تحالفات المكاتب المغلقة
بقلم صباح توجاني المديوني
يخطئ من يعتقد بان التحالفات التي تعقد بين الفينة والأخرى في الساحة السياسية المحلية نهائية، ذلك ان التقارب بين الأحزاب ليس مرده تشابه في المرجعية الفكرية او توحد على مستوى البرامج السياسية والرؤى والمواقف من القضايا الداخلية، انما دافعها القوي مجرد "استحباب" بين القيادات الحزبية، او لنقل انها بمثابة التجمع ضد الخصم الواحد دون التدقيق في خلفيات هذا الحزب اوذاك.
فقد فوجئ البعض بتصريحات الباجي قائد السبسي زعيم نداء تونس ورئيس الحكومة الأسبق والتي اكد من خلالها انه يقف وراء اقناع حركة النهضة بقبول المشاركة في الحوار مقابل تأمين خروج سلمي من الحكومة... وفي هذا القول الكثير من المبالغة والسعي الى اكتساب بطولة واهية وغير موجودة خاصة بعد سلسلة اللقاءات التي عقدها الشيخان سواء داخل ارض الوطن او خارجها ولم تفح ريحتها الحقيقية بعد...
ففي الوقت الذي مد فيه راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة يده مبسوطة لنداء تونس معلنا امكانية التحالف معه مستقبلا، وفي الوقت الذي تعمل فيه القيادات النهضوية على دراسة فرضيات توسيع تحالف الحركة ما قبل الإنتخابات المقبلة وما بعدها، انبرى الخصم السياسي يكيل التهم جزافا لمن كانوا في السلطة وتنازلوا عنها "لمصلحة البلاد" حتى يتخذ مكانا تحت الشمس يستظل به في المرحلة الإستباقية للمحطة الإنتخابية المقبلة بعد ان خفت صوته، وضاع بريقه، وسارت السفينة عكس رياحه.
وبين هذا وذاك، شاءت الجبهة الشعبية التي تعودت تغيير معطفها كلما ساءت الأحوال السياسية، ان تتراجع عن معارضتها الشرسة لحكومة المهدي جمعة، ويذكر انها كانت دعت في وقت سابق الى مقاطعة الحكومة الجديدة التي اعتبرتها "ترويكا ثالثة" و"رسكلة لحكومة العريض" معلنه ان الجبهة ستشكل معارضة شرسة للمهدي جمعة وفريقه الحكومي، وذلك حال اعلان جمعة عن تشكيلته من الكفاءات المستقلة. ولا احد يعلم كيف غيرت المعارضة موقفها بين يوم وليلة، الا ان بعض المصادر اشارت الى ان الجبهة وامام اقتناعها بخروجها عن السرب خاصة وان اغلب الأحزاب السياسية في تونس اعلنت مساندتها ودعمها للحكومة المستقلة، تسعى اليوم الى العودة الى المشهد السياسي المحلي عبر اتخاذ موقف اكثر موضوعية لا يقصيها من الساحة ولا يضعها في مأزق غير ذي جدوى مع حكومة جمعة.
والواضح ان كافة الأحزاب السياسية خارج السلطة اليوم، تعمل على عدة اصعدة ابرزها اعادة ترتيب اوراقها وشانها الداخلي وتعزيز قواعدها بما يضمن خوض الإنتخابات بجدار من حديد ومن ثمة التقارب مع من يساويها او يفوقها حجما من حيث حظوظ النجاح من اجل التموقع في الخارطة السياسية التي بصدد التشكل مرة اخرى بعد انخرام عقد الترويكا وزعزعة الإتحادات المعارضة التي لا شيئ يجمع بينها سوى وقوفها في وجه السلطة.
وعليه، فان قادم الأيام سيحمل في طياته تحالفات ستعقد في الكواليس ولكنها لن تصمد طويلا امام غول المصالح الحزبية لهذا الحزب او لذاك، ولن يفاجا الشعب بالصفقات الجديدة على غرابتها، اذ ان نخبتنا السياسية تعودت قرع الطبول وشحذ الهمم واتخاذ مواقف ثم العدول عنها والإقرار بعكسها بين لحظة واخرى،،،احتراما لتعهداتها ولكن نكثا لعهودها دون ادنى اكتراث بتململ قواعدها وانشقاق كوادرها.
التعليقات
علِّق