تونس ودول الجوار.. حلول مشتركة لمشاكل مشتركة

تونس ودول الجوار.. حلول مشتركة لمشاكل مشتركة

نظمت تونس  وبدعوة من رئيس الجمهورية، الاجتماع التشاوري الأوّل بين الرئيس التونسي والرئيس الجزائري ورئيس المجلس الرئاسي الليبي، وبعد أيام من اللقاء التشاوري، وقّعت الدول الثلاث في العاصمة الجزائر، على اتفاقية دعم "آلية التشاور حول إدارة المياه الجوفية المشتركة بالصحراء الشمالية".

ومن بين الأهداف المعلنة لهذه الاتفاقية، ضمان إدارة وتنمية واستدامة للموارد المشتركة بين البلدان الثلاث، وهو ما يُعيد للأذهان استراتيجية "أطلس" التي نشرها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات سنة 2015، في وثيقة تناولت العناصر الأساسية لاستراتيجية التعاون بين تونس وجارتيها (الجزائر وليبيا)، وقدم من خلالها المعهد توصيات لصناع القرار والقطاع الخاص في البلدان الثلاث في إطار محاور استراتيجية مُربحة لكل الأطراف بما في ذلك إدارة الموارد الطبيعية والموارد المائية.

وباعتبار ارتباط الموارد المائية بكل عملية تنموية، نظّم المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، في إطار برنامج 90 دقيقة مع L’IACE، حلقة نقاش تحت عنوان "تونس ودول الجوار.. حلول مشتركة لمشاكل مشتركة"، يوم الأربعاء 08 ماي 2024، بحضور مدير عام الموارد المائية بوزارة الفلاحة عيسى حليمي، والخبير في مجال المياه وكاتب الدولة السابق للموارد المائية عبد الله الرابحي.

وضعية صعبة لكن ليست كارثية

كان التأكيد في بداية البرنامج على تواصل الوضعية الحرجة للموارد المائية في البلاد رغم تحسن كمية التساقطات مقارنة بالسنة الماضية، وبلغت معدل 65%، وهو ما دعا الدكتور عيسى الحليمي مدير عام الموارد المائية بوزارة الفلاحة إلى التذكير بضرورة مواصلة التصرف المسؤول والمُستدام في الموارد المائية من قبل المواطن والفلاح والصناعي وكل المتداخلين.

كما بلغت إيرادات السنة المطرية الحالية (السنة المطرية تنطلق في شهر سبتمبر وتتواصل إلى شهر أوت القادم)، قرابة الـ 800 مليون متر مكعب، وهو ما يمثل قرابة الـ 34% من المخزون اللازم للمياه، ما جعل السيد عبد الله الرابحي الخبير في مجال المياه وكاتب الدولة السابق للموارد المائية يعتبر الوضعية الحالية للموارد المائية صعبة، ولكنها ليست كارثية، مذكرا بمخزوني أهم سدود البلاد، وهما كل من سد سيدي سالم الذي كان مخزونه في حدود الـ 96 مليون متر مكعب في السنة الماضية واليوم في حدود 222 مليون متر مكعب، وسد سيدي البراق بنسبة امتلاء في حدود الـ 44%.

 

"انحراف مناخي" وليس تغيرات مناخية

اعتبر الخبير في مجال المياه وكاتب الدولة السابق للموارد المائية عبد الله الرابحي، أن العالم يعاني اليوم من "انحراف مناخي" وليس تغيرات مناخية، كما أكد على أن هناك حزمة من الإشكاليات المرتبطة بالإنتاجية في القطاع الفلاحي، لا يجب ربطها دائما بالمياه فقط، بل يجب تغيير السياسات الفلاحية في البلاد والتركيز على خدمة الأرض بكل أبعادها.

كما تمت الإشارة إلى تواصل ارتفاع درجات الحرارة في تونس وتأثيرها على مستوى المياه ومخزون السدود، حيث تسببت في تبخر قرابة المليون متر مكعب من المياه في يوم واحد في السنة الماضية، والتوجه نحو "انحراف مناخي" يجعل من السنة 3 فصول فقط، خريف وربيع وصيف (دون شتاء).

 

أي سياسات للدولة في مجال مياه الشرب ومياه الريّ؟

أكد الدكتور عيسى حليمي مدير عام الموارد المائية بوزارة الفلاحة، أن هناك توجه في تونس يقطع مع الفلاحة التقليدية البعلية، بما فيها إنتاج الحبوب، لذلك يتم اللجوء إلى الري التكميلي على حساب مياه الشرب، وقد انطلقت البلاد هذا العام في تجربة زراعة الحبوب في منطقة رمادة من ولاية تطاوين، وهناك توجه ومخطط من الدولة لإنتاج القمح الصلب في المناطق الجنوبية من تونس لضمان الأمن الغذائي للبلاد.

كما لاحظ مدير عام الموارد المائية بوزارة الفلاحة تغيير نمط الإنتاج باستعمال أنواع وطرق جديدة من الزراعات على غرار الزراعات العمودية، ورغم ندرة المياه تواصل ارتفاع عدد المناطق السقوية في كامل البلاد، وهو الأمر الذي استغربه كاتب الدولة السابق للموارد المائية عبد الله الرابحي.

