تونس الأولى إفريقيا في الضغط الجبائي: تأثيرات سلبية...ولكن!

تونس الأولى إفريقيا في الضغط الجبائي: تأثيرات سلبية...ولكن!

للضغط الجبائي تأثيرات معروفة. و لكن ما يحصل هو بسبب تراكمات لا يمكن أن ننكرها منذ مطلع 2011. علما أن التنسيب ضروري نظرا إلى أنه ليس هناك حقيقة مطلقة.

راجت خلال الأيام القليلة الماضية أخبار تقول أن تونس تحتل المرتبة الأولى في مجال الضغط الجبائي إفريقيا. و قد أفاد في هذا الصدد الخبير المحاسب حاتم فتح الله  و حسب مراسل إذاعة إكسبراس أفم حسام الدلالي خلال اللقاء الاعلامي الذي انتظم بمدينة قفصة صباح يوم 30 جانفي 2025 حول موضوع "قانون المالية لسنة 2025 التحديات و المستجدات" أن ذلك يأتي "من خلال الزيادة في المصاريف الخاصة بميزانية الدولة منذ سنة 2011 إلى اليوم".

مشيرا إلى أنه "حيث كانت ميزانية سنة 2010 تقدر ب19 مليار دينار بينما ميزانية 2025 هي في حدود 79 مليار.دينار" مضيفا أن "ذلك يعود وفق قوله إلى الزيادة في الأسعار والانتدابات التي أرهقت كل الميزانيات خلال ال15  السنة الأخيرة".

وهي معلومات تتقاطع مع ما أوردته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وهي المنظمة التابعة لنسيج الأمم المتحدة والتي تفيد أن هذا الضغط كان سنة 2022 في حدود 33.5 بالمائة في حين أن النسبة المئوية لهذا الضغط كانت في حدود 16 في المائة بالنسبة إلى 36 بلد من القارة السمراء.

الضغط الجبائي و التضخم؟

و هو أمر جدير بالاهتمام بالنظر إلى أن الضغط الجبائي الذي يحدد نسبة المبالغ المتأتية من الجباية في الناتج الداخلي الخام أي مجموع الخيرات في بلد ما يعتبر أمرا سلبيا بالنظر إلى تأثيراته على جملة من المتغيرات الهامة و من بينها الاستثمار. إذ أن الجباية لا تعتبر أقل ما نقول في شأنها عنصرا يخدم الاستثمار. و ذلك لأن الجباية بمختلف مكوناتها (الضريبة على الدخل و الأداءات و الإتاوات و المعاليم المختلفة) تحتسب من ضمن عناصر الكلفة بالنسبة إلى المؤسسة). كما أنها تؤثر على التضخم أي الزيادة في الأسعار. وأن أسعار السلع         والخدمات أكان الأمر يخص المؤسسة أو المستهلك ترتفع كلما ارتفعت الجباية.

والشأن ذاته بالنسبة إلى الإنتاج الذي قد يتقلص بفعل نقص الاستثمار. ولأن الاقتصاد يتكون من وحدات متكاملة يؤثر بعضها على البعض فإن التأثير قد يحصل على مستوى الاستهلاك. هذا عدا التأثيرات المتعلقة بصورة البلد الذي يصبح غائبا أو يتقلص حضوره على مستوى  كما يقال رادار المستثمرين العالميين الذين يبحثون دوما عن البلدان والمناطق التي تعرف نسب جباية عالية. و هو الشأن الذي يفسر أهمية الجنات الضريبية التي لم يتقلص دورها بالرغب من مكافحتها و التي تعتمد قاعدة تؤسس نشاطها و هي ضعف نسب الضرائب أو غيابها تماما.

التهرب من دفع الضرائب

وقد تكون الأمور أسوأ إذا كانت بعض المتغيرات الأخرى غير مناسبة مثل نسبة الفائدة المديرية أي النسبة التي تمثل السعر الذي يقترض به القطاع المصرفي من البنك المركزي (8 في المائة في بلادنا) وكذلك  نسبة الفائدة التي يتعامل بها القطاع المصرفي مع حرفاء (7.9 في المائة هو سعر سوق المال في بلادنا) . و تقول العلوم الاقتصادية أن ارتفاع الضرائب لا تخدم العائدات الضريبية في حد ذاتها و يستخدم رجال الاقتصاد في هذا الصدد هذه القاعدة الشهيرة لرجل الاقتصاد الأمريكي أرتور لافار المعروف بأنه مبتكر "منحنى لافر" أو "رسم لافر" الذي يقول أن "زيادة معدلات الضريبة لا يزيد تحصيل العوائد وذلك يرجع إلى إن الضريبة العالية تثقل كاهل الأفراد والمجتمعات مما يضعف عملية العمل والإنتاج لانخفاض الحافز ويشجع لتجنب الضرائب والتهرب من دفعها". ويستخدم البعض في هذا المجال مقولة أن "النسب تقتل المجاميع" أو " كثرة الأداءات تقتل الأداء". ويعتقد البعض و انطلاقا من هذا التصور أن الجباية عندما تصل إلى حدود عالية فهي تدفع جزء من الفاعلين الاقتصاديين إلى الذهاب إلى القطاع الموازي أي غير المنظم و بالطبع الذي لا يدفع الجباية.

غيرا أن هذا التصور يجب أن ينسب بسبب متغيرات عدة. فتأثيرات الضغط الجبائي لا تكون دائما حاصلة عندما تكون تكاليف الإنتاج –ما عدا بالطبع تكاليف الجباية-  مرتفعة أو عندما لا  يكون للمستهلك من حل أخر دون شراء بعض المنتوجات في غياب منتوج أخر مماثل في حالة عدم إمكانية التوريد مثلا.

خدمات مجانية

ومهما كان من الأمر فإن الدولة يمكن أن تعتمد هذا الضغط مؤقتا في حالة غياب حلول أخرى للحصول لأسباب موضوعية شتى على عائدات من مصادر أخرى مثل الاستثمارات حالية أو مستقبلية التي تقوم بها أو وجود لزمات معتبرة قد تتمكن من توفيرها. أو قد تقبل إذن على هذا الضغط في انتظار تغيير سياستها في المجال الجبائي بفضل وعود مستقبلية تتعلق بالموارد.

و من المعروف أن الضغط يكون مقبولا في حالة أن تتوصل الدولة في توفير خدمات تتسم بالجودة لمواطنيها أو مجانية للبعض منهم و بكلفة ضعيفة لجيب متساكنيها في مجالات حياتية عدة مثل مجال الصحة و التربية و النقل إلخ...و هو الحال في دولة مثل السويد الذي يصل فيه الضغط الجبائي 50 في المائة.

*محمد قنطاره

التعليقات

علِّق