حتى لا ننسى المسكوت عنه في صناعة الإرهاب

الحصري - مقال رأي
بقلم : عادل بن عبد الله
لماذا ينبغي التذكير دائما ب"المسكوت عنه" أو المهمش والمقموع في جميع الخطابات المهيمنة على المشهد الإعلامي؟ لماذا يجب "مساءلة " هذا المشهد"المأزوم" وحمله على التفكير فيما لا يريد(أو لا يحتمل) التفكير فيه؟ لماذا علينا أن نخرج من استراتيجيات "التلاعب بالعقول" ونوازع التسييس والتوظيف الحزبي أو الايديولوجي؟ لا شك أن بعض "المقول" في هذا المشهد الإعلامي موضوعي ورصين، ولكنه رغم ذلك يحتاج إلى "تكملة" لا تطمع بالضرورة في إحراجه أو "نقضه"، بل هي تسعى أساسا إلى دفعه إلى استدماج بعض العناصر المغيبة قصدا أو سهوا ( وهي معطيات سياقية قريبة وبعيدة)، تلك المعطيات التي لن يكون "للإرهاب" من معنى حقيقي إلا باستحضارها كلها.
هل يحتاج الإرهاب إلى أكثر من كل هؤلاء الشهداء المشهورين منهم وخاملي الذكر (رحمهم الله جميعا) ليكون حقيقة"موضوعية" ؟ هل نحتاج إلى أكثر من هذا الاحتقان الاجتماعي المهدد بالاحتراب بين الأهالي على أساس "ايديولوجي"، لنفهم انه لا مهرب لنا من البحث عن أفضل السبل للتعايش مهما كانت أحقادنا "المقدسة" ومصالحنا المتباينة؟ بالطبع لا يحتاج "الإرهاب" الى أكثر من شهيد واحد ليجعلنا نفكر "معًا" في أفضل السبل للتصدي له بعيدا عن المزايدات السياسية و وخارج آليات التنفيس عن الاحقاد الايديولوجية. ولكن بين حقيقة وجود الإرهاب وضرورة مواجهته، وبين من يريدون اختزاله في مكوّن من مكوّناته( رافضين اعتبار أن الإرهاب ظاهرة مجتمعية معقدة تتجاوز الحقل الديني لترتبط بالحقول الثقافية والسياسية والاقتصادية)،بين هذه الأمرين توجد مساحة للتفكير سيحاول هذا المقال أن يتحرك ضمن ممكناتها. ستقرؤون وتسمعون وترون اتهامات للنهضة وللترويكا (وهي اتهامات معقولة حين ترتبط بالضعف البنيوي في أداء الترويكا وفي عجزها عن مواجهة كل مظاهر استضعاف الدولة بما في الخطر التكفيري)، وستقرؤون نوعا من"الابتزاز" و"التخويف" لحكومة التكنوقراط كي تمضي بعيدا في إعادة الإدارة والمناصب السيادية كلها للمترسبات التجمعية وحلفائهم "التقدميين"..ستقرؤون اتهاما لرئيس الجمهورية، لرابطات حماية الثورة، ستقرؤون اتهامات للمجلس التأسيسي...ولكنكم لن تقرؤوا أبدا اتهامات لهذ الأطراف:
1- لن تقرؤوا أبدا لأحد "المثقفين" الذين كانوا جزءا بنيويا ووظيفيا من نظام بن علي يتهم المقاربات الأمنية البائسة لذلك النظام، و لن تقرؤوا لهم يعترفون (في إطار نقد ذاتي) بتواطؤ الكثير من القوى"الحداثية" في تنفيذها. وهو ما يمكن التمثيل له بلجان التفكير التجمعية وسياسات تجفيف منابع التدين، تلك السياسات التي أشرفت عليها نخب "أكاديمية" دمرت الحقل الروحي في تونس وجعلت المساجد ملاحق دينية بوزارة الداخلية وعمدها من جهة، وبالتجمع ولجان تنسيقه وشعبه من جهة أخرى (ثم نراهم الان يتحدثون عن تحييد المساجد وكأنها كانت مستقلة منذ تأسيس ما يُسمى بالدولة الوطنية بعد الاستقلال الصوري عن فرنسا)
2- لن تقرؤوا لهم وهم يتهمون خطابات الكثير من النخب التي تصر (رغم 14 جانفي)على التضاد المطلق والنهائي بين الإسلاميين والدولة المدنية، وتعمل على نقض أي أفق مفهومي أو مؤسسي للتعايش بين الإسلاميين و"القوى الديمقراطية"، و لن تقرؤوا اتهامات للخطابات الاستفزازية الاستعلائية الصادمة للوعي الجمعي من جهة، والرافضة-من جهة اخرى- لأي مراجعة جذرية للايديولوجيات الصدامية (اليسارية خاصة)، تلك الايديولوجيات التي ارتد أغلب أصحابها عن الصراع الطبقي ومازلوا يصرون على إدارة الصراع على أساس ثقافوي بائس، ويرفضون الاعتراف بمنطق الاحتكام للصناديق ويعتبرون وصول الإسلاميين الى السلطة (حتى في بلاد الواق واق) مجرد مظهر لاختيارات"شعبوية" ومجرد "فاصلة عابرة في التاريخ"
