تفاصيل المبادرة التشريعية المتعلقة بنظام الميراث لمهدي بن غربية

تفاصيل المبادرة التشريعية المتعلقة بنظام الميراث لمهدي بن غربية

 

 
انتظمت اليوم الاثين 9 ماي 2016 ندوة صحفية تناولت المبادرة التشريعية تتعلّق بالمساواة في الميراث بين المرأة والرجل تتناول الصبغة الاختيارية لنظام الميراث و خيار المساواة بصفة إرادية التي تقدم بها النائب بمجلس نواب الشعب مهدي بن غربية.
 
وقد أثارت هذه المبادرة وما زالت جدلا كبيرا في وسائل الإعلام وغيرها ومن هنا كان لابدّ من تقديم بعض الإيضاحات والتفاصيل من خلال ما توفّر لنا من معلومات عن الموضوع .
 
وتؤكّد مصادرنا القريبة من صاحب المبادرة أن هذا المقترح يندرج في إطار مواصلة مسار تأصيل المجتمع التونسي في خصوصيته التي يشهد بها العالم كله منذ القرن التاسع عشر من حيث الملاءمة بين التشبّث بالمقومات الثقافية للشعب التونسي والتوق إلى الانخراط في التمشي الكوني من خلال إقرار محورية حقوق الفرد والسعي الدائم إلى ضمانها نصّا وممارسة.وقد تميزت تونس في تاريخها الحديث منذ منتصف القرن التاسع عشر بقيام مكونات فكر مستنير جامع بين التشبث بالمقومات اللغوية والدينية و الثقافية للشعب التونسي من ناحية والأخذ بمحددات المواطنة وحقوق الأفراد كيفما بلوره الفكر السياسي الحديث من ناحية أخرى.وأن تونس لم تكتف بإفراز مفكرين وفقهاء ساروا في هذا النهج بل وأثّروا فيه أيّما تأثير على غرار خيرالدين التونسي وأحمد بن أبي الضياف ومحمد قبادو والطاهر الحداد والطاهر بن عاشور وغيرهم كثير ممّن نسجوا على منوال رفاقهم من أمثال محمد عبده ورفاعة الطهطاوي بل تجاوزت ذلك بالذهاب إلى سنّ قوانين ومواثيق و دساتير جسّدت لأول مرة في بلد عربي إسلامي هذه المضامين والمبادئ صلب قوانين وضعية.
 
مبادرة من الواقع التونسي
 
تؤكّد مصادرنا أن تونس انفردت بكونها الدولة العربية الأولى التي ألغت الرقّ و العبودية سنة 1841 وأفصحت عن أول إعلان حقوق من خلال سنّها عهد الأمان سنة 1857 وهي كذلك أول دولة عربية وضعت دستورا حديثا ومتكاملا وكان ذلك سنة 1861.و قد واصلت دولة الاستقلال بقيادة الزعيم الحبيب بورقيبة هذا النهج المستنير بوضع سياسات وتشريعات نجد في مقدمتها مجلة الأحوال الشخصية التي قامت على تحرير المرأة ومنحتها حقوقا متقدمة على غرار منع تعدد الزوجات و منع للطلاق أحادي الجانب ووضعت أيضا منظومة متكاملة في مجالي الصحة والتنظيم العائلي ... وفي مراحل قريبة زمنيا اعتمدت تونس مبدأ تقاسم رئاسة العائلة وحق إكساب الأم التونسية الجنسية التونسية لأبنائها. وقد منحت الثورة مشاركة حاسمة للمرأة في كل مراحلها و تجلى تأثيرالمرأة من خلال دورها السياسي ودورها كفاعلة في المجتمع المدني مما توّج أولا باعتماد مبدأ التناصف و التناوب بين المرأة والرجل في القائمات الانتخابية في المرسوم الانتخابي الذي اعتمد في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011 ومن بعد في القانون الانتخابي لسنة 2014.
 
