دراسة تكشف أسباب التلوث في شواطئ الضاحية الجنوبية .. وتستعرض الحلول

يشتكي سكان الضاحية الجنوبية منذ سنوات من تردي الوضع البيئي خاصة على مستوى الشريط الساحلي والذي تحول إلى مصب للفضلات ويربط عديد المهتمين بالشأن البيئي ذلك بعوامل تاريخية تعود إلى ربط مجاري الأودية بهذه السواحل إضافة الى عوامل السكب الصناعي و التزايد الديمغرافي وافتقار هذه المناطق المتاخمة للشريط الساحلي الى مقاربات تنموية تأخذ بعين الاعتبار العوامل البيئية بما أثر سلبا على نوعية الحياة .
ومن المقاربات التي تم الاشتغال عليها لمعالجة مشكلة التلوث البحري على مستوى الشريط الساحلي بالمنطقة وتم تقديمها في مناسبات سابقة إعادة تهيئة محطة التطهير برادس وجعلها تستجيب للمواصفات العالمية باعتماد دورات المعالجة الثلاثية للمياه المستعملة ومد قنوات بعمق 12 كلم في عمق البحر لتصريف هذه المياه، وربطت الكاتبة العامة لشؤون البحر ذلك بضرورة توفر الاعتمادات الخاصة بالانجاز.
غير أن كل تلك الدراسات ذهبت أدراج الرياح مما جعل سكان الضاحية الجنوبية يدخلون في تحركات احتجاجية وكان اخرها تكوين سلسلة بشرية لقرابة 20 كلم للضغط على السلطات واحتجاجا على التلوث البحري الذي يحرم سكان المنطقة من التنعم بثروتهم المائية. .
وفي هذا السياق نشرت الباحثة خلود عيَّاري نتائج بحثها في مقال قيِّم على أعمدة نشريَّة "مبادرة الإصلاح العربي" (ننشر رابطها في التَّعليق الأوَّل أدناه) وخلُصت لأهم الاستنتاجات والتَّوصيات:
الاستنتاجات:
1ـ يشهد السكان المقيمون على هذه السواحل حالة تدهور في البحر وشواطئه منذ التسعينيات. اشتهرت تلك الشواطئ آنذاك، باستقبال المصطافين من جميع الفئات والجهات، حيث كانت الفنادق في الضاحية الجنوبية تعج بالزوار، حسب شهادات السُّكَّان،
أ ـ "إلى غاية الثمانينيات في مدينة الزهراء، لم نكن نستطع السباحة في أيام عطل نهاية الأسبوع بسبب اكتظاظ المصطافين"،
ب ـ "كُنا فيما مضى نستطيع رؤية المياه الصافية تعج بالتنوع البيولوجي، وكان الرمل أكثر نقاءً ويأوي الأصداف التي لم تعد موجودة. والآن، كل ما يمكننا أن نأمله هو رؤية، من حين لآخر، مياه صافية عندما يكون تيار البحر مناسبًا، بحيث يقلل فقط من المظهر العكر للمياه" (حمَّام الأنف، الزَّهراء، رادس)،
2 ـ يُعالج حالياً 95000 متر مكعب يومياً من مياه الصرف الصحي في الضاحية الجنوبية، ويتم تصريف جزء كبير من هذه المياه، التي لا تتوافق مع المعايير التونسية (منها NT.10602) المتعلقة بتصريف النفايات السائلة في البيئة المائية، ليلقى بها في البحر مباشرة في عدة أماكن (انظر الخريطة).
