تحقير المرأة يتواصل أمام صمت مريب من " الحقوقيين " وهياكل مهنة الصحافة
بالرغم من كل ما قيل وما سيقال حول " حقوق المرأة " في تونس ما زالت صورة المرأة للأسف الشديد سلبيّة جدّا على مختلف المستويات وأخص بالذكر هنا وسائل الإعلام التي ما زال بعضها يتعامل مع المرأة إما كديكور وإما بنوع كبير من التحقير.
ولعلّ ما أتاه نوفل الورتاني أوّل أمس في برنامج " ديما لاباس " خير دليل على أن الكلام والشعارات في واد والفعل الحقيقي الذي قد يعكس موقفا أو قناعة في واد آخر. فقد رأينا جميعا صورة مهينة ومشينة إلى أبعد الحدود عندما استضاف الورتاني عبد الرزاق الشابي ولعب معه " لعبة الميس " مثلما أطلق على تلك الفقرة حيث سخّر فتاتين جميلتين ( إحداهما ملكة جمال ) والثانية الحكمة في رياضة كرة القدم " سمر حسني " التي قامت الجامعة التونسية لكرة القدم بإيقاف نشاطها يوم أمس ودعتها إلى المثول أمام لجنة التأديب ...
وطلب منهما تناول المثلجات في حركة مستفزّة وفيها إيحاءات جنسية لا تخفى على أحد . وبالرغم من أنها " لعبة " مثلما قيل لنا فإنها قدّمت موقفا غريبا من المرأة وأظهرتها في ثوب " سلعة رخيصة " لا تصلح إلا لذلك الدور الوضيع الذي اختاره لها نوفل الورتاني وفريق إعداد البرنامج ... وللأسف الشديد انساقت الفتاتان وراء اللعبة التافهة ربّما دون إدراك منهما لما يحمل ذلك من رسائل سلبيةّ جدا لصورتهما وصورة المرأة التونسية عموما .
ومن خلال متابعتنا للكثير من البرامج التي يدّعي أصحابها أنها ترفيهيّة لاحظنا مليون مرّة أن الصورة التي تقدّم عن المرأة سلبيّة ومهينة دون أن يحرّك ذلك ساكنا من سواكن هياكل المهنة وأولها هيئة السمعي البصري " الهايكا " التي يبدو أنها ترى بعين واحدة أو بنصف عين وقد لا ترى شيئا في أحيان أخرى كثيرة . والأمر ذاته ينسحب على الجمعيات والمنظمات الحقوقية التي تقيم الدنيا ولا تقعدها عندما يتعلّق بتصريحات أو مواقف البعض على غرار ما فعله النائب العفّاس مؤخرا ... وطبعا هذا من حقّها في صورة المساس من قيمة المرأة وسمعتها والتحقير من شأنها مهما كان الطرف الذي يقوم بهذا الفعل. أما عندما يتعلّق الأمر ببعض البرامج على قنوات تلفزية أو إذاعية معيّنة فإننا لا نرى ذلك اللغط وذلك الصياح وذلك العويل من قبل هذه الهياكل وكأن الأمر يتعلّق بمرأة مختلفة عن تلك التي أساء إليها النائب المذكور.
وبالرغم من أن الفقرة المذكورة تم حذفها خلال إعادة البرنامج يوم أمس لسبب من الأسباب قد يكون مثلا لفت نظر من قبل " الهايكا " أو من قبل أيّة جهة فإن المحظور قد حصل وقد سبق السيف العذل. وهنا سوف يقال لنا مثل العادة " بيناتنا فلسة " أي لسنا مجبرين على متابعة هذه البرامج فأقول لا وألف مليون لا . فهذه البرامج تبثّ من خلال قنوات تخضع ( مبدئيّا على الأقل ) إلى تراخيص وإلى الحد الأدنى من القيم والثوابت وضوابط المهنة التي لا تفرّق بين قناة عمومية وقناة خاصة . وإذا سلّمنا بهذا القول فإننا سنترك الحبل على الغارب ونشرّع بأنفسنا للتطبيع مع التفاهة والسخافة وكل ما قد يسعى البعض إلى بثّه عمدا لتدمير ما تبقّى لهذا المجتمع ما مبادئ وقيم وأخلاق.
إن القول كالعادة " بيناتنا فلسة " مردود على أصحابه شكلا ومضمونا . فهذه القنوات يفترض أنها تقدّم مادة إعلامية لكافة الناس . والمادة الإعلامية تخضع إلى ضوابط معيّنة لا يمكن التسامح معها بدعوى أن القناة خاصة لأن الخصوصية لا تعني الفوضى ولا تعنى فسح المجال لبث السموم حتّى لو كان ذلك دون إدراك .
ويبقى في النهاية أمر مهمّ جدّا وهو ضمير من يقدّمون البرامج . فإما أن يكون حيّا وواعيا بأنه يقدّم ما ينفع الناس وإما أن يكون ميّتا فيقدّم ما يدمّر أخلاق الناس ومبادئ الناس ومكانة بعض الناس على غرار المرأة التونسية التي تبقى محترمة ومرموقة ولها مكانتها رغما عن أنوف بعض الناس .
ملاحظة : الصورة المرفقة مع المقال هي أقّل الصور تعاسة من بين الصور التي رأيناها وتناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي وما زالت إلى اليوم تتناقلها.
جمال المالكي
التعليقات
علِّق