صوت الصين والدول العربية في الذكرى الثمانين للانتصار على الفاشية في الحرب العالمية الثانية
عام 2025 هو الذكرى الثمانون للانتصار على الفاشية في الحرب العالمية الثانية ،وإنه وقت هام تخلد فيه البشرية جمعاء هذه الذكرى ،وتحيى أرواح الشهداء ،وتعزز قيم العدالة ،وتدافع عن السلام ،كمرحلة تاريخية مهم .قبل ثمانين عاما ،واجهت شعوب العالم قوى الظلام الفاشية التي اجتاحت الكرة الأرضية ،وصمدت متحدة ومكافحة بلا كلل ،حتى تحقق النصر على الفاشية في الحرب العالمية الثانية .ونحن نقف على أعتاب عصر جديد اليوم ،نعيد النظر في تلك المرحلة التاريخية ،تبرز ذاكرة الروح المشتركة للحضارتين الصينية والعربية في مواجهة الفاشية بشكل أعمق مما يبرز المعنى العميق لتشابك مصائر البشرية.
خلال فترة الحرب العالمية الثانية ،ورغم خضوع العديد من الدول العربية للاستعمار الغربي آنذاك ،شكلت نضالات الشعوب العربية ضد الفاشية وضد القمع الاستعماري جزءا أساسيا من الجبهة العالمية لمناهضة الفاشية .ومن غرب آسيا إلى شمال إفريقيا ،أصبحت مناطق عديدة ساحة رئيسية للصراع الاستراتيجي بين قوات الحلفاء ودول المحور .وفي مصر وتونس والجزائر والمغرب ،شارك المتطوعون العرب على نطاق واسع في صفوف قوات الحلفاء ،وقدموا مساهمات بارزة في قلب موازين المعارك في شمال إفريقيا .أما في سوريا ولبنان ،فقد قاوم الشعب الاستعمار في الوقت نفسه الذي تصدّى فيه بقوة لمحاولات اختراق الفكر النازي ،حيث دعا العديد من رجال الدين والمثقفين علنا إلى مواجهة الفاشية والدفاع عن كرامة الإنسانية.
كانت الصين الساحة الرئيسية في قارة آسيا لمقاومة الغزو الفاشي ،والقوة الحاسمة في دحر الفاشية اليابانية .ففي عام ،1931 افتعلت اليابان عمدا حادثة الثامن عشر من سبتمبر ،وشنت عدوانا مسلحا على منطقة شمال شرق الصين ،لتصبح الصين من أوائل الدول في العالم التي تصدّت للغزو الفاشي .وحتى عام 1945 عندما هزمت اليابان واستسلمت ،خاض الشعب الصيني حرب مقاومة دامية دامت أربعة عشر عاما ،قام خلالها بإشغال القسم الأكبر من القوات اليابانية بفعالية ،مما ساهم في دعم الترتيبات الاستراتيجية في جبهتي أوروبا والمحيط الهادئ ،وقدم إسهاما حاسما في تحقيق النصر في الحرب العالمية الثانية على الفاشية .وكما أشار رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جينبينغ: ”لقد كان لحرب المقاومة الشعبية الصينية ضد العدوان الياباني منذ بدايتها أهمية كبرى في إنقاذ الحضارة الإنسانية والدفاع عن السلام العالمي ،وكانت جزءا لا يتجزأ من الحرب العالمية ضد الفاشية “.لقد سجل الشعب الصيني مساهماته العظيمة من أجل إنقاذ الأمة من الهلاك، وتحقيق الاستقلال الوطني، والدفاع عن السلام العالمي في صفحات التاريخ الخالدة.
أقام الشعبان الصيني والعربي صداقة ثورية عميقة في كفاح الشعوب ضد الفاشية .وقد أعربت مختلف الأوساط في الدول العربية عن تضامنها الواسع مع نضال الشعب الصيني ضد العدوان ،حيث نشرت الصحف في سوريا والعراق ومصر وغيرها من الدول العديد من المقالات والتقارير المؤيدة للصين .وقد أسست هذه الثقة الاستراتيجية ،التي نشأت في أتون الحروب ،قاعدة راسخة للتعاون الصيني العربي .وخلال موجة الكفاح التحرري المناهض للاستعمار في الدول العربية بعد الحرب، وقفت الصين إلى جانب الشعوب العربية بحزم في نضالها العظيم من أجل نيل الاستقلال الوطني. وهذه العلاقة التاريخية شكلت أساسا متينا ودافعا مستمرا لبناء الثقة المتبادلة والمنفعة المتبادلة والتعاون الشامل بين الصين والدول العربية في العصر الجديد، ولتعزيز بناء مجتمع مصير مشترك على مستوى أعلى.
