في غياب الأفكار وتصحّر العقول : القنوات التلفزية التونسية تتحوّل إلى حوانيت لبيع الصحون وآلات التجفيف و " القلّايات "

في غياب الأفكار وتصحّر العقول : القنوات التلفزية التونسية تتحوّل إلى حوانيت لبيع الصحون وآلات التجفيف و " القلّايات "

في بلاد العالم  كلّه لا يوجد لشيء إسمه " كونجي " تتمتّع به القنوات التلفزيّة إلا في تونس حيث تنتهي مع نهاية شهر جوان " مواسم الإنتاج " إذا اعتبرنا طبعا أن ما يقدّم لنا في أغلبها إنتاج. وبالإضافة إلى هذه البدعة التي خلقتها قناتا " نسمة " والحوار التونسي اللتين تنتهي برامجهما منذ سنوات مع انتهاء برامج مساء الخميس ليتمنّى لنا العاملون فيهما " ويكاند " سعيدا ... وإلى اللقاء يوم الاثنين المقبل فقد انخرطت كافة القنوات التونسية باستثناء الوطنيتين الأولى والثانية  اللتين رفعتا شعار " جمّر البايت وأعطي للغافلين " في  بدعة أخرى وهي تحويل هذه القنوات إلى دكاكين تبيع وتشتري وتقوم بالإشهار لشركات معينة وأدوات معيّنة على غرار آلات تسريح الشعر وآلات الطبخ بمختلف أنواعها وأدوات التجميل والأعشاب الطبيّة ( الله أعلم إن كانت حقّا طبيّة ) والثلاجات وأجهزة التلفاز ... وغيرها مما لا علاقة له بالصحافة والاتصال أي بالمجال الأصلي لهذه القنوات ... فبمجرّد أن تقوم بجولة عبر هذه القنوات حتى  تلاحظ أنها وعلى بكرة أبيها وأمها منخرطة في هذه " الخدمة الجديدة " في نفس الوقت وتعرض نفس السلع بواسطة " جنيّات " يبدو أن أقل واحدة فيهنّ قد  ابتلعت 10 آلات تسجيل دفعة واحدة .

وأحيانا تقوم هذه القنوات بالترويح عن نفسها فتقطع البث من " السوق " لتعرض علنا أصنافا من المأكولات اقلّها يتكلّف أجرة  كامل لعامل يتعب من أجلها شهرا كاملا . ولعلّ أطرف ما في الحكاية أن قناة " تلفزة - تي - في " على سبيل المثال ( وهي التي تخصص 90 بالمائة من وقت البث للإشهار من خلال سوق الماعون والأدوات ) تقطع البث لتنتقل إلى " فقرة إشهارية " قبل أن تعود إلى الإشهار.

ولسائل أن يسأل هنا : أين " الهايكا " التي يبدو أنها انخرطت أيضا في نوم عميق منه قد لا تستفيق؟؟؟. فحسب ما نعلم فإن الإشهار في وسائل الإعلام المختلفة مضبوط ومحدد بمساحة ووقت ونسبة مائوية من إجمالي البرامج لا يمكن تجاوزها ... وإنه يتوجّب على كل وسيلة إعلامية أن تعلن أن ما تعرضه يدخل في إطار الإشهار وليس مثلما هو موجود الآن حيث يتم " تغليف " كل شيء في قالب مواد إعلامية وهي في الحقيقة إشهار لا غبار عليه.

إن ما يقدّم على قنواتنا دليل على تصحّر الفكر والعجز عن استنباط الأفكار التي نخلق من خلالها برامج تشد الناس وتنفعهم وتحقق نسب مشاهدة مهمّة . وهو أيضا فقر مدقع وعامّ وشامل ولا يهم هذه القنوات فقط بل يهم أيضا القناتين اللتين ندفع " دم قلبنا " أجورا للعاملين فيهما مقابل صفر من الإنتاج وجبال من الكسل والتواكل وعقليّة " مسمار في حيط " ولا يهم بعد ذلك إن أصبنا بأمراض الدنيا السبعة جراء ما تقدّمانه لنا أو إن متنا أصلا كمدا وحسرة .

هذا هو المشهد الإعلامي المرئي في تونس اليوم للأسف الشديد . شعاره الأوحد الوحيد المشترك بين الجميع " دزّ تخطف " ... إلى أن يأتي ما يخاف ذلك...ولا أعتقد أن هذا الذي يسمّى " ما يخالف ذلك " سيأتي ولو بعد 100 عام.

جمال المالكي

التعليقات

علِّق