قمة العنصرية : شركة أجنبية في تونس ترفض انتداب فتاة تونسية لأنها ترتدي الحجاب ؟؟؟

قمة العنصرية : شركة أجنبية في تونس ترفض انتداب فتاة تونسية لأنها ترتدي الحجاب ؟؟؟

 

إذا كان البعض منّا يظنّ أن مظاهر التمييز والعنصرية قد اختفت من هذا العالم دون رجعة فهو واهم . وإذا كان البعض يظنّ أن معايير الانتداب مثلا ليست سوى الكفاءة ودرجات التعلّم والشهادات فهو واهم أيضا . ولعلّ هذه الحادثة التي تعرّضت لها مواطنة تونسية حرّة تلخّص كل شيء وتقيم الدليل على أن الكثير من العقبات ما زالت موجودة أمام بعض العقول المريضة كي تحتفي بالفعل مظاهر العنصرية والتمييز.

هذه المرأة تقدّمت بسيرة ذاتية من أجل انتدابها في خطة معيّنة طلبتها الشركة . وعوض أن تدرس ملفّها وتقرر إثر ذلك إن كانت ستنتدبها أو يتعذّر عليها ذلك أجابها مسؤول ( أو مسؤولة ) بالشركة بشكل غريب وعجيب إذا قال بالحرف الواحد : متأسفون ... نحن لا نقبل المحجّبات... ويحدث هذا طبعا في عقر دارنا ... من قبل شركة أجنبية تنشط على أرضنا وتأكل من خيرات بلادنا.

تقول هذه المرأة التونسية في تعليقها على حادثة غريبة تعرّضت لها مؤخرا : " تعرّضت لإهانة كبيرة اليوم كامرأة . بعثت سيرتي الذاتية لشركة " .... " ( اسم الشركة واضح على الصورة المصاحبة ) وبعد 8 دقائق أجابوني بأنهم لا يقبلون النساء المحجّبات ".

وأضافت هذه السيدة التونسية قائلة : " في سنة 2022 وفي تونس بلد الحرية وتعدد الثقافات وتقبّل الآخر هناك شركة تميّز بين الموظفين على أساس الانتماء والمعتقدات وليس على  أساس المهارات أو المؤهلات ... لقد أحسست حقا بإهانة عظيمة في شخصي كامرأة حرة عربية ومسلمة ...".

هي بالفعل حكاية غريبة وعجيبة ولا يمكن لأي ذي عقل سويّ أن يقبل حدوثها ونحن في عام 2022 . فلو أن هذه الحكاية وقعت في بلد آخر يعرف أهله بالتزمّت والتشدّد والتمييز بين الناس على أساس الدين أو الجنس أو اللباس أو المعتقدات لقلنا إن ذلك قد يكون عاديا . لكن أن تحدث في تونس البلد الذي فتح ذراعية وأحضانه منذ آلاف السنين لمختلف الحضارات والديانات والأجناس واللغات والثقافات فهذا أمر مرفوض ولا بدّ من فضحه والتنديد به وبكل من يقف وراءه ويسنده بصفة أو بأخرى.

وليس هذا فحسب . فهذه الشركة تنتمي إلى بلد يدّعي حكّامه وأصحابه وكل من يروّجون له أنه " بلد الحريّة والأنوار والحقوق الكونيّة ..." وما إلى ذلك من شعارات يبدو أن بعضها ما زال للأسف لا يمتّ إلى الواقع بصلة.

ولعلّ الأغرب من كل هذا أن الحادثة وقعت بتونس أي في عقر دارنا . لذلك تساءلنا وتساءل الكثير منّا : هل كانت تقع في فرنسا ذاتها  وتتجرّا هذه الشركة على تعليل رفضها انتداب أي كان بأنها : لا تقبل المحجّبات "؟. وبكل تأكيد من المستحيل أن تقع هذه الحادثة في فرنسا أو في غيرها من البلدان التي توجد بها  قوانين ومنظمات قويّة تتصدّى لها بكل صرامة وقوّة  بالإضافة إلى أن هذه الشركة ( أو غيرها ) تدرك مسبقا أنها لو فعلت ذلك ستكون عرضة إلى  التتبع القضائي وإلى الغرامة المالية وربّما عقوبات أخرى.

ولعلّ ما لا يعرفه الناس في ما يتعلّق بتفاصيل أخرى لهذه الحادثة أن مسؤولي الشركة وبمجرّد أن أدركوا خطورة ما حصل بادروا بالاتصال بهذه المرأة التونسية لكن لماذا وبعد ماذا ؟. فقد اتصلوا بها ليقدّموا لها الاعتذار لكن دون أن يتبع ذلك نظر في الملف الذي قدّمته من أجل انتدابها . فماذا سينفعها الاعتذار ( لو حصل فعلا ) في حين يظلّ الجرح نازفا وهو جرح معنوي كبير يعكس عقلية عنصرية تمييزيّة بغيضة .

أما وقد حصل ما حصل فإن المطلوب من الجهات  الرسمية المسؤولة  في تونس وسفارة فرنسا في تونس أن تبدي موقفا حاسما وحازما إزاء ما حدث. فليس من المعقول أو المقبول أن تتصرّف شركة أجنبية منتصبة بتونس بهذا الشكل مع مواطنة تونسية لها مؤهلات ومستوى تعليمي يجعلانها لا تقاس بما ترتدي وتلبس بل بما تحمل من علم ومعرفة وكفاءة.كما على المنظمات الوطنية التونسية أن تندّد بهذا التصرّف وأن تفضحه  ليس لأننا ندافع عن تونسية بل من أجل الدفاع عن مبدأ كوني عام وشامل وهو أننا نرفض جميعا التمييز والعنصرية في أي مكان في العالم ومهما كان الشخص الذي يتعرّض له.

جمال المالكي

التعليقات

علِّق