في صميم الدستور ومن روحه
 
وتشير مصادرنا إلى أن المبادرة جاءت متناغمة مع مقتضيات الدستور الذي أقرّ المساواة بين المواطنين والمواطنات الذين يتساوون في الحقوق والحريات وهم سواء أمام القانون من غير تمييز وأن الدولة هي التي تضمن للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامة وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم".(الفصل 21). لكن المادة الحاسمة في الموضوع تبقى مقتضيات الفصل 46 الذي جاء مؤكدا على التزام الدولة بحماية الحقوق المكتسبة (للمرأة) والعمل على دعمها وتطويرها . ويضيف نفس الفصل محددات التناصف في المجالس المنتخبة بين المرأة والرجل ومبدأ التكافؤ في الفرص بينهما في بقية المسؤوليات إلى جانب شجب ومكافحة العنف المسلط على النساء.ولا يدلّ هذا إلّا على العزم على تواصل مؤسسات الدولة التونسية اليوم مع النهج المحدد للخصوصية التونسية من أصالة وانفتاح وتحرر و من الطبيعي إذن أن يلتفت برلمان الجمهورية الثانية إلى تفعيل مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 46 بكل ما تحمله من تدعيم وتطوير لحقوق المرأة التونسية.وتقوم المبادرة المعروضة على مجلس نواب الشعب على وضع حجر جديد في بناء تدعيم المساواة بين المرأة والرجل .و تؤكّد مصادرنا أن كافة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية أثبتت أن الإبقاء على نظام توزيع حصص الميراث بين المرأة والرجل القائم على تفضيل واضح لهذا الأخير يساهم في الإبقاء على وضعيات تبعية اقتصادية واجتماعية للمرأة بالنسبة إلى الرجل وأن الأسباب التي قامت لتبرير هذا الاختيار قد تغيرت بتغيّر بنية المجتمع التونسي وتبدّل الأدوار والأوضاع ضمنه.وفي ذات السياق يمكن اعتبار أن المبادرة تستمدّ روحها أيضا من فكر المصلح التونسي الطاهر الحداد الذي نبّه منذ بدايات القرن الماضي إلى هذا الموضوع وأكّد أن الإسلام يحثّ على إقامة قسطاس العدل والمساواة بين الناس وأن الإسلام لم يقرر نزول ميراث المرأة عن الرجل كأصل من أصوله التي لا يتخطاها. فقد سوّاها به في مسائل كميراث الأبوين مع وجود الولد … وميراث الإخوة في الكلالة … بل قد ذهب معها أكثر من ذلك فجعل حظها أوفر منه في وجه من مسالة ميراث الأبوين مع فقد الولد … وبهذا المسلك أخرس كل نطق عن اعتبار نقص ميراث المرأة قد نشأ عن أنوثتها. ومن هنا تأتي هذه المبادرة آخذة في ذات الوقت بالفهم المستنير لمكونات الذاتية التونسية كيفما أثبت ذلك الطاهرالحداد منذ ما يناهز القرن وكذلك بما أفرزه التوافق الوطني من خلال أحكام دستور 2014 .
ويقوم هذا التمشي التشريعي المقترح على محورين اثنين : اعتماد الصبغة الاختيارية لنظام الميراث عتماد خيار المساواة بصفة إرادية . وهذا يعني أن جوهر هذا التحوير هو التناغم بين حرية الأفراد التي أقرتها الثورة ونص عليها الدستور في تحديد معالم تصرفهم الاجتماعي وضبط معالم علاقتهم بالغير في حدود احترام حقوق الآخرين والانضباط للقانون من ناحية والخصوصيات العامة للمجتمع كيفما سطرتها توطئة دستور الجمهورية الثانية ومبادئه العامة.وقد جاء النص المقترح مؤسسا على اعتماد حرية الأفراد في اختيار نظام الميراث الذي يفضلون الخضوع إليه .و إن هذا القانون يرمي بالفعل إلى ترك الاختيار متاحا لأيّ فرد من الورثة الذي يفضل اعتماد النظام الحالي لتقسيم المواريث أن يبقى في إطاره وغاية ما في الأمر أنّ عليهم أن يختاروا ذلك اختيارا.أما من لا يريد أن يخضع إلى تقسيم كهذا فإنه يقع في شأنه إعمال مبدأ المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة كلما تساووا في الوضعيات أي إذا ما تساووا في درجة القرابة الدموية مع المورّث . وهكذا يكون هذا النظام متوازنا و محترما لمقتضيات الدستور الجديد من حيث أنه يخيّر الناس في النظام الذي يرومون الخضوع إليه وبصفة احتياطية عند عدم الاختيار أو عدم الاتفاق فإن المبدأ الدستوري يكون محترما من حيث اعتماد خيار المساواة بين المرأة والرجل.ولو دخل مقترح النص التشريعي حسب مصادرنا حيّز التنفيذ فإننا نكون قد احترمنا في ذات الوقت حرية الأفراد في تحديد ملامح علاقاتهم الاجتماعية والعائلية وهم عارفون أن الدولة لو تمّ الإلتجاء إلى قضائها لضمنت للجميع المساواة أمام القانون عند تساويهم في الوضعيات وهو تكريس لروح الدستور ولمنطوقه. وترى المبادرة أن على الجمهورية الثانية القائمة على مبادئ المواطنة والمساواة أن لا تميز بين مواطنيها بل تعاملهم إن اختاروا تحكيمها معاملة المساواة في الحقوق والتكافؤ في الفرص. وتضرب المبادرة مثلا بنظام الزكاة أو منظومة مناسك الحج وغيرهما من الواجبات الدينية التي يكون فيها الأفراد أحرار في القيام بها ولا مانع لهم في ذلك والدولة لا تتدخل لتفرض عليهم إتيانها أو إتباعها بل تضمن لهم القيام بها متى شاؤوا دون أي حظر أو تهديد أو تضيق.
 
 

 

التعليقات

علِّق