في ظل إفلاس أغلب الفرق التونسية : متى تتدخّل الدولة لتضمن الحياة في انتظار تغيير المنظومة بأكملها ؟

في ظل إفلاس أغلب الفرق التونسية : متى تتدخّل الدولة لتضمن الحياة في انتظار تغيير المنظومة بأكملها ؟

يبدو أننا وصلنا في تونس إلى مرحلة أصبحت فيها رئاسة الجمعيات الرياضية " تهمة " شنيعة بات الجميع يتهرّب منها ويتفاداها.فقد أصبح العثور على رئيس جمعية يقبل التسيير في هذه الظروف التي تعيشها فرقنا بلا استثناء تقريبا أصعب من العثور على إبرة في كوم من التبن أو مثلما يقال إدخال فيل من ثق إبرة.

إن كافة الجمعيات الرياضية في تونس باستثناء الترجي الرياضي تقريبا تعاني الويلات بسبب قلّة الموارد المالية التي باتت منذ حوالي 10 سنوات تتقلّص عاما بعد عاما حتى انعدم بعضها تماما فلم تعد بعض الجمعيات تجد الحد الأدنى من الموارد التي  تسمح لها بمواصلة البقاء على قيد الحياة.

لا أحد يسمع أو يرى ؟

هذا الوضع يعرفه القاصي والداني في تونس . وقد قدّمت أطراف عديدة منذ سنوات عديدة مقترحات عديدة لتطوير المنظومة الرياضية عموما بما يسمح للجمعيات الرياضية بضمان موارد مالية قارة تسمح لها بالعيش والقيام بدورها التربوي والتأطيري وذلك من خلال تغيير قانون الجمعيات الرياضية و" تحرير " الجمعيات من أن  تبقى حبيسة رجل أعمال مثلا لا تعيش إلا إذا  أنفق عليها من ماله ... وربما تموت أو تتوقف عن النشاط إذا توقف هو عن ضخ الأموال لها.

وتم كذلك تقديم مقترحات أخرى ترمي إلى النهوض بالرياضة عموما لكنّها لم تجد غير التجاهل لأن هناك منظومة معيّنة أحكمت سيطرتها منذ  عدة سنوات على كل شيء وباتت تتحكّم في كل شيء ... ويوجد فيها أفراد ( أو مجموعات ) تتمعّش من الوضع السيّئ للجمعيات الرياضية ومن بقاء الوضع على ما هو عليه ... وبالتالي فهي تعمل ( المنظومة ) على تعطيل كل شيء حتى لا يتغيّر أي شيء.

" شيء من الحنّة وشيء من رطابة اليدين "

وعندما نقول " منظومة " فلا يعني ذلك أنها المسؤولة الوحيدة عن وضع الجمعيات في تونس. فهناك العديد من الجمعيات التي ساهمت عن وعي أو عن غير وعي في ما آلت إليه أوضاعها وأوضاع الفرق الأخرى. فقد أجمع مئات من الملاحظين العارفين بأنه لا يوجد في تونس لاعب كرة قدم واحد يستحق أن يتقاضى أجرا شهريا يساوي 70 أو 100 ألف دينار حتى من أولئك الأجانب الذين لم يضف أغلبهم لنوادينا شيئا على الإطلاق. ومع ذلك يوجد لاعبون يتقاضون مثل هذه المبالغ أو أكثر أحيانا. ومن الطبيعي جدّا أن الأمور ستؤول إلى " الإفلاس " طالما تسمح بعض الفرق لنفسها بدفع هذه المبالغ للاعبين لا يساوون في الحقيقة واحدا من عشرة من المبالغ التي يتقاضون.

ما العمل ؟؟؟

في الوقت الراهن نجد أن 99 بالمائة من الجمعيات الرياضية في مختلف الأصناف والدرجات " تبقبق " ولا تكاد تجد ما تسدد به نفقات شهر واحد فما بالكم والموسم الرياضي لم ينطلق بعد ؟. وفي انتظار أن تهبّ رياح التغيير على المنظومة السائدة ونهتدي إلى حلول جذرية تسمح للأندية التونسية جمعاء ( أو أغلبها على الأقل وأكثرها شعبية وتأطيرا واستقطابا للشباب ) بالعيش في ظروف طيّبة لا بدّ للدولة أن تتدخّل لتمنع اندثار العديد من الفرق المهددة فعلا بالإندثار في ظل الوضع الحالي.

وتدخّل الدولة لا يعني إلى ما لا نهاية بل يتم في مدة زمنية معينة ريثما يتم إيجاد الحلول الصحيحة والدائمة . فالدولة هي المسؤولة الأولى عن شباب البلاد ... النوادي هي في الحقيقة تنوب عن الدولة في مسألة  الرعاية والتأطير. ومن هنا يجب على الدولة أن تتدخّل لتساعد النوادي فتنقذ بالتالي مئات الآلاف من الشباب من الضياع والانحراف والمتاهات.

ولعلّ من أوكد الحلول التي يجب إقرارها في المستقبل تسقيف  أجور اللاعبين والإطارات الفنيّة من خلال وضع حدّ أقصى وحدّ أدنى لهذه الأجور على أن يكن ذلك حقيقة ملموسة وليس كذبة أخرى تسمح بمواصلة الدفع " تحت الطاولة " رغم وجود عقود مكتوبة تحدد سقف تلك الأجور.

إن وضعية النوادي التونسية باتت اليوم تنذر بخطر كبير وأصبح مستقبلها غامضا . وفي غياب تام للراغبين في رئاسة النوادي نظرا إلى المشاكل الجمة التي تعرّض لها سابقوهم ومنها بعض حالات السجن ونكران الجميل والسب والشتم نرى أن على الدولة أن تلعب دورها كاملا وأن تنظر إلى المسألة من باب التوازنات الاجتماعية على الأقل لأنها تدرك أن اندثار جمعية ما  يعني آليّا مزيدا من المنحرفين في الشارع ومزيدا من العاطلين عن العمل و النشاط. ولو نظرنا إلى المسألة من الناحية الماديّة سنجد أن بضعة مليارات لا تساوي شيئا بالنسبة إلى ميزانية الدولة رغم صعوبة الظرف الاقتصادي ..لكنّها في المقابل تساوي الكثير بالنسبة إلى العديد من النوادي إذ تمثّل الحياة والاستمرار وتجنّب المزيد  من المشاكل التي نرى أننا في غنى عنها.

جمال المالكي

التعليقات

علِّق