3 ـ عقب التحاليل التي أجريت في معهد "باستير" بناء على طلب سكان الضاحية الجنوبية، مدعومة بتحليلات أجرتها وزارة الصحة والتي كشفت عن زيادة التلوث الجرثومي الذي يعود مصدره إلى مياه الصرف الصحي، وجَّه المتظاهرون نداءهم بشكل رئيسي إلى الدِّيوان الوطني للتطهير (ONAS)، بصفته الهيئة العمومية الوحيدة المسؤولة عن معالجة مياه الصرف الصحي في تونس،
4ـ يعاني نظام معالجة مياه الصرف الصحي في تونس من قصور وعيوب على عدة مستويات، وتتجلى آثار ذلك عند المصب بالتلوث الذي طال الساحل. يوجد أحياء كاملة غير متصلة بنظام الصرف الصحي على مجرى وادي مليان في بلدات رادس ومرناق وفوشانة وزغوان. يضاف إلى ذلك، التدهور الذي حدث في محطة التطهير في رادس وأصاب وحدة معالجة النفايات السائلة الصناعية بسبب تدفق المياه المستعملة المتدفقة من الشركات المصنعة التي لا توفّر المعالجة المسبقة، في انتهاك للتشريعات السارية المفترض تطبيقها،
5ـ في الواقع، على الرغم مما يملكه مفتشو وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي (APAL) والوكالة الوطنية لحماية المحيط (ANPE) من سلطة وصلاحيات لوضع حد للتجاوزات التي تقترفها المصانع الملوثة، إلا أن الغرامات المفروضة على هذه الخروقات تظل هزيلة مقارنة بالتكاليف الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تدهور البيئة. ولا تطبق بعض الإجراءات الراديكالية التي تقضي بوقف أنشطة الشركات المصنعة التي لا تحترم الالتزام بإنشاء محطة للمعالجة المسبقة، حفاظاً على مناصب الشغل ومكافحة البطالة بحجة أن توقف النشاط الصناعي قد يؤدي إلى بطالة تشمل مئات العمال،
6ـ أما بالنسبة لتجاوزات الديوان الوطني للتطهير (ONAS)، فخضوع الهيئات الثلاث لإشراف الوزارة نفسها، يُشكل في حد ذاته تناقضًا في التشريع الذي يضع وزارة البيئة كقاضٍ وطرف في القضية في آن واحد. فمن جهة، الديوان ONAS يلوّث، ومن الجهة الأخرى، تضمن الوكالات الثلاث حماية البيئة،
7ـ مصادر التلوث المسجلة على ساحل خليج تونس: للتعويض عن نقص البيانات الصادرة عن السلطات العمومية، أجرى السكان أنفسهم تحليلات بمعهد "باستور"، كشفت مدى درجة تلوّث المياه، بما يتجاوز المدى الذي حددته وزارة الصحة. وتشير هذه التحليلات إلى أن المصدر الرئيسي للتلوث يتمثل في مياه الصرف الصحي التي يتم تصريفها من قبل ديوان ONAS، وهذا على الرغم من وجود خمسين مصنعاً على طول مجرى وادي مليان انطلاقاً من بئر مشارقة. في الواقع، وإلى غاية 2014، كان التلوث يُعزى إلى الميناء ومحطة توليد الطاقة الحرارية في رادس والنشاط الصناعي المحيط بالمنطقة،
8ـ من 2013 إلى 2014، بادر سكان وجمعيات حمام الأنف ورادس والزهراء في سلسلة من الإجراءات، تمثلت في البداية في تقديم عريضة إلى السلطات المحلية والإقليمية وإلى لجنة الصناعة والطاقة والموارد الطبيعية والبنية التحتية والبيئة التابعة لمجلس نوَّاب الشعب (البرلمان)،
9ـ الحركة المواطنية ضد التلوث: سهّل النسيج الجَمْعوي القائم، في تنظيم مبادرة 12 سبتمبر 2021 تحت شعار "كلنا متحدون لإنقاذ بحرنا وشواطئنا في الضاحية الجنوبية". وانطلقت فعاليات الحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال حملة على "فيسبوك" بوسم / هاشتاق #سكر_الاوناس_على_بحر_الضاحية_الجنوبية (أغلقوا ديوان ONAS على بحر الضاحية الجنوبية). وداخل هذه المجموعة المكونة من 14000 عضو نشأت فكرة السلسلة البشرية كوسيلة للتظاهر،
10ـ تعبئة مُجدية: نظرًا لقوة وتمايز التغطية الإعلامية التي حظيت بها هذه التعبئة، فقد أثارت اهتمام الديوان الوطني للتطهير (ONAS)، الذي شرع في الأشهر التي تلت في تنظيم استشارة مواطنية حول مشروع الحد من التلوّث، بعقد اجتماعات تشاورية في مقرات البلديات الأربع، حمام الشط، حمام الأنف، رادس والزهراء، واجتماع في فندق أفريقيا في تونس العاصمة. وأوكل الديوان الوطني (ONAS) إلى مكتب Gerep للدراسات مهمة دراسة الأثر البيئي والاجتماعي لمشروع المصب البحري. وكشفت هذه الدراسة أن أفضل استراتيجية لحماية الوادي وتقليل حجم التلوث في الضاحية الجنوبية تستدعي توفير المعالجة الثلاثية لمياه الصرف الصحي من خلال بناء قناة على بعد 7 كيلومترات من الساحل لتفريغها في البحر،
