رجاء لا تنشروا احصائياتكم...فلا حاجة لنا بها

رجاء لا تنشروا احصائياتكم...فلا حاجة لنا بها
بقلم صباح توجاني المديوني
 
عندما ركزت النشرة الإخبارية التلفزية المسائية على ارتفاع نسبة الإضرابات خلال شهر اكتوبر الماضي في مقارنة ، غير صائبة، مع شهر سبتمبر من العام الماضي، تم اعتماد قاعدة ابجديات العمل الصحفي التي تقول بان الخبر واحد والتعليق حر، ولذا كانت قراءة الإحصائيات "الرسمية جدا" الصادرة عن احدى وزارات الترويكا الحاكمة، قراءة مستندة الى وثيقة معترف بها.
وبعيدا عن تراكمات المخيال الجماهيري عن ارهاصات الإعلام " البنفسجي " وتعاطيه الخاطئ مع لغة الأرقام المغشوشة في الزمن الغابر، يمكن القول بان عملية التدبر في المعاني والتفكر في المقاصد، التي سخرت لها الوزارة المعنية طاقات موظفيها السامين ليوم كامل حتى تخرج علينا بالتاكيد على ان الزاوية التي اختارها الزملاء في وكالة الأنباء " وات" لم تكن موفقة.
فالإعلام برأي بعض التيارات السياسية هو منحاز بطبعه سواء في السابق او في الوقت الحالي وهو مرتهن اما للحزب الحاكم او للمعارضة ، وفي كلا الحالتين، فان اتهام الصحفيين بالإنحياز في ظرف حرج كهذا الذي تمر به البلاد، انما مرده ما تبثه الفضائيات من "تحليلات ارتجالية" لصحفيي الربع ساعة الأخير، واقصد الذين اكتشفوا فجاة ليلة الرابع عشر من جانفي بانهم صحفيون دون ان يكونوا على علم بذلك. فانبروا يحيكون سيرا ذاتية ناصعة البياض وشحوها بتخيل تعرضهم لمضايقات نوفمبرية لا اساس لها في الواقع، ونسجوا ما طاب لهم من نضالات مفخخة لا اثر لها في الدفاتر القديمة...
هؤلاء يحق للبعض وصفهم بالمرتزقة لأن اي حزب بمقدوره شراء ذممهم ،والعيب ليس في الجراة التي اوصلتهم الى حد التفاخر بما لم يقوموا به اصلا من مواجهات مع ساكن القصر الرئاسي السابق، بل العيب كل العيب في من استضافهم وادخلهم بيوت التونسيين عنوة وفرضهم على اذاننا وابصارنا حتى اضحينا نحن ايضا في شبه غيبوبة نعتبرهم زملاء جدد وجب احترامهم...
وبالعودة الى التقرير الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية والذي تعيب عليه وزارة الشؤون الإجتماعية الزاوية الخبرية التي اختارتها بما اعتبرته تهويلا للأمور، استاثر حال بثه باهتمام الراي العام الا انه سريعا ما دخل في خانة الأخبار القديمة، لو لا تدخل الوزارة لدى وكالة الأنباء، في محاولة لتغيير الخبر او القراءة للخبر، بعد يوم كامل من نشره واثر تداوله من طرف الإعلاميين والمدونيين وزوار "الفايس بوك" ....ليصل الى مسامع قيادات اتحاد الشغل...وهنا منبت الفرس...فالإتحاد رد بعنف على تحميل وزارة الشؤون الإجتماعية  له مسؤولية ارتفاع نسبة الإضرابات، وهدد بتغيير اللهجة...مما دفع الوزارة بمستشاريها ومديريها السامين، الى الضغط على وكالة الأنباء لتجعل منها البوابة التي جاءتها منها الرياح...او كبش فداء جاهز للإجهاز عليه..
سادتي الكرام، مسؤولو وزارة الشؤون غير الإجتماعية، وبناء على الهنات السابقة والكبوات المتكررة للقائمين على احصائياتكم الرسمية التي صار من الصعب الوثوق بها بعد ان رجعتم عن اخرها، فالأجدر بكم حينها ان تراجعوا المؤشرات السلبية للأجواء الداخلية المثخنة التي تعملون فيها ، فالأمر لا يحتاج عندئذ الى قارئة فنجان تبسط امامنا دواعي هجمتكم الشرسة على وكالة الأنباء التي يتميز صحفيوها بالكثير من الجدية والحرفية.
ثمة مفارقة ساخرة، فالقائمون على الوزارة تجرؤوا ولامسوا اطراف اكبر منظمة شغيلة في البلاد، تنشغل قيادتها منذ اشهر بالقيام بدور سياسي ليس على مقاسها، وهي بذلك تتصور انها تمسك الشعب، لا الترويكا فحسب، من يده التي تؤلمه، وفاتها ان تلكم اليد بالذات خدرها الألم الشديد فلم يعد الشعب المسكين يشعر بوجودها اصلا...فلما تحركت القيادة الشغيلة، صارت الأرقام صحيحة ولكن القراءة هي المغلوطة لنية في نفس الصحفي المحرر للتقرير....
رجاء لا تنشروا احصائياتكم... فلسنا في حاجة للتاكد من حدة تدهور الوضع المشحون بالتجاذبات والصراعات والحروب التي باتت خبزنا اليومي ...
احصائياتكم سياتيها يوم وتنشر كاملة ...وسنكون وقتها احرارا في قراءتها...
 

التعليقات

علِّق