تتسارع التغيرات الكبرى التي لم يشهدها العالم منذ قرن من الزمان في الوقت الراهن. وخلال السنوات الأخيرة ،شهد الوضع في الشرق الأوسط تحولات سريعة وعنيفة ،حيث استمر تطور هيكل المنطقة بشكل عميق ،مما أضفى متغيرات جديدة على التنمية والاستقرار في المنطقة .وفي مواجهة ذلك، تتمسك الصين والدول العربية بصفتهما قوتين رئيسيتين في الحفاظ على السلام العالمي، بالدروس والعبر المستخلصة من التاريخ، وتدافعان بقوة عن النظام الدولي القائم على مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ،وترفضان جميع أشكال الهيمنة بحزم. عقدت الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي في بكين يوم 30 مايو عام ،2024 حيث أصدر الجانبان》البيان المشترك بين الصين والدول العربية بشأن القضية الفلسطينية《و》إعلان بكين الصادر عن الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي .《وأكد البيان ضرورة بذل جهود مشتركة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة في أسرع وقت ممكن ودفع إيجاد حل شامل وعادل ودائم للقضية الفلسطينية في يوم مبكر .أكد الجانبان على ضرورة حل النزاعات بين دول المنطقة عبر الحوار والتشاور، وحل القضايا الساخنة في المنطقة عبر طرق سياسية وسلمية، وضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة وسلامة الدول. وستظل الصين والدول العربية دائما في صف العدالة والسلام ،وستواصلان دفع إقامة نظام دولي أكثر عدلا وإنصافا.
لقد أصبحت مشاعر الصداقة العميقة التي أسستها الحضارتان الصينية والعربية وسط أتون نيران الحرب ضد الفاشية حجر الزاوية الأساسي للتعاون الشامل في العصر الجديد .وتشهد العلاقات الصينية العربية اليوم مرحلة جديدة من التنمية عالية الجودة ،مستفيدة من الزخم التاريخي وتيارات العصر .التقى لي تشيانغ ،رئيس مجلس الدولة الصيني ،مع أحمد أبو الغيط ،الأمين العام لجامعة الدول العربية في القاهرة يوم 9 يوليو. وأكد الجانبان أن الصين والدول العربية صديقان وشريكان جديران بالثقة لبعضهما البعض. وسيتواصل توسيع التعاون بين الجانبين في مجالات الطاقة والاقتصاد والتجارة والاستثمار والتمويل والفضاء الجوي ،مع تعزيز استكشاف إمكانات التعاون في مجالات ناشئة ،من بينها الطاقة الجديدة والذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي والاقتصاد الأزرق. سيعزز الجانبان التنسيق في المحافل المتعددة الأطراف، ويدعمان التعددية ويعملان على تعزيز السلام والتنمية في العالم.
وقف الشعبان الصيني والعربي جنبا إلى جنب في الكفاح ضد الفاشية قبل ثمانين عاما فصاغا فصاغا إرادة لا تقهر وإيمانا مشتركا .وبعد ثمانين عاما ،لا يزال الجانبان الصيني والعربي يلتزمان برسالة السلام ويجعلان من التنمية هدفا مشتركا ويواصلان السعي لدفع قضية السلام والتنمية على الساحة الدولية إلى الأمام .وتذكرنا أصداء التاريخ بأن احترام التاريخ والتمسك بالعدالة هما السبيل الوحيد لصون السلام الذي تحقق بصعوبة .يظهر تطور الواقع أن الاحترام المتبادل والتعاون القائم على المنفعة المتبادلة هما الطريق الأمثل لتحقيق الازدهار الدائم .وسيمضي الجانبان الصيني والعربي قدما معا في العصر الجديد ،ويدفعان قدما بناء مجتمع صيني عربي ذي مستقبل مشترك ،ويعملان على تعزيز الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية في جميع المجالات ،لا سيما في مجالات الثقة الاستراتيجية والتعاون العملي والتواصل الحضاري والتعلم المتبادل بين الحضارات.
**بقلم تشن شياو شوان (سعيد)، باحث مساعد في معهد الدراسات الإقليمية والدولية بجامعة صون يات سين.
التعليقات
علِّق