انطلقت ولا يجب أن تتوقّف : نريدها حربا على كافة أنواع الفساد وليس حربا بين " لوبيّات " الفساد

انطلقت ولا يجب أن تتوقّف : نريدها حربا على  كافة أنواع الفساد وليس حربا بين " لوبيّات " الفساد

 

قد  تكون هذه أول مرّة يتّفق فيها التونسيون أو لنقل الأغلبية الساحقة منهم على الأقل على أمر واحد وهو الحرب التي بدأ رئيس الحكومة يوسف الشاهد في شنّها على الفساد الذي نخر الجسد الكامل للبلاد أو يكاد . ولعلّ سبب هذا الإجماع أن هذا السرطان الذي طال كافة الميادين في البلاد لم يسلم من أضراره أحد تقريبا . ولعلّ من أسباب الإجماع أيضا أن هذه الحرب جاءت تقريبا " في الوقت الضائع " أي في الوقت الذي كاد الناس جميعا يرفعون  الراية البيضاء أمام الفساد أمام عجز تام وغريب لكافة حكومات ما بعد 14 جانفي عن مقاومته أو حتّى إظهار رغبة حقيقية في المقاومة .
الآن وقد انطلقت الحرب وبدأ البعض من  الرؤوس التي تحدّث  عنها الحجّاج بن يوسف تسقط  لابدّ من الإشارة إلى أن هذه الحرب جمعت هذه المرّة اليمين واليسار والوسط وحتّى من عرفوا بأكثر المواقف صلابة ومعارضة للحكومة . إلّا أن بعض الأطراف  قالتها بكل وضوح إن مساندتها للشاهد وحكومته في هذه الحرب ليس  لها إلا شرط واحد وهو الإستمرار فيها حتى آخر لحظة .  ويبدو أن في هذا " الشرط " جزءا كبيرا من الصواب
. فالحرب التي يرجوها التونسيون اليوم  يجب أن تشمل  كافة الفاسدين وكافة مواقع الفساد في السياسة والبرلمان والإدارة والمؤسسات الوطنية الكبرى وأهمّها الصحة والنقل ... والإعلام  والأمن والديوانة  والقضاء والمحاماة  والرياضة ... وغير ذلك من أماكن ومواقع عشش فيها الفساد . وإذا كانت الحيتان  الكبيرة  ( في مختلف المواقع ) خطيرة  على البلاد والعباد فإن هناك ما أخطر منها ويجب أن تشمله أيضا هذه الحرب ونقصد طبعا البعض من النوّاب الذين اختارهم الشعب وحمّلهم أمانة الدفاع عن مصالحه وحقوقه فخذلوه وخانوا الأمانة ولم يحاسبهم أحد . ولئن كان من طبع الفاسدين أن يكونوا خارج مواثيق الشرف والأمانة وكافة القيم التي تبنى ولا تهدم فإن هؤلاء النواب  أخطر من الفاسدين لأنّهم أقسموا اليمين على مراعاة الله والوطن وعلى حفظ الأمانة لكنّهم لم يراعوا الله والوطن وخانوا الأمانة . وبما أنه لم يعد لهم لا عهد ولا ميثاق فقد انتصبوا  في مجلس الشعب مدافعين عن الفساد من خلال التشريع  للقوانين التي تحمي الفاسدين وتمكّنهم من فرص أوفر لامتصاص أكبر قدر ممكن من دماء هذا الشعب وموارده وخيراته .
ولعلّنا لسنا في حاجة إلى أدلّة تثبت فساد هؤلاء النواب  ( مع الحرص دائما على القول بعض النواب ولا نقصد طبعا كلهم ) . ولا شكّ أن قانون " من أين لك هذا " يجب أن يشمل الجميع حتى يعرف الشعب كيف يدخل نوابه إلى المجلس وكيف يخرجون منه .
وفي انتظار أن تستكمل الحكومة والأطراف المعنيّة ما بدأت في هذا المسار الشاق بدأت بعض الأسئلة تطرح لدى العديد من الأطراف . ولعلّ أهم تلك الأسئلة : هل توقّفت الحملة وتم الإكتفاء بالأسماء التي أوقفت ؟. إذا كان الأمر كذلك فهل إن هؤلاء فقط يمثّلون إمبراطورية الفساد في البلاد وهل إن إيقافهم سيقضي نهائيا على الفساد ؟. هل تصحّ تخمينات لعض الأطراف التي بدأت تقول إن هذه الحملة انتقائية تستهدف أطرافا دون أطراف أخرى ؟. في هذه الحالة هل تصحّ أيضا تخمينات أطراف أخرى  قالت إن هذه الحملة ستقوم بإضعاف شقّ  بضعة شقوق للفساد وفي المقابل  ستنتفع لوبيّات أخرى معروفة من هذا الضعف  فتقوى أكثر فأكثر وقد تتعالى حتى على الدولة ذاتها ؟. هل إن هذه الحرب هي فعلا حرب الحكومة على الفساد أم حرب  لوبيّات وتصفية حسابات بأدوات الحكومة ؟.
إن على الحكومة أن تجيب اليوم عن كمّ هائل من الأسئلة والاستفهامات وأن تزيح الكثير من الغموض خاصة أن السواد الأعظم من الناس يساندون خطوتها  بشرط أن تكون حربا شاملة لا رجعة فيها ... ولا تفرّق بين فاسد وفاسد إلا بدرجة الخطورة في الفساد . كما أن على الحكومة ورئاسة الجمهورية أن تفهما الرسالة التي وجهها الشعب إليهما ومفادها أنه لا يمكن مساندة حكومة تحارب الفساد ورئاسة تحاول تمرير قانون " يحمي الفساد " قي ذات الوقت . فإما الحرب دون هوادة وإما  أن يقتنع هذا الشعب نهائيا بأن الفساد آفة ستظلّ تلازمه أبد الدهر .
جمال المالكي

التعليقات

علِّق