اي مستقبل لحوار الطرشان ؟

اي مستقبل لحوار الطرشان ؟
بقلم صباح توجاني المديوني
 
كما كان منتظرا تولى الحسين العباسي اللإعلان عن تعليق الحوار الوطني بعد استيفاء المهلة التي اقرها الرباعي الراعي للحوار لتمكين الأحزاب السياسية من تعميق التشاور فيما بينها وصلب مكاتبها التنفيذية في مسعى اخير لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين الذين بذلوا قصارى جهدهم من اجل اسقاط اخر امل للمتتبعين للشان المحلي المتفائلين بتوفق المشاركين في الخروج بحل يرضي جميع الأطراف ويضع نقطة النهاية لمسلسل الأزمة السياسية التي لا احد يعرف حلقته الأخيرة.
وكان الإختلاف في وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين المشاركين في الحوار قد بلغ اشده كامل نهار الأحد حيث واصلت احزاب المعارضة التمسك بمقترح ترشيح محمد الناصر وزير الشؤون الإجتماعية في عهدي الرئيسين بورقيبة وبن علي لمنصب رئاسة الحكومة الجديدة، وفي المقابل لم تقبل النهضة بهذا الترشيح واصرت على اقتراح السياسي المستقل احمد المستيري ليخلف علي العريض على راس حكومة الكفاءات المستقلة وفق ما تنص عليه بنود خارطة الطريق.
والواضح ان الأسباب الحقيقية لتعثر الحوار، حتى لا نقول فشله المبدئي، ليست هي المعلنة في وسائل الإعلام، وتتحمل وزرها كافة الأطياف السياسية سواء منها المشاركة في الحوار او المقاطعة له، لأن النخبة السياسية اثبتت مرة اخرى ان همها الوحيد هو اما التموقع في الخارطة السياسية الجديدة واقصاء الحزب الحاكم منها او التمسك بالسلطة الشرعية الى حين استكمال المسار التاسيسي.
ويرى المحللون السياسيون انه في ظل ما تبقى من عمر خارطة الطريق المحددة مسبقا ب3 اسابيع والتي ضاع منها قرابة الأسبوعين في تجاذب وجدل عقيم، وامام ما تروج من اخبار عن احتدام النزاع بين حكومة الترويكا وحليفها حزب التكتل وبمساندة الحزب الجمهوري المعارض الذي يتمسك هو ايضا بترشيح احمد المستيري، لا احد بمقدوره الحديث عن تقدم في الحوار الوطني بالرغم مما سجله من خطوات ايجابية.
ولعل ما يحسب للحوار الوطني انه امتص غضب الأحزاب السياسية وخفف من الإحتقان الشعبي في ظرف دقيق مرت به البلاد اثر اغتيال السياسي المعارض محمد البراهمي يوم 25  جويلية الماضي يومين قبل مقتل ثمانية جنود دفعة واحدة على ايدي المجموعات الإرهابية المسلحة. كما تبرز ايجابيات الحوار الذي لم ينجح الى اليوم، في جمعه للفرقاء السياسيين " ألأعداء" على طاولة واحدة بعد مجهودات جبارة من الرباعي الراعي للحوار واساسا من اتحاد الشغل الذي يقوده.
والحقيقة ان معطيات عديدة هي التي عطلت الحوار الى جانب تعنت الفرقاء وتشبث كل طرف منهم بمواقفه وتصدع جبهة المعارضة باصطفاف الحزب الجمهوري احد الأضلاع الثلاثة الرئيسية لجبهة الإنقاذ وخروجه من صف المعارضة بمساندته للترويكا في ترشيحها للديمقراطي احمد المستيري.
والواضح ان جلوس " الإخوة الأعداء" الى نفس طاولة الحوار، لم ينجح في اذابة الجليد بين الشقين المتنازعين، ولم يساهم في عودة الثقة بينهم، كما لم يثمر عودة امل التونسيين في نخبته السياسية التي سارت في الإتجاه المعاكس لأمال الشعب المتشوق الى توافق الأحزاب المتصارعة منذ الثورة.
