في كل حديث عن تحوير وزاري : هذه هي الأسباب الحقيقة لتعرّض زياد التلمساني إلى هجمات صاروخية

في كل حديث عن تحوير وزاري : هذه هي الأسباب الحقيقة   لتعرّض  زياد التلمساني إلى هجمات صاروخية

 

لم يعد لدينا أي مجال للشك في أننا نعيش في بلد لا يؤمن بكفاءات أبنائه . وليس هذا فقط  إذ أن الأمر لا يتعلّق فقط بعدم الإيمان بالكفاءات بل بالعمل على طمسها وتجميدها وتحييدها  لتخلو الأجواء أمام الكثير من التافهين وعديمي القدرة والمستوى حتّى يستأثروا بتسيير شؤون البلاد في الكثير من  القطاعات التي لا يفقهون فيها أي شيء على الإطلاق .
ولعلّ الكثير منكم قد لاحظ أنه كلّما تم الحديث عن تحوير وزاري وشيك أو جديد إلا وسنّ البعض من الإعلاميين أو المحسوبين على الإعلام رماحهم وأخرجوا سيوفهم لشن حرب  لا لزوم لها ولا شيء يبررها على  واحد من أبناء هذا البلد وكفاءاتها وهو زياد التلمساني .
وقبل أن ننطلق في ما سيأتي ليكن في علم الجميع أننا لا ندافع عن هذا الشخص الذي لا يستحق أصلا أن يدافع عنه أحد لأنه ببساطة يملك ما لا يملكه  أحفاد " أبي جهل " وما أكثرهم في هذا العصر. فقط هي كلمة حق نصدع بها  في زمن تعملق فيه الباطل وصارت كل الطرق تؤدّي إلى المناصب إلا الكفاءة والشهائد والخبرة والمستوى الدراسي ... وكل هذا الأمور باتت للأسف آخر ما ينظر إليه  مسؤولو هذه البلاد  وتحديدا منذ 14 جانفي 2011 .
ولعلّ من المؤكّد أن هؤلاء الذين يهاجمون زياد التلمساني يجهلون أن الرجل حاصل على شهادة الباكالوريا   ثم درس سبع سنوات تقريبا شفعت بالحصول على شهادة مهندس في الإعلامية  وكان عند تخرّجه في تلك الدفعة الأولى من أصغر المهندسين التونسيين . وبالتوازي واصل تألقه في كرة القدم التي انقطع عنها بضع سنوات لأنه  ووالده عبد المجيد فضّلا المستقبل العلمي والدراسي على مستقبل رياضي قد ينتهي إلى الأبد في أوّل إصابة تمنع صاحبها من اللعب . ولعب زياد التلمساني مع الترجي في أعلى مستوى ومع المنتخب الوطني ما يقارب 50 لقاء دوليّا ... وانتقل إلى فريق " فيتّوريا غيماراش " البرتغالي  وترك أطيب الأثر ثم لعب أيضا في اليابان . وبالتوازي مع ذلك شرع في تكوين مستقبله المهني من خلال إنشاء شركات في الإختصاص الذي يتقنه  ونجح في الحياة المهنية مثلما نجح في الحياة الرياضية .
وبين المهنة والرياضة اكتسب المعارف والتجربة . وعندما عبّر في أكثر من مرّة عن رغبته في تسيير شؤون الشباب والرياضة من خلال منصب الوزير سمعناه جميعا ووجدنا أن له من الأفكار والبرامج ما يكفي لتسيير 4 وزارات وليس وزارة واحدة . وبالإضافة إلى حقّه في الطموح السياسي الذي لا يمكن لأحد أن يجحده عليه ( وعلى غيره ) يمتاز زياد التلمساني بشخصية قويّة ليست للأسف الشديد مطلوبة لدى كبار المسؤولين الذين يرون دائما أن صاحب الشخصية القويّة شخص عصيّ عن السيطرة وبالتالي " أخطانا منّو "  لأنهم  في الحقيقة يبحثون عن أشخاص كالعجين الطيّع الذي يمكن أن نصنع منه الشكل الذي نريد في الوقت الذي نريد ... ولسوء حظهم فإن زياد التلمساني ليس من هذا النوع  " المطلوب المرغوب " .
ولا شكّ أن طموح زياد التلمساني اصطدم في كل مرّة بعدّة معطيات  لعلّ أهمّها أن الانتماء الحزبي صار للأسف أمرا ضروريا لكل شخص يروم منصبا عاليا في الدولة . وها نحن  اليوم نرى وزراء أعظم من الكوارث يسيّرون قطاعات هامة  وحصلت في عهدهم مصائب لم تحصل في التاريخ ومع ذلك هم باقون  في مناصبهم  إلى درجة أن البعض بات يقول إن رئيس الحكومة عاجز عن تغييرهم لأنهم يجدون الدعم الكبير من أحزابهم ومن الأحزاب المتحالفة مع أحزابهم  رغم أن وصولهم إلى الوزارة  كان في الأصل بلا أي منطق ولا شيء يبرره على الإطلاق .
الآن دعونا نقارن بين وزيرة شؤون الشباب والرياضة الحالية وبين  زياد التلمساني . أكيد أن الكثير منكم سيقول إنه لا يجوز أبدا أن  نقارن بين الثرى والثريّا أو بين روسيا والرأس الأخضر ( لا تسألوا لماذا روسيا والرأس الأخضر بالذات فقد أتت هكذا بالصدفة ) . وعلى هذا الأساس لا سبيل إذن لمقارنة شخص له كافة المواصفات التي تؤهّله لمنصب وزير للشباب والرياضة ووزيرة هي ذاتها ما زالت إلى اليوم لا تصدّق كيف جاءت إلى الوزارة أصلا .
وعندما نتحدث عن زياد التلمساني فإن المقصود مئات بل آلاف من الكفاءات التونسية التي تم إقصاؤها وتهميشها عمدا وبفعل أكثر من فاعل . وحسب ما نعلم فإن تونس لم تنقطع يوما عن الولادة وقد أنجبت وما زالت كفاءات كثيرة في مختلف المجالات والميادين . إلا أن قصر النظر السياسي وتغلّب منطق الولاءات والمحسوبية  والحسابات الضيقة التي أصبحت تضع المصلحة العامة في آخر مراتب الأولويات ... وشيوع ثقافة الكسل والتواكل والتعويل على ضربات الحظّ في لعبة قمار أو حصان يجري في مرسيليا أو مركض قصر السعيد ... وثقافة " رزق البيليك " التي تبيح نهب موارد الدولة والشعب بحلالك وحرامك ( وطلعا حرامك أكثر من حلالك ) كل هذا وأكثر جعل المشهد مقلوبا رأسا على عقب فصرنا نجد " الخدّام " ملقى في ركن والكسول  " الكركار " في أعلى المراتب ... وصرنا نجد صاحب الفكر والموهبة والخبرة  لا يكاد يسمع له صوت بينما  صاحب الفكر المتجمّد وعديم الفكر أصلا في  مراتب متقدّمة في تسيير شؤون البلاد والعباد .
ويبقى السؤال الذي لابد منه وهو : هل بهذه العقلية يمكن أن نطمح إلى بلوغ جزء بسيط مما بلغته دول أخرى تؤمن بأن الكفاءة والخبرة تمرّان قبل الولاءات ومنطق " الأقربون أولى بالمناصب " ؟. بصراحة لا نعتقد ذلك  اللهمّ إلا إذا حدثت معجزة في هذه البلاد .
جمال المالكي

التعليقات

علِّق