سوق الجم بالمهدية : إلى متى يظل المواطن بين مطرقة " الكناطريّة "و سندان الدولة ؟
منذ سنوات عديدة عرفت سوق الجم من ولاية المهديّة بأنها " أمّ الزواولة " التي توفّر لهم كل شيء بأثمان تعتبر معقولة مقارنة بأسعار أخرى في أماكن أخرى.
وعلى هذا الأساس صارت مقصدا للناس من كافة أنحاء البلاد يأتون إليها لشراء الإطارات المطاطية أو قطع غيار السيارات أو التجهيزات المنزلية والكهرو- منزلية وغيرها من متطلبات الحياة التي باتت متوفّرة في هذه السوق الموجودة في مكان ما على وجه أرض الجمّ وليس تحتها.
وبالرغم من هذه المزايا التي توفّرها هذه السوق فإن أغرب ما فيها وما استعصى حقيقة على فهم أكبر خبراء التجارة والاقتصاد هو أنك وبمجرّد أن تغادر السوق وتأخذ طريقك نحو وجهتك حتى تقع في " فخّ " الديوانة التي يطالبك أعوانها بفاتورة للسلع التي معك علما بأنهم يعرفون مسبقا أنه لا أحد من التجار هناك يعطيك فاتورة سليمة و تحمل الطابع الجبائي .
وفي هذا الإطار يقول أحد المواطنين ممّن عاشوا تلك " المغامرة " الغريبة : " من هنا تبدأ القصّة ...هل يمكن ان تنقذ السلع و المقتنيات ام ينهي بك الامر بخسارتها
وتساءل مواطن آخر : أريد أن أعرف إذا كان الإطار غير قانوني فلماذا توجد تلك السوق أصلا ؟ وكيف وصلت السلع إلى هناك ؟ ولماذا يتم إحراج الشاري وليس البائع ؟ ثم لماذا لا يسعى أحد إلى تقنين الأوضاع عسى أن تنتفع الدولة والمواطن معا من هذه السوق. لماذا لا تصبح منطقة حرة فدفع التجار فيها ما عليهم من أداءات ويدفع المواطنون أيضا ما عليهم فتتم الأمور بوضوح وبضفة قانونية لا غبار عليها؟.
وفي حقيقة الأمر ليست سوق الجم وحدها التي باتت تمثّل حرجا كبيرا للمواطن الذي لم يعد يفهم أي شيء مما يدور حوله. فهناك أسواق أخرى كثيرة تبدو في ظاهرها " رحمة " للمواطن بينما هي نقمة حقيقية وأتعاب لا حصر لها عل غرار سوق بنقردان مثلا. فهذه السوق منظّمة ( مبدئيّا ) وتشرف عليها البلدية التي تستخلص منها أداءات سواء من المواطنين أو من التجار. في هذه السوق التي تنظّم لها رحلات خصوصية من كافة أنحاء البلاد كي يتمكّن المواطن ( والتاجر أيضا ) من شراء السلع في وضح النهار وبأسعار معقولة . لكن بمجرّد أن تغادر السوق وتبتعد عنها بضع مئات من الأمتار حتى تنطلق رحلتك مع العذاب إذ توقفك فرقة أو دورية من الحرس الديواني ويبدأ " المرج " الحقيقي رغم أنك تستظهر لهم بوصل الأداء البلدي وتحاول بلا فائدة أن تقنعهم بأنك اشتريت من بنقردان وليس من ليبيا.
نعود الآن إلى سوق الجم " العجيبة " لنبدي بعض الملاحظات :
- منذ زمن بعيد ونحن نعرف جميعا أنه يوجد بهذه السوق ما هو قانوني وما هو مهرّب ... ونعرف جميعا أن الدولة تعرف كل شيء لكنها لا تريد أن تغيّر أي شيء ... لماذا ؟؟؟ لا أحد يملك الإجابة.
- إذا كانت الدولة تعرف كل شيء فلماذا تواصل " مرج " المواطن الذي يجد نفسه الحلقة الأضعف في كافة الأحوال ؟. أليس أحرى بالدولة أن تنظّم الأمور بحيث لا يجوع الذئب ولا يشتكي الراعي وبحيث تنتفع الدولة والمواطن والتاجر معا؟.
- إذا كانت الدولة تعلم بأن السلع الموجودة في السوق أغلبها مهرّبة فلماذا " تنزل " على المواطن الذي يقبل عليها لأن سعرها منخفض وتترك التاجر
- إذا كانت الدولة تعرف أنه لا مجال لقطع أرزاق العديد ممن يقتاتون من هذه السوق ( وغيرها ) فلماذا لا تقوم بتقنين نشاطهم وإجبارهم على تسليم فواتير شراء حتى لا يتعرّض المواطن إلى المضايقات بعد الشراء؟.
وإذا كنّا نعلم أن الكثير من المسؤولين في الحكومات السابقة تمعّشوا من " الكناطرية " وأغمضوا بالتالي أعينهم عمّا يفعلون فإننا اليوم في عهد حكومة جديدة من المفروض أنها تضرب بيد من حديد على مواطن الفساد والفاسدين ... ولا أظن أن الكلام يحتاج إلى المزيد من التوضيح.
جمال المالكي
التعليقات
علِّق