أسامة الملولي : أو كيف يصنع الأبطال في الخارج وكيف " نتفنّن في تحطيم الأبطال في تونس "؟

أسامة الملولي :  أو كيف يصنع الأبطال في الخارج وكيف " نتفنّن في تحطيم الأبطال في تونس "؟

اكتفى أسامة الملولي بالمرتبة 20 في سباق  10 كلم في المياه المفتوحة . وكان ذلك عاديّا ومنتظرا ولا أحد من التونسيين كان " يحلم " مثلا بأن يحرز الملولي ميدالية ذهبية في هذا السباق أو حتى ميدالية من " حجر قابس " المعروف في كثير من الجهات التونسية ومطلوب في بناء المنازل.

ليس هذا هو المهمّ في الحكاية لأن ما حصل كان منتظرا مثلما قلنا . لكن ما يهمّنا هو ذلك " الجيش " من المتخفّين وراء أجهزة الكمبيوتر أو الهاتف الجوال من أجل غاية واحدة وهي شنّ حرب ضد أسامة الملولي و " سلخه " لأنه اكتفى بالمرتبة 20 بالإضافة طبعا إلى التذكير بأن له "  قضيّة "  مرفوعة ضدّه تتعلّق بأموال عامة وأشياء أخرى.

أما في خصوص القضيّة والمشاكل التي تعلّقت بأسامة الملولي كلّها فلا حد منّا يحق له أن ينتصب مدافعا عنه أو " مغرّقا " لأن هناك هياكل إدراية وقضائية متعهّدة بالموضوع وهي التي ستنصفه أو تدينه في النهاية .

وأما عن " الفشل الذريع والاكتفاء بالمرتبة 20 " مثلما قال أغلب الناقدين الذين تحوّلوا فجأة إلى فقهاء في السباحة والأرقام القياسية وكل ما يتعلّق بهذه الرياضة التعيسة في تونس ( وسأوضّح لماذا هي تعيسة ) فلم يكن باستطاعة الملولي أفضل ممّا كان نظرا إلى كافة الظروف التي عاشها قبل انطلاق الألعاب الأولمبية إلى درجة أنه قرر عدم المشاركة لولا تدخّلات من أطراف رياضية خارجية كانت حريصة على حضوره حتى لو كان رمزيّا لأن في ذلك عبر ومعاني أخرى لا يفهمها هؤلاء " النبّارة " في تونس.

لقد نسي الجميع أن الملولي من خلال حضوره ومشاركته في طوكيو حقق رقما قياسيا في الألعاب الأولمبية لم  يحققه أي رياضي في العالم في السباحة وربما في كافة المجالات الأخرى إذ شارك في 6 دورات متتالية في الألعاب الأولمبيّة وربّما ( حسب بعض تصريحاته ) يطمح إلى مشاركة سابعة سنة 2024 لو تمكّن من إحراز رقم يؤهّله للمشاركة طبعا.

وهذا الرقم القياسي في  عدد المشاركات  مهمّ جدّا للسباح نفسه وسجّله الرياضي الذي سيبقى بعد أن يعتزل السباحة وكذلك بالنسبة إلى تونس التي ستبقى بلد " السباح  صاحب الرقم القياسي العالمي " في عدد المشاركات الأولمبية ... وأيضا بالنسبة إلى اللجنتين الأولمبيتين التونسية والعالمية إذ سيفخر كلّ منهما بهذا الإنجاز.

ومن جهة أخرى فإن أسامة الملولي بطل عالمي وأولمبي رغم عن الجميع . ومن المؤسف أن أغلب الأطراف التي تهاجمه اليوم هي نفس الأطراف التي هلّلت له وكبّرت ومدحت وشكرت وقالت فيها قصائد ومدائح بعضها لم يقل في رياضيين آخرين. لذلك من العيب أن نحاربه اليوم ونتهجّم عليه مهما كانت الأسباب.

نأتي الآن إلى عبارة السباحة التعيسة في تونس ولماذا استعملت هذه العبارة . ففي الجمهورية التونسية كلّها لا يوجد أكثر من 3 مسابح معتمدة وهي مسبح رادس ومسبح الزهراء ومسبح المنزه. فهل تريدون أن نخلق بهذا العدد المخجل من المسابح أبطالا ؟؟؟. هذا طبعا مستحيل ولن يتحقق طالما أن  الرياضة تبقى آخر اهتمامات الدولة وطالما أننا لا نملك أيّة سياسة رياضيّة تمكّننا من صناعة الأبطال في أي مجال من مجالات الرياضة . وعلى سبيل المثال لا غير وعلى سبيل المقارنة فإن العاصمة الفرنسية باريس  وحدها تحتوي على ما لا يقل عن 50 مسبحا معتمدا يعمل الجميع من خلالها على صناعة أبطال وبطلات فرنسيين ... ونحن نريد من خلال 3 مسابح تعيسة أن نصنع الأبطال والحال أنه كان يتوجّب علينا أن نشكر الأقدار التي ساقت إلينا أسامة الملولي الذي فاز بالذهب ليس بفضل هذه المسابح ... وأن نشكر الأقدار التي أهدتنا البطل الحفناوي الذي أهدانا الذهبية الوحيدة في طوكيو ... وهو موهبة شابة  وينتظره مستقبل مشرق .

وعلى سبيل المثال أيضا والمقارنة مع بعض البلدان في صناعة الأبطال عندها و تحطيم الأبطال عندنا أنظروا إلى ميسرة البطل الأولمبي والعالمي في رياضة الوثب العالي القطري معتزّ عيسى برشم منذ 12 سنة على الأقل. فقد فاز هذا البطل بالبرونزية في ألعاب  لندن 2012 ... ثم بالفضية في ألعاب " ريو " 2016 ...ثم ختمها بالذهبية في طوكيو 2020 ... دون الحديث عن بطولة العالم منذ نحو عامين وعدة ألقاب وميداليات أخرى . لكن هل تدرون لماذا ظل هذا الرياضي يتألق وينجح من سنة إلى سنة ومن محفل دولي إلى محفل آخر؟.

إن الإجابة بسيطة وهي أن الدولة القطرية اكتشفت مواهبه مبكّرا فوضعت على ذمّته كل ما تقدر عليه ولم تبخل عليه بأي شيء ماديّا كان أو معنويّا فكانت النتيجة أن صنعت قطر بطلا عالميا وأولمبيا ما زال سيتألق أكثر بما أن عمره ما زال يسمح له بالمزيد.

أما نحن في تونس فلنا قدرة عجيبة على التحطيم ... ونحن ندخل طبعا تحت طائلة ذلك المثل أو العبرة القائلة " في الدول الواعية يظلّ الناس وراء الفاشل حتّى ينجح ... أما في الدول المتخلّفة فإنهم يظلّون وراء الناجح حتّى يفشل "... ولا شكّ أن هذه المقولة أهملت شيئا مهمّ يخص العرب عموما والتونسيين بشكل خاص وهو : " في الدول المتخلّفة لا يهدأ لهم بال ولا يأتيهم نوم إلا إذا تمكّنوا من تحطيم الناجح "... وللحديث بقيّة.

جمال المالكي  

التعليقات

علِّق