قرة القدم وربطة العنق ....المرزوقي يتحدى منافسه ويسخر من مهاجميه

الحصري - مقال رأي
بقلم : نيرمين غريبي
المنافسة على الانتخابات الرئاسية ظاهرة جديدة في تونس غريبة عن تقاليد الشعب والإعلام وحتى السياسيين الذين عاشوا عقودا تحت مظلة الاستبداد وهي لذلك لا تنطلق في بلادنا من رصيد تاريخي وإنما تعتمد على أساليب وأدوات بعضها مبتكر وكثير منها إعادة إنتاج ثقافة سياسية قديمة لا تقوم على التنافس وتساوي الفرص وإنما هي مخلفات ديمقراطية شكلية لرئيس يزين المشهد بمنافسين ديكور وتسخر له الإمكانيات الأرضية والفضائية وما بينهما بينما تنهال سياط النقد والتبخيس على خصومه المسالمين أو المستسلمين أصلا وفق المقولة المشهورة وليدة دولة الاستبداد " المشاركة لترسيخ الثقافة الديمقراطية "
في انتخابات تونس 2014 سبقت بلادنا مجددا لكسر هذا النمط الخشبي البائد فجاءت ولادة التنافس الانتخابي في فضاء الحريات والشفافية ولادة عسيرة لم ولن تمر بلا مخلفات، فتجد المؤسسات الاعلامية وحتى الرسمية منها احيانا ومكونات المجتمع المدني والمجتمع عموما يتخبطون في التعاطي مع المتنافسين وقواعد المنافسة فينتشر التجريح والتشويه ويستثمر كل شيء حتى الانتماء الجهوي واللون واللباس والانفعالات وزلات اللسان، وما اكثرها في جو متوتر صاخب، وهكذا انتجنا مشهدا انتخابيا يراوح بالكثير من التناقض واللا معقولية بين المواقف والآليات الراقية المشرقة وبين السقوط إلى أسفل الرذائل من وسائل التهجم والثلب والتأثير على الناخبين ولا وعيهم السياسي والثقافي.
السبسي يستحضر الماضي والمرزوقي يبتكر ويستفيد
حدثني احد الاصدقاء ممن استغربت وقوفه خلف السبسي وهو صاحب الفكر المناهض للاستبداد والمناصر للفقراء والمهمشين مبررا موقفه فقال " الباجي هذاكة بورقيبة خرج من قبره " وهو فعلا ما أراد الباجي وحملته تبليغه للناس منذ زمن استدعاء للماضي واستبطان لشخصية بورقيبة الزعيم المنقذ ...ولكن للأسف احيا مع ذلك شعورا بالانفصام لدى عديد التونسيين الذين عانوا وذاقوا الويلات من نظام بورقيبة ووريثه بن علي ...ايضا احيا السبسي في الناس مظالم التجمع وعصاباته في كل حي وقرية حيث كان رؤساء الشعب يتحكمون في رقاب الناس وأرزاقهم ...واحيا نعرات جهوية وانتماءات تاريخية بارتباط اسمه شخصيا وفترة بورقيبة تاريخيا بالتنكيل باليوسفيين وكافة المعارضين شمالا وجنوبا.
أما المرزوقي وإن كان قد خسر بعضا من زملاء النضال ورفاق المعارضة فإنه احسن استثمار الموقع المتخلف لخصمه باعتباره عودة للقديم وممثل دولة الاستبداد والفساد وكونه تناصره المنظومة القديمة وهو رمز لعودة الاستبداد والتغول على السلطة من حزب واحد ورجل واحد.
ولكن الاهم من ذلك تقدم المرزوقي بعملية تواصلية فيها الكثير من الرسائل الرمزية والسخرية بخصمه بطرائق طريفة وغير تقليدية لدينا لكنها معلومة في الغرب وفي الديمقراطيات العريقة، فاستطاع الدكتور توظيف مسألة الهيبة التي اختزلت في مظاهر مثل ربطة العنق والبروتوكولات المتعلقة بالزي فالبسته شابة يوم احتفال القبة وسط صخب واهازيج الشباب ربطة عنق في مشهد استعراضي جعله يتعالى عن الموضوع اكثر رغم ما اضفاه الزي من جمالية على الرئيس المتحرر من العقد والصور الجامدة،
أما الرسالة الموجهة مباشرة إلى منافسه، وإن كان قد صرح انها عملية تلقائية، فهي خروجه عشية اجتماع القبة في ملعب معشب يمارس كرة القدم ويستعرض قدراته البدنية في الجري وهو محاط بمجموعة من الشباب والكهول وهي صورة لا يملك من يشاهدها إلا ان يستحضر قدرات منافسه البدنية ووضعه الصحي، ولم يكن المرزوقي في حاجة لقول شيء عن ذلك فالصورة وما تقدمه من رسائل مرئية وخفية أبلغ من الكلام واقوى تأثيرا.
القوافل الوطنية ومخاوف تقسيم التونسيين
ورغم ما قيل ويقال من أن المتنافسين قد جاؤوا أمورا وقالوا أقوالا قد تتسبب في تقسيم التونسيين واتهام بعضهم بنعوت خطيرة بمجرد أنهم انتخبوا الآخر، ولأن المرزوقي الأقل حضورا وقدرة على توضيح موقفه في الإعلام جاءت القوافل الشبابية التي ربطت بين أطراف الوطن لتجمع وتقدم الدليل أن الثورة قد قطعت مع كل نعرات التقسيم والتهميش بين جهات الجمهورية وان مرشح الثورة هو الأقدر على جمع التونسيين من غيره.
ولقد جابت القافلة جنوب البلاد مرورا بصفاقس والساحل ونابل والعاصمة وصولا إلى أقصة الشمال فكذب أنصار المرزوقي أنه مرشح جهة او فئة وإنما له في كل مكان مناصرين ممن تشبثوا بآخر أمل في استكمال اهداف الثورة والخائفين من ضياع الحرية ، فالاختلاف بين مناصري هذا وذاك ليس جهويا ولا عرقيا ولا فكريا أيديولوجيا وإنما موقفا واختيارا لمبدأ الحرية قبل واهم من أي انتماء ولا شك ان فقدان الحرية لن يكون صعبا ولا مخيفا إلا للاحرار بينما لا يهتم بها غيرهم لانهم في الغالب لم يشعروا بفقدانها يوما.
التعليقات
علِّق