الى متى ستتواصل حالة "الانكار التاريخي" ؟

 الى متى ستتواصل حالة "الانكار التاريخي" ؟

باحداثيات مغايرة تماما على ما درج عليه "كتبة محاكم التاريخ" les greffiers de l’histoire من تأريخ لسيرورة الأحداث وفق «لائحة اتهام» منتصري الأمس، وبغاية إعادة استنطاق ما تم التستر عنه لأمد طويل، ارتأينا خوض مجازفة المساءلة عن مرحلة عرفت مفرداتها أعلى مستويات المخاتلة الرسمية الممنهجة.

1 - - بالقرائن  :
بين "قرطاج" "ومملكة نوميديا" حساب مفتوح لم يٌسدّد بعد، تلفّه مساحات استفهامية كبري، أبرزها :
ألم تسبق مدينة "أوتيك" "قرطاج" بأكثر من قرنين كمستعمرة فينيقية ؟ لما لم يتم الاشتغال البحثى عن هذه الحقبة التاريخية من خلال تسليط الضوء حول الأدوار الجيوسياسية المؤثرة التي لعبتها مدينة "أوتيك" فى سطوع نجم "قرطاج" كقوة متوسطية كبرى فيما بعد ؟

ألا تٌشكّل "أوتيك" و"قرطاج" أولي مراكز النفوذ "الفينيقية" في غرب المتوسط ؟ ألم تتحول "قرطاج" إلي أداة للتمدد الجيو-استراتيجى "للفينيقيين" بعد أن ضعف مجال نفوذهم التقليدي في شرق المتوسط ؟
ألم تتحالف "قرطاج" مع "روما" في بدايات تأسيسها لدرء خطر "الإغريق" ؟ لماذا تم حجب هذه المعطيات من الكتب والمقرّرات التربوية ؟

كيف يتسنّى لنا فهم المنظومات الاجتماعية والعقائدية القرطاجنية من خارج الإرث الثقافي "لفينيقيا" الأم ؟
ألم تتحوّل "قرطاج" مباشرة بعد سقوط عاصمة الفينيقيين "صور" سنة 734 ق-م إلي الوريثة الشرعية لفينيقيا في غرب المتوسط ؟ لما لم يتم التأشير على ذلك من قبل "كتبة محاكم التاريخ" ؟

من كان خلف إنقاذ المركب القرطاجني من الغرق المحقق إبان الحرب "البونيقية الأولي" ؟ هل كانت حصرا حربا "بونيقية" ؟ الم تساهم "الممالك النوميدية" بشقيها الشرقي والغربي في صنع مجد "قرطاج"؟
ألم تّوظّف "قرطاج" العنصر البشري المحلي "النوميدى" لتحقيق سياساتها التوسعية بالمتوسط ؟

ألم تتعامل "قرطاج" مع مختلف قادة "النوميديين" وفق استراتيجية "فرق تسد" ؟
ألم يكن ملك نوميديا "قايا" أب القائد "ماسينيسا" حليفا لقرطاج قبل ان تتخلي عنه لصالح ملك "نوميديا" الغربية "سيفاكس" ؟

ألم تضم "قرطاج" أراضي "نوميديا" بالغصب وبتواطؤ من الملك "سيفاكس" ؟ ألم تتحول على هذا النحو في الوجدان الجمعي "النوميدي" إلي قوة غاصبة وجب محاربتها ؟
ما هي إسهامات "قرطاج" الكبري في تطوير العمق "النوميدي" الممتد من غرب الجزائر إلي سهول "سرت" الليبية ؟ ألم تقارب الصفر مقارنة بما خلفته "روما" من معمار وإنشاءات تحتية كبري ؟

ألا ينتج المزارع "النوميدي" شتى المنتجات الفلاحية ليستفيد منها سماسرة "قرطاج" في تجارتهم البحرية الواسعة؟
ألم يكن عماد الجيش القرطاجني على مرّ التاريخ متشكّل من محاربي "الممالك النوميدية" المعروفين بقدراتهم القتالية العالية ؟

من سمح بصنع ملحمة "حنبعل" بعبور جبال "الألب" ودق أبواب "روما" ؟ ألم يكن "مهر بعل" المعلم الأكبر لحنبعل النوميدي الأصل ؟
لماذا يتم إيهامنا باستمرار بأن سقوط مدينة "جامة" خطيئة كبري، توقف إثرها نبض المنطقة عن الخفقان والفعل التاريخي ؟

ألم تٌعبّد معركة "جامة" الطريق لتوحيد "نوميديا" على يد القائد "ماسينيسا" ؟
من أسقط جيوش "حنبعل" بمعركة "جامة" ؟ "شيبيون الافريقي" وفق رواية "كتبة محاكم التاريخ" أم جيش "ماسينيسا" النوميدي وفق المصادر التاريخية الموثوقة والمٌغيّبة ؟

ألا يرمز اسم "حنبعل" إلي آلهة الخصوبة لدي "الكنعانيين" ؟ الم يقضى "حنبعل" أكثر من 35 سنة من حياته في شبه الجزيرة الايبرية (اسبانيا حاليا)؟ بمن تزوج ؟ ألم يفر إلى المشرق أرض أجداده الفينيقيين ؟
ما سرّ قرار "روما" بحرق "قرطاج" ؟ شبح "حنبعل" أم كابوس "ماسينيسا" الرافع لشعار "افريقيا للأفارقة" l’Afrique aux africains؟

لماذا يوصف اصطفافه إلي جانب "روما" بالخيانة ؟ خيانة من بالتحديد ؟ لماذا لا تقرأ كشكل من أشكال البراغماتية السياسية لقائد ورجل دولة عرف جيدا كيف يستفيد من المحاور والأحلاف في ظل موازين قوى مختلة ؟ ألم تعرف "نوميديا الموحدة" في عصره نهضة حقيقية شاملة ؟

2 - - بالقياس:
هل تبرأ الفرنسيون والألمان يوما من أصولهما "الغالية "Galloise " و "الجرمانية" Germanique الموغلة في البدائية ؟
هل تخلى اليونانيون عن ارثهم "الهيليني" ؟
لماذا ظل "الاسكندر الأكبر" تاجا لا ينزع من الذاكرة الجمعية للغرب في حين يمحى "ماسينيسا" بمنتهى البساطة بممحاة "كتبة محاكم التاريخ" الذين اختزلوا أمجادنا وملاحمنا القديمة في حدود وتخوم مدينة "قرطاج" ؟
 

3 - - بالنهاية :
متى نتحرر من صنم "قرطاج" بتمثّل جميع الروافد المتجذرة والوافدة على بلادنا دون مفاضلة أو انتقائية موجّهة ؟
كيف يمكن لهوية تونسية مركبة أن تصمد دون هوية قاعدية ؟ ألا تسقط في أول إعصار ايديولوجي هووي أو سياسوى مقيت ؟
ألا تتمظهر "متلازمة قرطاج" و"عقدة ماسينيسا" في الصراع الخفي والمعلن الدائر اليوم بين المركز والمحيط  ؟ ألا تساعدنا على الكشف عن سلوكاتنا الفصامية الراهنة  ؟
فى الختام، إلى متى ستستمر حالة الإنكار والعقوق التاريخي ؟

بقلم : محجوب لطفى بالهادي

( متخصص في التفكير الاستراتيجي) 

التعليقات

علِّق