ومما يعمق جراح التونسيين ان المسار التاسيسي الذي كان من المنتظر ان يسير على نهج التوافق لم يحقق نتائجه المرجوة حيث طغت على اعمال المجلس التاسيسي المشاحنات والتجاذبات بين الكتل النيابية بالرغم من عودة اعضاءه المنسحبين وعزم الجميع على الإنتهاء من صياغة الدستور وتشكيل الهيئة المستقلة للإنتخابات.
فالمسار الحكومي الذي تعطل امس، حمل وراءه فشل المسار التاسيسي مما جعل الصدمة الحاصلة لدى اغلبية التونسيين مضاعفة وقلل بالتالي من حظوظ نجاح الحوار الوطني ككل باعتبار تلازم المسارين التاسيسي والحكومي...فشل يجر فشلا... ولا احد بامكانه اعادة قاطرة الحوار الوطني الى السكة الصحيحة خاصة في ظل اختلاف الرؤوى السياسية وتعدد النوايا العلنية والسرية، وتمسك كل طرف بما يراه صالحا للفترة المقبلة، من ذلك ان السياسي المعارض حمة الهمامي تفتقت قريحته عن مقترح استغربه الجميع حول ترشيحه لحسين العباسي في منصب رئيس للحكومة الجديدة...
الترشيحات لا تزال تتهاطل على الرباعي الراعي للحوار منها ما هو رسمي كترشيح عبد الكريم الزبيدي الذي كان وزيرا للدفاع في حكومتي الباجي قائد السبسي وحمادي الجبالي، بعد ان كان وزيرا للصحة في عهد الرئيس بن علي، الا ان الزبيدي تحفظ على رايه، فيما اشارت بعض المصادر الى انه رفض تقلد منصب رئاسة الحكومة في ظل وجود المنصف المرزوقي في منصب رئاسة الجمهورية.
ويتساءل المتتبعون للشان المحلي ان كان تعثر الحوار بهذه الطريقة يخدم مصالح حكومة علي العريض الذي بامكانه البقاء في منصبه مالم يقع التوافق بخصوص شخصية مستقلة لخلافته.
وبالتوازي مع انحسار افق نجاح الحوار، نشطت سوق الإشاعات من جديد فرشحت اسماء لا علاقة لها بالساحة السياسية او انتمت في وقت من الأوقات الى حزب التجمع الدستوري الديمقراطي  المنحل، حزب الرئيس بن علي،  فيما ذكرت بعض المصادر الإعلامية انه وجب الرجوع الى قائمة الكفاءات الوطنية التكنوكراط التي اثبتت نجاعتها في انقاذ اٌتصاد المحلي او من ذوي الخبرات في المجال الأمني باعتبار دقة المرحلة التي تمر بها البلاد وما تعانيه من ويلات انتشار الإرهاب.
ومما لاحظ عودة التجمعيين الى الساحة السياسية بقوة فارضين رايهم ومتجاوزين عداء الشعب لهم بالنظر الى تورط البعض منهم في ملفات فساد. الا ان تشكيل جبهات من احزاب دستورية ترتكز على الفكر البورقيبي جعل انظار الأحزاب السياسية الكبرى تتسابق في خطب ودهم اعتقادا منها ان لديهم الخبرة الكافية في ادارة الشان المحلي.
ولا يستبعد المختصون في استقراء الساحة السياسية ان تلجأ الأحزاب ذات القاعدة الجماهيرية العريضة الى مزيد اطالة عمر الحوار الوطني بعد انعاشه بجرعة امل جديدة، في محاولة لربح الوقت والتمسك بالسلطة اكثر فاكثر او النجاح في تقليم اظافر النهضة استعدادا لإقصاءها من المشهد السياسي وتكبيدها خسائر جسيمة في مستوى القاعدة الإنتخابية.
وبين طامع في منصب سياسي او راغب في التموقع في الخارطة السياسية،  وبين ساع الى اخراج حركة النهضة وحلفائها  من السلطة التي وصلتها بطريقة شرعية، تتواصل معاناة التونسيين من تواصل الأزمة السياسية واٌتصادية والأمنية بما يهدد الإستقرار العام ويطفئ كل بارقة امل تظهر في الأفق.
والسؤال المطروح اليوم بكل شدة وبحرقة لا يعرف قسوتها الا التونسيون و لا احد يملك الإجابة الشافية عليه : هل تسعى نخبتنا السياسية الى الحوار ام تقود البلاد الى الإنهيار ؟؟؟؟
 
 
 

التعليقات

علِّق