تونس- الصين : عقود طويلة من الصداقة والتعاون وآفاق واعدة للإرتقاء إلى مراتب الشركاء

تونس-  الصين :  عقود طويلة من  الصداقة والتعاون وآفاق واعدة  للإرتقاء إلى مراتب الشركاء


عقود طويلة  مرّت على إقامة العلاقات الدّيبلوماسيّة  بين تونس وجمهورية الصّين الشعبيّة  وهي علاقات  أنشئت منذ 1964 وارتكزت بالخصوص  على مبدأ الاحترام المتبادل وعلى   المصلحة المشتركة.

وقد تميّزت هذه العلاقات على الصعيد السياسي  بالصداقة  والاحترام من خلال تبادل الزيارات  والتشاور السياسي والتنسيق المستمر في مواقف البلدين في المحافل الدولية من خلال آلية المشاورات السياسية التي تعقد سنويا بين وزيري  خارجية البلدين  عملا بمقتضيات الاتفاق الموقع بتونس بتاريخ 30 ديسمبر 1996.


إنجازات صينية في تونس
و شهد التعاون الاقتصادي مع الصين خلال السنوات الماضية تطورا ملحوظا من خلال إقامة مشاريع تنموية في إطار هذا التّعاون  لعلّ أهمها قنال مجردة- الوطن القبلي ومبنى الأرشيف الوطني والمركز الثقافي والرياضي بالمنزه السّادس  وغيرها كثير ... وهي إنجازات  باتت تمثل رمزا لعلاقات الصداقة والتّعاون التي تجمع بين البلدين.
وقد قامت  الصين  منذ الثورة بمرافقة المجهود التنموي لتونس من خلال تقديم العديد من المساعدات العينية والهبات المالية إلى جانب تقديم عدد من القروض دون فوائض ساهمت في تطوير البنية التحتية وبناء السدود المائية.
وساهم التعاون التقني والفني والعلمي بين البلدين في  تعزيز المجهود التنموي بتونس  من خلال إرسال فرق طبية صينية مختصة ساهمت بصفة ملحوظة في تطوير المجهود الطبي بتونس في اختصاصات محددة بمستشفيات كل من المرسى وجندوبة وسيدي بوزيد والقصرين وتطاوين  على سبيل المثال و كذلك مشاركة خبراء وفنّيين تونسيين في دورات تكوينية في الصين  خاصة في مجال الغاز الطبيعي والفلاحة وتربية الأحياء المائية والطاقة الشمسية وتكنولوجيات الاتصال إضافة إلى أن الصين  تخصص منحا جامعية لفائدة طلبة تونسيين لمتابعة دراسة اللغة الصينية.

إرادة واضحة وعزم أكبر
ومع سنواتها الأولى  كانت العلاقات بين البلدين محكومة ببعض التوجهات الإيديولوجية  ذلك أن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة  اختار مع سنوات الاستقلال الأولى أن يكون التعاون موجّها أكثر إلى دول المعسكر الغربي وبالخصوص الولايات المتحدة الأمريكية  وفرنسا اللتين كانتا من أهم القوى العسكرية  والاقتصادية في  تلك الفترة  خلافا لبلدان المعسكر الشرقي أو الاشتراكي  الذي لم يكن  آنذاك بنفس القوة التي صار عليها اليوم .
وعلى هذا الأساس  ورغم أن العلاقات السياسية بين البلدين كانت ممتازة ومبنية على الثقة والاحترام  فإن التعاون الاقتصادي والتجاري لم يبلغ حجما كبيرا مقارنة بما كان يحدث مع بلدان المعسكر الغربي وخاصة أوروبا بحكم القرب الجغرافي بين تونس والقارة العجوز.
ولئن شهد التعاون التونسي الصيني خلال فترة ما بعد بورقيبة بعض  النسق التصاعدي فإنه لم يبلغ الدرجة التي يتطلّع إليها الشعبان في البلدين . وبعد الثورة التونسية  يبدو أن الإرادة السياسية لدى الجانبين  توفرت  وبات العزم مشتركا  على تطوير هذه العلاقات على قاعدة المنفعة والربح المشتركين .