3- لن تقرؤوا لمن يتهم أداء الحكومات التجمعية (الغنوشي1+2) والشبه-تجمعية(الباجي قائد السبسي) ودورها في إعادة إنتاج الشروط الموضوعية نفسها في تفشي الظاهرة السلفية(إطلاق سراح العديد من السلفيين الجهاديين من دون أي خطة أمنية لتحييدهم أو مراقبتهم، تواصل منوال التنمية اللامتكافئ والتفقير النسقي للأحياء الشعبية المحيطة بالعاصمة، تفشي ظاهرة التهريب والعلاقة المشبوهة بين أباطرة هذه التجارة والقوى الارهابية، الاقتراض العبثي من الجهات المانحة مقابل المزيد من التنازلات عن الثروة الوطنية)، وهو إرهاب"اقتصادي" تواصل في فترة حكم الترويكا وازداد رسوخا في عهد حكومة السفارات التكنوقراطية
4- لن تجدوا اتهاما واحدا لأولئك الذين رفضوا التعامل العقلاني والبراغماتي مع الظاهرة السلفية وذلك بعيدا عن الأحقاد الايديولوجية والتوصيفات النمطية والتعميمات اللاوظيفية(وكأن اللفية جسد متجانس لا تدخله الاختلافات والتناقضات أيضا) ، وهو أمر عملت به الكثير من الدول التي عانت من الإرهاب السلفي وحققت نتائج مشجعة (السعودية، المغرب على سبيل الذكر لا الحصر). فلا يمكن اختزال التعامل مع جميع السلفيين في المنطق الأمني( أي "تببيض" إرهاب النقابات الأمنية وعودة القبضة الحديدية للمافيات المهيمنة على تلك النقابات). ولكنّ عدم اختزال التعامل في المنطق الأمني لا يعني اطراح هذا التعامل أو بخسه حقه، بل منتهى ما يعنيه أن يكون جزءا من مقاربة"مجتمعية" شاملة يكون قرارها النهائي"سياسيا" ، أي خارج الدوائر الأمنية.
5-لن يجرأ الا القليل على اتهام المستفيد الأكبر من العمليات الإرهابية . فحتى لو استبعدنا وجود علاقة "تعاون" بين بعض الأطراف السياسية النيو-تجمعية(بوساطة استخباراتية اقليمية أو أمنية محلية)، وبين القوى السلفية"الإرهابية"(لأن هذه العلاقة تحتاج إلى أدلة تجعلنا نوقن بوجود تعاون حقيقي وليس مجرد التقاء موضوعي لا يبلغ مرحلة التحالف القصدي)، حتى لو استبعدنا تلك الفرضية، فإنه لا يمكننا التساؤل عن "التوافقات" المريبة بين التحركات الإرهابية وبين مصالح الكثير من القوى الانقلابية، كما لا يمكننا أن نغفل عن الخدمة الكبيرة التي تقدمها هذه العمليات الإرهابية لمقترح الباجي قائد السبسي الداعي إلى تأجيل الانتخابات لأسباب أمنية.
6-- لن تقرؤوا اتهاما للجوار الإقليمي(جنرالات الجزائر خاص) و لا اتهاما لممالك النفط (السعودية والامارات خاصة) و لا"لأمهم فرنسا" التي لم تدخر جهدا في مقاومة ثورة 17 ديسمبر ولا في تجييرها لخدمة مصالحها ومصالح وكلائها التقليديين (وبنيتهم المافيوزية ذات البنية الجهوية) ...لن تقرؤوا اتهاما للوبيات الأمنية التي لا يخفى ارتباط أغلب قادتها (النقابيين) بمافيات التهريب وبأجندات حزبية وبقوى اقتصادية كانت هي العمود الفقري للاقتصاد التابع زمن "صناع الصناديق والمرتزقة"...ستقرؤون اتهاما لكل الذين يرتبطون بمفاعيل 23 اكتوبر، ولكنكم لن تقرؤوا اتهاما واحد لكل المرتبطين ب7 نوفمبر1987 ولا ب13 جانفي 2011...ستقرؤون اتهاما للأموات من "الإرهابيين" ولكنكم لن تروا إرهابيا واحد حيا ...الا في برامج ورثة "المنصف الشلي" ومنظاره"التجمعي"
7- النقطة السابعة لن أملأها الا بسؤال بسيط يرتبط ب"شُعبتين"( واحدة مهنية و الأخرى ترابية ): رغم أنه ليس لن أولياء صالحون"أحياء" في تونس، فلماذا تصدق أغلب"نبوءات"المنتمين للنقابات الأمنية أو "رؤاهم" التي قلّ أن تُكذّبها الأحداث (مثل "النبوءة" الأخيرة لوليد زروق التي نبهت الى عمل ارهابي في شهر رمضان) ولماذا لا تتدخل"العناية الإلهية" عبر وساطة "الموقّعين عن رب السلفيين" إلا لنصرة مطالب"رب" الانقلابيين وآخرها تأجيل الانتخابات؟؟؟
التعليقات
علِّق