أما بالنسبة لمياه الشرب، فقد كان صيف 2023 صيفا صعبا في إطار العمل على ضمان الحد الأدنى من مياه الشرب، ومن بين الحلول التي تم اقتراحها تحلية مياه البحر، ولكن ليس هو فقط الحل البديل، باعتبار ارتفاع كلفة مثل هذه المشاريع، وهو حل وقتي وله انعكاسات بيئية.

ولكل هذه الأسباب وغيرها، انطلق التحكيم حول استعمال المياه في تونس، حيث تم في السنة الماضية اختيار توفير مياه الشرب والزراعات الاستراتيجية، على حساب بقية القطاعات الأخرى، بالإضافة إلى دعوة المتدخلين إلى ضرورة تغيير مجلة المياه التي تعود إلى سنة 1975.

 

هل المياه الجوفية المشتركة في الصحراء الشمالية اكتشاف جديد؟

أكد المتدخلون أن آلية التشاور حول المياه الجوفية المشتركة في الصحراء الشمالية بين تونس والجزائر وليبيا ليست بالاكتشاف الجديد، ولا هي أكبر اكتشاف في العالم، ويمكن في هذا الإطار التذكير بالمياه الجوفية المُكتشفة بين كل من ليبيا ومصر والسودان والتشاد والتي تصل تقريبا إلى أكثر من 2،5 مرات من حيث الحجم مقارنة بالمياه الجوفية المشتركة بين تونس والجزائر وليبيا.

كما لا يمكنها أن تكفينا هذه المياه الجوفية لـ "3500 سنة" كما يتم التسويق لذلك في بعض المنابر، ووجود هذه المائدة المائية لا يعني أن تونس أصبحت تسبح فوق بركة كبيرة من المياه العذبة.

تقع هذه المائدة المائية الجوفية، على مساحة تُقدر بقرابة المليون كلم مربع، 70% منها في الجزائر، و8% في تونس، والبقية في ليبيا، كما يجب الإشارة إلى أن الحوض المشترك بين تونس وليبيا والجزائر لا علاقة له بـ "النهر الصناعي العظيم" في الجنوب الليبي، فهذا النهر لا يستغل الموارد المائية الخاصة بالحوض المشترك.

 

ماذا أضافت إذا الاجتماعات الأخيرة في كل من تونس والجزائر؟

أعلن مدير عام الموارد المائية بوزارة الفلاحة عيسى حليمي، أن آلية التشاور حول المياه الجوفية المشتركة في الصحراء الشمالية، هي آلية قديمة من حيث الفكرة، لكن لم يكن لها الغطاء السياسي، وقمة 22 أفريل في تونس جعلت لها الشخصية القانونية المُلزمة، بوجود هيئة عليا يشرف عليها الوزراء المكلفين بالفلاحة في البلدان الثلاث.

كما اعتبر مدير عام الموارد المائية بوزارة الفلاحة أن لقاء الجزائر الأخير نقلة نوعية في العمل المشترك الإقليمي، وتفعيل "آلية التشاور حول المياه الجوفية المشتركة في الصحراء الشمالية" بين تونس والجزائر وليبيا، سيكون سببا في تمكين كل الأطراف من تبادل المعطيات، وهو الدور الأساسي لآلية التشاور، وهذه الآلية هي النموذج الأمثل لاستغلال حوض مائي بهذه الأهمية.

ويبقى الهدف الأساسي من تفعيل آلية التشاور هو الحفاظ على استدامة المائدة المائية الجوفية باعتبارها غير متجددة، إضافة إلى تنمية الجنوب التونسي حيث ستُصبح المشاريع في المستقبل أكثر استدامة من خلال تبادل المعطيات والتنسيق المشترك بين دول الجوار.

 

لماذا الاستغلال المشترك؟

أعلن مدير عام الموارد المائية بوزارة الفلاحة عيسى حليمي، عن وجود دراسات تُثبت أن استغلال أي دولة من الدول الثلاث (تونس والجزائر وليبيا) للمياه الجوفية المشتركة يؤثر على المخزون، وهذا ما يجعل التنسيق المشترك أمر لا بد منه، كما أشار مدير عام الموارد المائية بوزارة الفلاحة إلى الانطلاق تونس في تجارب أخرى مشابهة لتجربة "رجيم معتوق" من ولاية قبلي، وهي تجربة جديدة في منطقة "المحدث" من نفس الولاية، وتجربة أخرى في منطقة "برج بورقيبة" في ولاية تطاوين.

كما أن المائدة الجوفية المشتركة يعيش حولها قرابة الـ 4 ملايين ساكن بين تونس والجزائر وليبيا، وسيرتفع عددهم إلى قرابة الـ 8 ملايين ساكن في 2050.

رابط حلقة النقاش:

https://www.facebook.com/iace.org.tn/videos/920279736539493

 

 

التعليقات

علِّق