عودة الرئيس الذي لم ينتصر.....

بقلم نوفل بن عيسى
حين تولى الدكتور محمد المنصف المرزوقي رئاسة الجمهورية، كان له أن أمضى على دستور الجمهورية الثانية الذي صيغ بطريقة توافقية بين احزاب الرباعي الحاكم المعروف باسم "الترويكة". ومنذ ذلك بدأت البلاد تتخبط في اوحال دستورية متكررة ومتعددة ما أتى الله بها من سلطان. فكان لابد من حل لاضفاء المشروعية على كل ما من شأنه ان يخرج البلاد من المٱزق المتأتية من عدم استكمال الاليات والمؤسسات الدستورية على غرار المحكمة الدستورية. وعندها أتى رئيس الحزب الأغلبي، حركة النهضة، وبدهائه السياسي المعهود، بفكرة 'التوافق" ليجعل منه وسيلة للخروج بالبلاد من الطرق المسدودة والمآزق.
ورغم هذا الاجتهاد فان العشرية الاولى من الجمهورية الثانية كارثية على كل المستويات وباجماع الجميع من الموضوعيين على غرار العشرية الاولى من الجمهورية الاولى التي بدأت بنزاع دموي بين البورقيبيين واليوسفيين شهد اوجه بما يسمى ب"صباط الظلام" وانتهى بقتل الزعيم صالح بن يوسف بالمهجر. كما عرفت هذه الفترة فشل سياسة التعاضد الاقتصادية التي أدت الى نزوح اهالي الريف والمناطق الفلاحية من جراء الفاقة والجوع والفقر المدقع. ومن وقتها تريفت المدن ولم تزدهر الارياف.
وحيث تدار الدول المتقدمة والمتحضرة والمحترمة لاختيارات شعوبها بالدساتبر والقوانين والمؤسسات، فمن البديهي أن تجانب ادارة البلاد الصواب وتأتي بالعجب العجاب طالما يترك الدستور جانبا ويحل محله "التوافق" كاطار حكم ووسيلة اضفاء المشروعية.
وفي حين تاه أهل السياسة في دوامة "التوافق" حول تقاسم السلطة و"الكراسي" والنفوذ والتموقع في الحكم والمصالح، شاخ أهل البلاد من وهل الركض وراء لقمة العيش والحاجة والخوف على مستقبل ابنائهم وتشغيلهم اذ تراجع مستوى التعليم ومصداقية النجاح المدرسي والشهائد العلمية وكذلك القدرة الشرائية وانتشرت الامراض المزمنة وانخرم الاقتصاد وتفاقمت الديون واستفحل الفساد والاجرام وصار الاسترزاق "من حرامك وحلالك" ولسان حال المواطن يردد من شعر نزار قباني:
ودخلنا في زمان الهرولة..
وو قفنا بالطوابير, كأغنامٍ أمام المقصلة.
وركضنا.. و لهثنا..
وتسابقنا لتقبيل حذاء القتلة..
جوعوا أطفالنا خمسين عاماً.
ورموا في آخر الصوم إلينا..
بصلة...
وامام تزايد الكوارث والمصائب وتعاقب الحكومات الفاشلة وفقدان الدولة هيبتها وانحلال مفاصلها وقلة حيل حكامها في حسن حوكمتها وادارتها، تعالت أصوات من انصار الرئيس "غير المنتصر" محمد المنصف المرزوقي لتناشده العودة الى حلبة الصراع السياسي وهذا ما قد يتم بالفعل على أغلب الظن والأيام بيننا.
ورغم انه قد قيل فيه ما لم يقله مالك في الخمر ولا شارون في الزعبم الراحل الشهيد ياسر عرفات، فقد قبل النقد والانتقاد كما انه، وخلافا لغيره، لم يقاض أحدا من اجل مقال أو تدوينة أو غير ذلك احتراما لقداسة حرية التعبير. ويحسب للرئيس المرزوقي انه الوحيد الذي نبه الشعب حين قال له :"لا تثقوا في الدولة" وكررها ثلاثة ولكن كان الناخبون صمان.
