سكّان الضواحي الجنوبية للحكومة : هل يجب أن نموت مثل سمك رادس لتجدوا الحلول لكوارثنا؟

ما زال موضوع الأطنان من الأسماك التي وجدت أول أمس ميّتة قرب الجسر الربط بين رادس وحلق الوادي يلهب مواقع التواصل الإحتماعي ويجد ردود فعل كبيرة خاصة لدى الجمعيات المدافعة عن البيئة والمحيط التي ما فتئت منذ سنوات تطلق صيحات الإستغاثة والفزع جرّاء التلوث الرهيب الذي ضرب شواطئ الضواحي الجنوبية وعجّل بجعلها في آخر المراتب والتصنيف . وأكّدت هذه المنظمات أنه بالرغم من النداءات ومن حصول حالة مماثلة في شهر ماي الماضي فإن السلط المعنية وبكافة درجاتها لن تتخذ أي إجراء لمحاولة حماية هذه الشواطئ التي تعتبر واجهة العاصمة تونس.
وإثر هذه الكارثة البيئية وجدت مصالح وزارتي الصحة والفلاحة نفسها مجبرة على التحرّك وعلى رفع عيّنات من السمك النافق من أجل تحليلها ومعرفة الأسباب التي أدت بها إلى هذا " الموت الجماعي الغامض ".
وقام كذلك فريق من وزارة الصحة برفع عيّنة من مياه القنال لإخضاعها إلى تحاليل فيزيائية ومعرفة إذا ما كان التلوّث وراء نفوق الآلاف من الأسماك أم أن هناك أسبابا أخرى .
وحسب التحاليل الأوليّة فإن تلك الأسماك قضت نتيجة انعدام الأوكسيجين الناتج عن التلوّث بالقنال . وتأتي هذه الكارثة البيئية لتقيم الدليل مرة أخرى على حجم التلوّث الذي صارت عليه تلك الشواطئ التي تحوّلت للأسف إلى مراكز وعلامات للتلوّث البحري.
مؤسسات الدولة " ضدّ " الدولة
ولعلّ ما لا يذكرغالبا أو يتم إخفاؤه عمدا أن مؤسسات وطنية حيوية هي التي تقف وراء هذا التلوّث المدمّر عن وعي أو عن غير وعي ولا نعتقد أنها تفعل ذلك صدفة باعتبار أن الجمعيات والعديد من الجهات الأخرى ما فتئت منذ 15 سنة على الأقل تصرخ وتنبّه من مخاطر ما يحدث لكن اتضح أن هذه المؤسسات تؤمن كثيرا بالفكرة العامة السائدة وهي أننا لا نتحرّك إلا إذا حلّت بنا الطامة الكبرى ..." الستاغ " منذ أكثر من 15 عاما
تستعمل الشركة التونسية للكهرباء والغاز مياه البحر منذ ما يزيد عن 15 عاما بالمولّد الكهربائي الموجود غير بعيد عن ميناء رادس . وقد دأبت الشركة على إعادة المياه المستعملة في توليد الكهرباء إلى البحر لكن بدرجات حرارة لا تحتمل وهي بالإضافة إلى ذلك ممزوجة ببعض المواد الكيميائية المستعملة مما يعني أن مياه البحر التي ستستقبل ما يأتيها من " الستاغ " ستتأثّر حتما بنوعية المياه المستعملة الملوّثة حتما . ورغم كافة الملاحظات والتشكّيات لم تحاول هذه الشركة الوطنية تغيير أساليبها في توليد الكهرباء.
ديوان التطهير مصدر تلويث ؟؟؟
من المعروف أن مهمّة الديوان الوطني للتطهير هي التطهير. لكن يبدو أن بعض مسؤولي هذه المؤسسة الوطنية " فاهمين الدنيا بالمقلوب " إذ أصبح الديوان في عهدهم السعيد مصدر تلويث وتدمير للبيئة بكل معنى العبارة . ففي الوقت الذي يفترض أن تكون للديوان محطات تصفية يقع فيها تجميع كافة المياه المستعملة ثم التصرّف فيها ومنع وصولها إلى البحر مباشرة نجد أن الديوان ذاته يصبّ كافة أنواع المياه والفضلات في البحر.
مياه سوداء في وادي مليان
عنصر آخر من العناصر المساهمة في تلويث البحر والمحيط بصفة كارثية وهو وادي مليان . فمن هذا الوادي تأتي مياه سوداء هي في الأصل كل ما تلقيه المصانع المتاخمة له من مياه مستعملة ممزوجة بالمواد الكيميائية والفضلات وغيرها . كما أن ديوان التطهير بات يلقي كذلك جزءا من " الكوارث " في هذا الوادي الذي يصبّ مصائبه السوداء مباشرة في البحر بين الزهراء ورادس.
البواخر القاتلة
بميناء رادس التجاري تأتي البواخر من كافة أصقاع الدنيا لتفرغ حمولاتها أو لتشحن حمولات . وبعض هذه السفن العملاقة يضطرّ إلى البقاء بالميناء وقتا طويلا . وخلال البقاء تتسرب كميات من الوقود إلى البحر ثم وهذا الاخطر يقوم البعض منها بعمليات تفريغ وتنظيف أو ما يعرف باسم vidange في البحر مباشرة والحال أن ذلك ممنوع وأنه توجد ألف طريقة أخرى للقيام بهذه العملية دون تعريض البحر إلى التلويث الذي يبدو أنه بات متعمّدا أكثر من أي وقت مضى.
أتعس من هذا
ولعلّ الأتعس ممّا ذكرنا أن المسؤولين في هذه البلاد لجِؤوا منذ سنوات عديدة إلى ما يعرف باسم " صقالة " بدعوى حماية مدن الضاحية الجنوبية من هيجان البحر خاصة في الشتاء . لكن هذه " الصقالات " التي تصنع عادة من الصخر الكبير أو من الألواح لم يقع فيها احترام المواصفات العالمية فلا هي حمت تلك المدن بل زادت على همومها هموما أخرى من خلال أنها أصبحت تمنع حركة البحر في المدّ والجزر وهذا له الكثير من التأثيرات منها بالخصوص تجمّع المواد العضوية لتصبح مبعثا للغازات والروائح الكريهة وكذلك تجمّع الفضلات والمواد السامة بما أن البحر لا يستطيع أن يحملها إلى الداخل.
صيحات فزع فمن يسمع ؟
وبطبيعة الحال لا يمكن إلا أن نستنتج أن السمك النافق قد قضى نتيجة الإختناق الذي بات يهدد البشر قبل السمك . وانطلاقا من هذه الحقيقة التي يحاول البعض طمسها يطلق سكان الضواحي الجنوبية صيحة فزع مدوّية ويطالبون هذه المرة بحلول جذرية وليس بأنصاف حلول لا تنفع بقدر ما تضرّ. هم يطالبون بعدة حلول منها بالأخص : إزالة " الصقالات " وغلق كافة المنافذ التي يلقي من خلالها ديوان التطهير كافة المصائب السوداء ومنع البواخر مهما كان نوعها أو جنسيتها من القيام بعمليات التفريغ ... ودعوة " الستاغ " إلى ضبط استراتيجية واضحة للإنتاج تراعي كافة هذه الجوانب التي أتينا على ذكر البعض منها لا غير.
جمال المالكي
التعليقات
علِّق