رضيعة في " حرقة " جرجيس : من يتحمّل المسؤولية في جريمة قتلها ؟

رضيعة  في  " حرقة "  جرجيس : من يتحمّل المسؤولية  في جريمة قتلها ؟

بقدر ما يؤلمنا أن يفقد أي تونسي حياته عرض البحر في عمليات " الحرقة " التي لا تكاد تنتهي ولا يمكن لها أن تنتهي في ظل عدم إيجاد الحلول العميقة لها يؤلمنا أيضا أن نجد رضيعة بين موتى مركب " الحرقة " الأخير في عرض سواحل  جرجيس.

لن أخوض في موضوع " تحميل  المسؤوليات "  في مسألة لي موقف ثابت منها وملخّصه أنه مهما انسدّت الأفق وضاقت السبل وغابت الحلول وضاع الحلم والأمل فلا شيء يجبر شخصا عاقلا على أن يرمي بنفسه إلى التهلكة فيركب أمواج المغامرة ويقامر بحياته معتقدا أن أوروبا هي الجنّة الموعودة التي ستخلّصه من " الميزيريا " التي يعيشها في تونس.

ومعنى هذا أنني لم أحاول يوما أن أجد الأعذار لأي شخص يجازف وينطلق نحو المجهول بالرغم من أنني أعرف مثلما قلت حجم الصعوبات والمعاناة لأني أفضّل أن " يحارب " أي شخص من أجل لقمة العيش وتحسين وضعه في بلاده على أن يذهب إلى الموت بقدميه وبكامل رضاه وإرادته.

ولعلّ ما آلت إليه الأمور مؤخّرا في جرجيس تعيد إلى الأذهان ذلك السؤال البديهي المعتاد : من المسؤول عمّا حصل؟. أعرف أن الكثير من الناس يلقون المسؤولية على الدولة ... وهي مسؤولة في جزء ما عمّا يحدث عموما لكل هؤلاء الذين غامروا وركبوا أهوال الجهول في البحر لكن من المسؤول عن موت رضيعة في تلك الرحلة ؟. هل طلبت الدولة مثلا من والدي تلك الرضيعة أن يحملاها معهما وأن يعرّضا حياتها إلى الخطر؟. وبكل تأكيد لم تطلب الدولة منهما ذلك ومن هنا لا أعتقد أن الدولة مسؤولة.

وبناء على ما ذكرت فإن  مسؤولية " إزهاق " روح رضيعة لا ذنب لها في هذه الدنيا سوى أنها بنت والدين يئسا من حياتهما في تونس تقع على والديها وبقيّة أفراد عائلتيهما إذا كانوا على علم بأنهما سيحملان الرضيعة في رحلة " الحرقة " والموت.

أعرف أن هذا الكلام لن يعجب الكثير من الأطراف خاصة ممّن جعلوا من " حقوق الإنسان " مهنة يرتزقون منها ويتمعّشون أو لنقل بعضهم على الأقل لكنّها الحقيقة المؤلمة. ومثلما قلت سابقا قد يكون للأشخاص الراشدين الحق في التصرّف في أجسادهم وأراحهم فيلقي بعضهم بها إلى أسماك المتوسّط لكن ليس من حقّ أي شخص مهما كان أن يتحكّم في حياة طفل وروحه مهما كانت درجة الصلة الدمويّة به ... لأن ما حصل جريمة في حق هذه الرضيعة ... وكلّنا يتذكّر أن كفلا آخر أزهقت روحه ظلما في عرض البحر منذ بضعة أسابيع ..وقد كان آنذاك في رحلة " حرقة " مع والدته الأستاذة ... المتعلّمة.

جمال المالكي

التعليقات

علِّق