تعليمنا كارثة والمسؤولون يواصلون سباتهم العميق

تعليمنا كارثة  والمسؤولون يواصلون سباتهم العميق

الحصري - مقال رأي

في برنامج  " كلام الناس "  لسهرة البارحة جاءت رئيسة جمعية تعنى بمتابعة مستوى التعليم عندنا وعند غيرنا  وأعطت أرقاما  ومعطيات بدت للبعض أنها مفزعة  ولا حديث هذا الصباح إلا عن هذه  " الكارثة " التي يحاول البعض أن يوهم نفسه أنها نزلت على رؤوسنا اليوم فقط . هذه الكارثة وهي تحديدا تدني مستوى تعليمنا منذ حوالي 20 سنة على الأقل معروفة ومعلومة وقد كنّا في صحف أخرى من بين القلائل الذين نبّهوا إلى هذا الأمر لكن ما من أحد من المسؤولين الفاعلين كان يريد أن يسمع حتى لمجرّد أن يسمع ويعرف . ثم اتضح بعد ذلك أن المسألة مخطط كبير شارك فيه نظام بن علي  لضرب أهم سلاح يمكن لنا أن نجابه به الفقر والتخلف والمصائب وهو سلاح التعليم فكان أن انخرط نظام بن علي في تجربة كندية  أثبتت فشلها في كندا بالذات فتخلّى عنها الكنديون بعد بضع سنوات ... وأما نحن فما زلنا نعمل بها رغم مرور 4 سنوات على ما سمّي ظلما  " ثورة " .
 وتتمثل التجربة الكندية في أن يحفظ التلميذ ما يسمع بكل الوسائل ولا يهمّ إن كان يفهم ما يحفظ أو لا يفهم ... ثم تأتي بعد ذلك مرحلة الفهم . لذلك نجد أن التلاميذ عندنا في المرحلة الإبتدائية مثلا يقرؤون لك نصّا كاملا باللغة الفرنسية لكن إذا طلبت من أحدهم أن يشير بإصبعه إلى كلمة معينة موجودة في النص من الصعب جدا أن يفعل لأنه حفظ النص مثلما يحفظ الببغاء أي كلام .
 وبكل تأكيد لا يمكن لنا في هذه المساحة أن نأتي على كافة عيوب المنظومة التعليمية ومساوئها  لأن هذا يطول شرحه والحديث عنه . لكن الأكيد أيضا أنه لا يمكن إصلاح أي شيء في هذه البلاد ما لم يقع إصلاح المنظومة التعليمية في مراحلها الثلاث إصلاحا جذريا وجوهريا . ومن هنا إلى ذلك الوقت خسرنا 4 سنوات في ما لا يعني ولم نلاحظ أيّة إرادة لهذا الإصلاح ما عدا بضع كلمات قيلت هنا أو هناك .
وفي انتظار أن يتم الشروع في استشارة وطنية تشارك فيها كافة الأطراف المعنية بالشأن التربوي دعونا نذكّر بما قالتة  تلك المرأة في  " كلام الناس " إذ أكدت أن تونس تحتل المرتبة 60 من بين 65 بلدا يتم فيها تقييم مستوى التعليم وإننا ظللنا منذ سنة 2008 تقريبا نتأرجح بين المرتبة الأخيرة وخمس مراتب قبل الأخيرة . وقالت أيضا إن مستوى الطالب الذي يتخرج بعد 4 سنوات من الدراسة الجامعية ومعه شهادة الإجازة أو الأستاذية لا يتعدّى مستواه في الحقيقة مستوى تلميذ في الخامسة عشرة من عمره في اليابان  أو  شنغاي أو سنغقورة أو ألمانيا ... ولعل ما يفطر القلب أن تجربة أقيمت على 3400 تلميذ عندنا أعطيت لهم مسألة في الرياضيات لكن للأسف لم يتمكّن أي واحد منهم من حلّها ... وهذا ما أعطى أن نسبة الفهم عندنا صفر فاصل 80 ... بينما تصل هذه النسبة إلى حوالي 55 في المائة لدى تلاميذ سنغفورة  على سبيل المثال .
 وحتّى أختم سوف أعطي مثالا يلخّص كل شيء عن ضحالة مستوى التعليم عندنا منذ 20 سنة على الأقل  وأكرّر أننا نبّهنا إلى ذلك أكثر من مرّة وتعرّضنا عوض الإستماع  إلى ما نقول إلى المضايقات . ففي سنة 2007 طالعت تعبيرا كتابيا لأحد تلاميذ المرحلة الأساسية فكدت أندب وجهي . سألته لماذا يكتب هذه الكلمة بهذا الشكل ويرسم الهمزة بذلك الشكل  فقال إنه يكتب حسب ما علّموه ... وفي نفس الوقت طالعت كتابا قام بتأليفه معلّمو  تطبيق ومتفقدون تحت إشراف أساتذة في اللغة العربية ... وأقسم بالله كدت أنتحر من هول ما وجدت . فقد رصدت في الكتاب الذي كان عنوانه " قواعد اللغة العربية "  120 غلطة بالتمام والكمال ... ونشرت آنذاك موضوعا بإحدى صحف دار الصباح وطالبت بسحب الكتاب  الكارثة ... وكالعادة تعاملت وزارة التربية والمركز القومي البيداغوجي الذي طبع الكتاب مع الأمر كما يتعامل بائع " الهندي " مع نصبة  باع كل ما عليها ... و بما أن المسألة مسألة مصالح بين مؤلفي الكتاب وطابعيه وموزعيه وليست مسألة مصلحة الوطن تواصل تداول الكتاب  وفي السنة الموالية طبعوا منه نسخة جديدة معدّلة بعد إصلاح تلك الأخطاء ودون أن يعلموا أحدا . وقد أردت من خلال هذا المثال ودون التوغل في التفاصيل التي قد تغضب بعض الأطراف أن أعيد إلى الأذهان ذلك المثل القائل : " إذا كان رب البيت بالطبل ضاربا ..... " ؟. 
جمال المالكي

التعليقات

علِّق