11ـ أعمال تأهيل وتطوير نظام الصرف الصحي: سيتم في المرحلة الأولى، ربط بلديات بئر مشارقة والخليدية وجبل الوسط التي تفرغ مياهها الملوثة مباشرة في الوادي، بالديوان الوطني ONAS، مع إنشاء محطة معالجة جديدة في الخليدية. سيكلف هذا الجزء الأول من المشروع 50 مليون دينار وقد أُنجِزت الدراسات الخاصة به وسيتم الإعلان عن المناقصات في 2022،
12ـ تتعلق المرحلة الثانية من المشروع بتجديد محطة ضخ المياه جنوب مليان (تم تدشينها في 1979) والتي ستستوعب 90 ألف متر مكعب في اليوم، وتقدر تكلفتها بـ135 مليون دينار. بالنسبة لسهام ساجني، كبيرة المهندسين في ديوان ONAS، فإن "تقادم المنشأة يساهم في مشكلة عدم تطابق مواصفات النفايات السائلة مع المعايير المعتمدة"،
13ـ أما المرحلة الثالثة المتوقع إنجازها في 2023 بتمويل من البنك الألماني KFW، تتعلق بمعالجة النفايات السائلة الصناعية الصادرة عن محطة التطهير في رادس،
14ـ وأخيرًا، يعتزم ديوان ONAS تطوير مشروع مصب بحري على بعد 7 كيلومترات من الساحل، بعمق 12 مترًا، يتكوّن من قسم أرضي ينطلق من محطة رادس. حيث تساعد المعالجة الثلاثية على إعادة استخدام مياه الصرف الصحي: يهدف ديوان ONAS، إلى إعادة استخدام الجزء الأكبر من مياه الصرف الصحي المُعَالَجة مع الاحتفاظ بجزء صغير فقط (أي 15٪) لتفريغه في البحر. نماذج لإعادة استخدام مياه الصرف الصحي استند إليها المدير الإقليمي لديوان ONAS الإنجازات التي أعقبت بناء مصب الضاحية الشمالية، فعلى سبيل المثال، اقترح مطوّر عقاري، في الضاحية الشمالية، إنفاق 4 ملايين دينار لضخ المياه من محطة شطرانة لسقي ملعب للغولف في إطار مشروع عقاري في مدينة رواد،
15ـ قُدِم المشروع على أنه الحل الأفضل من بين السيناريوهات الممكنة، لكن، خلال المناقشة التي دارت في القاعة، قدم المشاركون حلولاً أخرى، على غرار اقتراح إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المُعَالجة لرفع منسوب المياه الجوفية واستخدامها في الزراعة، وتساءلوا في الوقت نفسه، حول جدوى إنفاق مثل هذه المبالغ الباهظة للتخلص من مياه متوافقة مع المعايير المعمول بها وغير ملوثة إلى مسافات جد بعيدة،
وختمت الباحثة دراستها العلميَّة بتوصيات ساكني الساحل الجنوبي:
16ـ ما دامت التصريفات الملوثة تجري بشكل يومي، وطالما لا يوجد حتى الآن عمليات تطهير لمياه البحر، ستظل السباحة في مياه الضواحي الجنوبية تشكل خطراً على الصحة ويجب حظرها. ومن الضروري وضع إشارات تحذيرية بهذا الشأن،
17ـ يتمثل دور وزارة البيئة في حماية البيئة، لكن عندما ننظر ونلاحظ أن الجزء الأكبر من المياه الملوثة يتسبب فيه ديوان ONAS على مستوى البلاد، فمن المفارقات بل التناقضات ربط هذا الديوان بوزارة البيئة، وبناءً عليه، إن وضع الديوان الوطني للتطهير تحت إشراف وزارة أخرى سيسمح بمراقبة أنشطته بشكل أفضل،
18ـ وما دام الصناعيون لا ينفذون المعالجة المسبقة للمياه رغم تضمنها في كراس الشروط التي التزموا بها، وما لم تُنفَذ قرارات وكلاء ANPE وAPAL، سيستمر التلوث الكيميائي الخطير وغير القابل لإصلاح مياه البحر. ولا شك أن زيادة الصرامة في تطبيق اللوائح يساعد في التخفيف من حدة هذه المشكلة،
19ـ تُشكل البنى التحتية الأخرى الواقعة على الساحل مصدر إزعاج ويتعيَّن القضاء عليها، مثلما هو الحال بالنسبة للسدود التي تعزز تكاثر الطحالب (سولا) التي تتسبب في روائح كريهة،
20ـ من الضروري أيضًا مراقبة ميناء رادس، فمن شأن حظر تفريغ مياه المجاري وتفريغ خزانات السفن التي تدخل الميناء أن يساعد على التخفيف من التلوث الجاري حالياً،
وختاما ، يرى كثير من المتابعين للشأن البيئي ومن بينهم ابن الضاحية الجنوبية والناشط السياسي عبد الوهاب الهاني " ضرورة أن يهتم رئيس حكومة التَّدابير الاستثنائيَّة ببرمجة جدول أعمال خاص في مجلس الوزراء القادم لمعالجة التَّلوُّث بالضَّاحية الجنوبيَّة والاستماع للباحثة عيَّاري ولخبراء الدِّيوان الوطني للتَّطهير ووكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي والوكالة الوطنية لحماية المحيط وغيرهم من المتداخلين، (وبدون حضور الوالي على بن عروس)، والإصغاء لدروس وعبر الاستشارة المواطنيَّة الحقيقيَّة الملموسة، بدل الجري وراء سراب الاستشارة الالكترونيَّة لوزير التَّحيُّل الالكتروني وبدل اتِّخاذ قرارات وتعليمات وتوجيهات غير مدروسة وغير ذات جدوى اقتصاديَّة ولا أموال لإنجازها ولا حاجة مجتمعيَّة لها.."
مصدر البحث arab-reform.net
التعليقات
علِّق