح لها كصحفيّة بطرح أيّ سؤال.

ـ الصحفيّة بيّنت بأنّها اعتقدت أنّ الدعوة الرئاسيّة قد تكون فرصتها في إجراء مقابلة مع الرئيس التونسي، لكن اتّضح لهم أنّه "تمّت دعوتنا لإلقاء محاضرة." كما كتبت في مقالها المطوّل..

ـ الصحفيّة قالت بأنّهم كانوا في النهاية "مجرّد دعائم".. أي وقع استعمالهم فقط كوسيلة وديكور لتوجيه خطاب من الرئيس سعيّد.

ـ أنّ فيديو المقابلة تمّ عمل مونتاج عليه وحذفت منه بعض اللقطات.. ومن بينها عدم ذكر حادثة اعتقالهم.. كما تمّ إخفاء محاولتهم طرح اسئلة على الرئيس ورفضه الإجابة عن أيّ سؤال.

ـ أنّه تمّ أمر المترجم بعدم الترجمة.. بما جعل الصحفيّة لا تفهم شيئا في حينه من اللقاء ولا من كلام سعيّد باعتباره تحدّث بالعربيّة وبالفرنسيّة أحيانا وهي لغات لا تفهمها.

ـ الصحفيّة كتبت: "تمّ تصوير كلّ شيء من قبل طاقم تصوير حكومي، وأدركنا أنه سيتمّ نشر مقطع فيديو للحلقة بأكملها على صفحة الرئيس الرسمية على فايسبوك، وربّما كان هذا هو السبب في أنّه من المهمّ أن نكون صامتين، نحن الجمهور."

ـ الصحفيّة كتبت: "في وقت من الأوقات، التقط (تتحدّث عن الرئيس سعيّد) حزمة من الأوراق من طاولة صغيرة من الرخام بلون ذهبي إلى يمينه. لقد كانت نسخة مطبوعة من دستور الولايات المتحدة، والتي تضاءلت كرامتها إلى حدّ ما بسبب حقيقة أنّه تمّ تجميعها معًا بواسطة مشبك ورقي".. في إشارة إلى التعامل مع الوثائق بطريقة غير محترفة تليق بالرئاسة..

ـ ذكرت الصحفيّة أنّ مدير البروتوكول بالقصر الرئاسي لم يعجبه حذاءها أو صندلها.. فأرسل لها حذاء آخر بكعب عال وكبير جدّا كما وصفته وارتدته.

ـ وصفت الصحفيّة بالتفصيل القيود على تصرّفات الصحفيّين بالقول: "تلقينا تعليمات بشأن مكان الوقوف وأين نجلس ومتى نجلس مرّة واحدة في حضور الرئيس."

ـ أوردت الصحفيّة بأنّها وضعت ساقا على ساق عند جلوسها على الكرسيّ.. فنهض مدير المراسم ولوّح لها بذراعيه من الزاوية خلف الرئيس لتغيّر وضعيّة جلوسها.

هكذا فإنّ رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد الذي جاء بالطاقم الصحفي لجريدة "نيويورك تايمز" من أجل بعث رسالة إيجابيّة مطمئنة للشعب الأمريكي وللعالم أجمع كما قال هو بنفسه في تلك المقابلة.. فعل العكس تماما.. فأرسل لأمريكا والعالم رسالة سيّئة وسلبيّة عنه وعن تونس وعن وضع البلاد والديمقراطيّة في عهده.. خاصّة بعد 25 جويلية 2021..

يُذكر أنّ جريدة "نيويورك تايمز" العريقة تأسّست سنة 1851.. وتصنّف في المرتبة 17 على مستوى العالم من ناحية الانتشار.. والمرتبة الثانية على الصعيد الأمريكي..وفازت بجائزة "بوليتزر" المرموقة للصحافة 125 مرّة متفوّقة على كلّ الصحف الأخرى.. وتعدّ من الصحف الأمريكيّة الشهيرة ذات الثقل دوليّا.. والمؤثّرة بشدّة داخل الولايات المتحّدة الأمريكيّة.. مثلها مثل "واشنطن بوست" ومجلّة "تايم" وغيرها.. وهي من وسائل الإعلام الموثوقة جدّا والأبرز في صناعة الخبر وبثّ المعلومات الأساسيّة سواء لدى وسائل الإعلام الأمريكيّة الأخرى المسموعة والمرئيّة والالكترونيّة.. أو لدى جميع أصحاب القرار في كلّ المستويات من الرئيس الأمريكي إلى سائر المسؤولين..!!!

بقلم الأستاذ عبد اللطيف دربالة

التعليقات

علِّق