وقد أكدت تونس  مؤخرا وفي أكثر من مناسبة أن الصين  بلد صديق وقريب  منّا وأنه يمكن لنا أن نستفيد  من المبادرات  الصينية  في مجالات عدة . وقال وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي   إن تونس تأمل في  أن تساهم الصين في إنجاز العديد من المشاريع المندرجة ضمن مخطط التنمية الوطني 2016 - 2020 خاصة في مجال البنية التحتية .
وذكّر  الجهيناوي بالعديد من المشاريع المنجزة في تونس  بالتعاون مع   جمهورية  الصين الشعبية  على غرار المساهمة في بناء مستشفيات أو تجهيزها ودور الشباب  سواء بالعاصمة أو بعض المدن الأخرى  إضافة إلى مشروع " بايدو" للأقمار الصناعية الموجود في تونس وقد  تم إنجازه في إطار مبادرة " الحزام والطريق"  وهو مشروع هام جدا للصينيين والبلدان العربية ولكن أيضا يكتسي أهمية كبرى على مستوى العلاقات الدولية بصفة عامة.

وأشار الوزير إلى أن تونس بصدد التباحث مع الطرف الصيني بخصوص التعاون الثنائي لإنشاء مركز للتكوين السياحي والفندقي  معربا عن أمله في تكثيف التعاون مع الصينيين  خاصة في المجال السياحي والمشاريع المتعلقة بالبنية التحتية في تونس  في إطار تلك المبادرة  إضافة إلى قطاعات هامة  في مجال  الخدمات وتكنولوجيات الاتصال الحديثة.

الطاقة وآفاق المستقبل
وبخصوص التعاون في مجال الطاقة   أكدت الدولة التونسية إنه من أهم مواضيع التعاون التي تهم الدول المصدرة للطاقة  مثل دول الخليج وبعض دول المغرب العربي . غير أن موضوع الطاقات البديلة والمتجددة هو من المجالات الكبرى التي تهتم بها الصين وحققت فيها خطوات هامة  مشيرا في هذا الشأن إلى أن  تونس بصدد البحث مع الأصدقاء الصينيين  إمكانية إنجاز بعض المشاريع التي تهم الطاقات المتجددة  وخاصة منها الطاقة الشمسية.
ولا شكّ أن هناك بعض  العوائق التي تحول دون الارتقاء بالعلاقات الاقتصادية التونسية الصينية إلى مستوى أعلى أي إلى علاقات الصداقة العريقة بين البلدين . إلا أن الجانب التونسي  يبدو عازما هذه المرة على قطع خطوات إيجابية أخرى نحو الصين  البلد الصديق

الذي يدرك التونسيون أن نواياه صادقة وأنه بعيد كل البعد عن النزعة المصلحية  الضيقة التي تطغى على تصرفات الدول الكبرى في تعاملاتهم مع الدول الصغرى النامية أو التي تسير على طريق النموّ . ولعلّ في توجّه الصين نحو بلدان إفريقية عديدة من أجل الاستثمار فيها ومساعدتها على الرقيّ باقتصادها نحو مراتب أفضل دون ممارسة أيّة ضغوطات عليها خير دليل على أن العملاق الاقتصادي العالمي ( الصين ) يدرك أن مستقبل الثروات والتعاملات التجارية يوجد  في القارة الإفريقية التي تعتبر سوقا استهلاكية على قدر كبير من الأهميّة .
وبلا شك هناك رغبة واضحة  اليوم من الجانب التونسي واستجابة من الجانب الصيني  من أجل  المشاركة في مختلف المشاريع التي يمكن أن تحقق الإنتقال الإقتصادي في البلاد  التونسية  خاصة  أن الصين قفزت خلال السنوات الأخيرة خطوات  هامة في المجال الاقتصادي وأصبحت لها مكانة دولية معتبرة في كافة المجالات .