وقد اصاب المرزوقي حين ٱخطأ غيره في اكثر من مرة إذ كان محقا في اصراره على أنه لابد من ثلاث سنوات لإتمام صياغة الدستور الجديد وطالب بالبدء بالانتخابات البلدية والمحلية قبل الانتخابات التشريعية وقد بينت الأحداث وجاهة رأيه.
كما اقترح المرزوقي بعث "وزارة البحار" ونبه من خطر تراجع منسوب المياه الصالحة للشراب. ومنذ خروجه من الحكم تبينت "مخاطر إهمال البحار" اذا لم تعمل الدولة على الإعتناء بها ولا بشواطئها والانتباه لما قد يضر ببيئتها والمحافظة عليها واستغلال مياهها وتحليتها.
وبعد سبع سنوات عن مغادرة المرزوقي لسدة الحكم، صارت بحارنا تعاني الويلات اذ اضحت مصبا للسموم ومعابر "للحرقة" والارهاب والترهيب والتهريب ومنفذا لخرق الحدود واجتيازها وغير ذلك من المخاطر والمصائب.
أما فيما يخص المياه، ففضلا على تعدد مواضع الجفاف المتزايدة، فقد نشرت مؤسسة بحث ألمانية دراسة بعنوان:
"في 2030، تونس ستعاني من العطش" وهو ما يغنى عن كل تعليق!
والمرزوقي وان اخطأ، رجل ملتزم بمبادئ وأخلاق وفكر ونضال وفضيلة وهو حسب مناصريه احسن رؤساء تونس واصدقهم بعد الثورة وحتى قبلها، رغم ان الفترة التي تولى فيها الرئاسة كانت اصعب الحقبات واحلكها من تاريخ تونس المعاصر.
وحتى التهم التي الصقت به بغاية تشويه صورته وترذيله فقد تبين انها ملفقة كما اعترف بذلك البعض ممن "فبركها" واشتغل عليها.
وحين اتهم المرزوقي الباجي قائد السبسي، منافسه في الانتخابات الرئاسية، بخرق القانون الانتخابي وبالتوصل بتمويلات من الخارج، كذبوه و"اباحوا دمه"، وهذا ما اعترف به الندائي الازهر العكرمي وبالتالي "شهد شاهد من اهلها".
وعليه فهزيمة المرزوقي كانت بسبب خبث لوبيات الفساد ورذيلة منافسيه السياسيين ودناءة اساليبهم والجهل السائد بالبلاد.
وحين بدأ تعداد سلبيات الثورة والتحسر على عهد بن علي صرح الرئيس المرزوقي بكون "مساوئ الديمقراطية وان كثرت أفضل بكثير من محاسن الدكتاتورية"
وهذا ما معناها انه ثابت على العهد وسائر على الدرب إلى آخر رمق.
وما يعاب على الدكتور محمد المنصف المرزوقي، أنه لم يوفق في ارجاع الاموال المنهوبة كما كان مرتقب وفرض سلطة القانون والمؤسسات والتأسيس لتحقيق أهداف الثورة، كما لم يتوفق الى محاسبة "الأزلام" على مسؤولياتهم السياسية فترة حكم النظام البائد وتتبعهم عدليا وتحميلهم أعباء ما اقترفوه من تجاوزات وجرائم.
ضف إلى انه لم يوفق في الإتيان بحلول للمشاكل البيئية والعمرانية التى جعلت البلاد مستنقع خراب ومن ذلك مدينة حمام الأنف التي كبر فيها ولم يحرك من أجلها ساكنا!
كما يعاب عليه لقاءاته بأشخاص ما كان ليسمح لهم بدخول مقر سيادي كالقصر الرئاسي وعدم اكتراثه بتوضيح حيثيات تسليم البغدادي المحمودي وقطع العلاقات مع سوريا الشقيقة وكذلك "توافقه" مع النهضة وتعيين بعض من كان منها في ديوانه.
ونتيجة لكل هذا، فان المرزوقي لم ينتصر وتونس لم تفز وشعبها مازال في حالة انتظار.
التعليقات
علِّق