خيبة رياضيينا في الأولمبياد : عيب كبير أن ننكر إنجازات الغريبي والملولي إلى حدّ الجحود

خيبة رياضيينا في الأولمبياد  : عيب كبير أن ننكر إنجازات الغريبي والملولي  إلى حدّ الجحود

 

خلّفت المشاركة  التونسية في الألعاب الأولمبيّة حسرة ومرارة  كبيرتين لدى  التونسيين وهذا لا شكّ فيه ولا اختلاف  لأننا جميعا نريد لرياضيينا أن يفوزوا وأن يتألّقوا  ونريد لعلمنا الوطني أن يرفرف عاليا في أكبر المحافل الرياضية العالمية . ولئن قبل العديد منّا  بالأمر الواقع  انطلاقا من قناعة بأن الرياضة ليست علما صحيحا  ولا يمكن تحديد نتائجها  مسبقا  ومن قناعة أيضا تفرض قبول الربح كما الخسارة فإن العديد من التونسيين  من مختلف المواقع  شمّروا عن سواعدهم  ورشقوا  بسهامهم  الحادة  رياضيينا  المشاركين في " ريو 2016 "  وخاصة منهم حبيبة الغريبي وأسامة الملولي وبدرجة ربّما أقل أحمد المثلوثي .
ولعلّ ما يؤسف في كل ما يجري أن ذاكرة التونسيين قصيرة جدا  إلى حدّ الجحود . فبالأمس القريب كان نفس الأشخاص تقريبا  يعشقون  الغريبي والملّولي ويقسمون برأسيهما ورؤوس كافة الأبطال الذين شرّفونا  في أكثر من مناسبة  ويعتبرون أن هؤلاء الأبطال أسوة حسنة وقدوة  خاصة لدى الشباب . أما اليوم وبمجرّد أن فشل رياضيّونا في تحقيق ما كنّا نحلم به  نحن وما كانوا يحلمون به قبلنا  انقلب آلاف التونسيين عليهم  وسلخوا جلودهم  بأساليب  بعيدة كل البعد عن النقد أو التحاليل لأن الامور وصلت أحيانا إلى حدّ التجريح  والشتم وتناول الأمور الذاتية  والعائلية ... وهذا طبعا عيب كبير لا يمكن لأي عاقل في هذه البلاد أن يقبله . وأكثر من هذا فقد  روّح البعض عن نفسه  فنفث كافة العقد التي بداخله  نحو رياضيينا وخاصة حبيبة الغريبي التي  أعاد بعض المعقّدين هزيمتها إلى "  لباسها   الفاضح " حسب تعبيرهم  وكأنه كان مطلوبا من حبيبة الغريبي أن تخوض سباقاتها  وهي ترتدي  " قشّابية " أو " بطّانية "  أو " جلد  معزة " أصلا .
ولعلّ هؤلاء  الشامتين الشاتمين  يجهلون أو يتجاهلون أن رياضيينا الذين شاركوا في الألعاب الأولمبية  لم يذهبوا إلى البرازيل  ليتسابقوا بمفردهم  بل كان إلى جانبهم رياضيون من مستويات عالميّة  ولكم أن تعودوا إلى مختلف المنافسات  في كافة الإختصاصات  تقريبا لتعرفوا أن الكثير من أبطال العالم ومن الأبطال الأولمبيين  مرّوا بجانب الحدث  وفيهم من كانوا بعيدين كل البعد عن مستوياتهم وعن أرقامهم  التي حصدوا بها سابقا البطولات والألقاب والميداليات . وهذا ليس له غير معنى واحد وهو أن أي واحد منّا أو من الرياضيين  يمكن له أن يحسب حساباته وأن يخطط ويحلم مثلما يشاء لكن يوم المنافسة هناك حقيقة واحدة  وهي حقيقة الميدان أو المضمار أو المسبح وغير ذلك من الأماكن التي تدور فيها المنافسات . وكدليل على ما أقول شاهدت البارحة  تصفيات سباق 100 حواجز للسيدات . وفي السباق الأول كما في الثاني كانت رياضية من روسيا البيضاء ورياضية  من " بورتوريكو "  أبرز المرشّحات  للتأهّل في  المركز الأول أو الثاني . لكن ومن الصدف العجيبة التي لا يمكن أن يتكهّن بها إنسان تعرّضت العدّاءتان تباعا إلى نفس الحادث إذ اصطدمت كلّ منها بالحاجز قبل الأخير وكانتا على بعد خطوة من تحقيق الإنجاز المنتظر ... وكان ذلك كافيا لتخرج العدّاءتان من التنافس على الترشّح ... وفي السباق الثالث تعرّضت عدّاءتان من بلجيكا وكندا على ما يبدو  إلى نفس الحادث فتعطّلت إحداهما وسقطت الأخرى أرضا وغادرت باكية  متحسّرة على ضياع 4 سنوات من  الحلم والتحضيرات .
وبكل هدوء علينا اليوم أن نبحث عن الأسباب التي أدّت إلى  هذا الإخفاق شبه الجماعي الذي لم يحفظ ماء الوجه فيه  سوى  إيناس البوبكرى ومروى  العمري من خلال الميداليّتين  اللتين فازتا بهما . صحيح أن النقد مطلوب وأن لا أحد فوق النقد مهما علا شأنه لكن الأصحّ أن نبحث معا عن العلل وعن الحلول حتى لا يتكرّر ما حدث . ولعلّ الأهم من كل هذا أن نتذكذر أننا صفّقنا  لحبيبة الغريبي  وأسامة الملّولي وغيرهما واستقبلنا هؤلاء الأبطال في المطار لأنهم أدخلوا الفرح إلى قلوبنا وأسعدونا . ولنعلم جميعا أنهم سيبقون أبطالا  مهما كانت نتائجهم لأن تاريخ  البطولات سجّل أسماءهم  التي لا يمكن لأي شخص أن يمحوها من السجلّات . فلنكن إذن من حافظي الجميل لأبطالنا رغم الكبوات ولنبتعد عن الجحود ... وعن العقد ... والحسابات .

جمال المالكي 

التعليقات

علِّق