من التعاون إلى الشراكة ؟
وبالإضافة إلى التعاون التقليدي يمكن للصين  أن تكون شريكا  فاعلا وأساسيا لتونس في كافة المجالات وخاصة في مجال البنية التحتية والتكنولوجيات المتطورة وتكنولوجيات الإتصال والطاقات المتجددة. وأكدت الدولة التونسية أنها بصدد مراجعة القوانين التونسية التي يمكن أن تعطل الإستثمارات والتعاون الثنائي بين البلدين من أجل مرونة أكثر وإزالة كافة العوائق التي تحول دون الارتقاء بهذا التعاون إلى مستوى الشراكة . وقد تمت  في هذا السياق المصادقة على مشروع قانون جديد للاستثمار ومشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص وهذه الأطر يمكن أن تساعد الصين على المشاركة  أكثر فأكثر في المشاريع الوطنية التونسية بالإضافة إلى  أنه يمكن إنجاز بعض المشاريع بصفة ثنائية  دون المرور بهذه القوانين  وذلك من خلال قرارات تتخذها الحكومة التونسية  وفقا للقانون التونسي.

وأوضحت الدولة التونسية  أن الصين بلد صديق  ساعدنا خلال السنوات الأولى من الاستقلال وإلى حد اليوم  له مكانته الخاصة بالنسبة إلى تونس وأننا سنعمل على تعزيز علاقتنا مع الصين ودفعها إلى مستويات أعلى وأرفع .

وللتذكير فإن خميس الجهيناوي وقّع ببيكين على اتفاقية انضمام تونس إلى مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني  سنة 2013 و انخرطت   فيها  حوالي  سبعين دولة من بينها 9 بلدان عربية.
وتهدف هذه المبادرة إلى القيام بمشاريع تتعلق بالبنى التحتية  بما قيمته حوالي تريليون دولار لإعادة " طريق الحرير القديمة " وتشمل تمويل مرافئ وموانئ وطرق وسكك حديدية في مختلف أنحاء العالم. وكان الرئيس الصيني  أعلن في افتتاح المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون العربي الصيني   في شهر أفريل الماضي عن حزمة من القروض الموجهة للتنمية في البلدان العربية  بقيمة 20 مليار دولار .

وفي إطار التعاون المنشود شارك وفد من رجال أعمال تونسيين منخرطين بمجلس التعاون التونسي الصيني و يمثلون  مؤسسات  ناشطة في مجال الصناعات الغذائية والإلكترونيك والكيمياء في الدورة الأولى لمعرض الصين الدولي للاستيراد الذي احتضنته مدينة  " شنغهاي  " من 5 إلى 10 نوفمبر 2018.وضم الوفد التونسي  أيضا  مؤسسات عارضة مختصة في زيت الزيتون والصناعات التقليدية   وهو معرض  تهدف الصين إلى جعله منصة مفتوحة لكافة دول العالم لعرض منتجاتها في السوق الصينية التي تعد ثاني أكبر سوق استهلاكية في العالم.
خلاصة القول
بعد هذه العقود الطويلة من التعاون التونسي الصيني نعتقد أنه حان الوقت كي يتعزز هذا التعاون ويشمل مجالات أوسع وأعمق وأن ترتقي العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الفعلية والفعالة في  كافة الميادين المشار إليها  أعلاه وغيرها من المجالات .
وبما أن العوائق التي كانت تحول بين البلدين وبين تعاون أكبر وأشمل سائرة  في طريقها إلى الزوال فلا شيء  سيبرر مستقبلا ألّا يرتقي هذا التعاون وهذه الشراكة إلى مستويات عليا طالما أن للبلدين مصالح واحدة ومشتركة  تحقق المنفعة لهذا الطرف بنفس القدر الذي تحققه للطرف الآخر.
جمال المالكي
 

التعليقات

علِّق