الهوية الثقافية لمورسكيي تونس : كتاب جديد للزميل منذر شريّط يبحث في هويّة " مطرودين من إسبانيا " قبل قرون

الهوية الثقافية لمورسكيي  تونس : كتاب جديد للزميل منذر شريّط  يبحث في هويّة " مطرودين من إسبانيا  " قبل قرون

المنذر شريّط  هو في الأساس  صحافي نال  الأستاذية في الصحافة وعلوم الإخبار سنة 1991 . وإلى جانب العمل الصحفي فقد استبدّ به  شغف البحث في ثنايا التاريخ فاختار أن يغوص في تلك الثنايا فكان أن حصل ( من الناحية الأكاديمية ) على شهادة الماجستير بملاحظة حسن جدا في اختصاص تاريخ متوسطي وتراث  سنة  2012...  له مشاركات عديدة في كتب جماعية صادرة عن مؤسسة التميمي للدراسات والبحوث ضمن اهتمامات الثورة : الثورة التونسية 17 - 14 جانفي ...لعلّ أهمّها ( قبل هذا الكتاب ) تونس ثورة خارج الوصاية ( كتاب جماعي ) كان مثلما يقول عنه هو "   باكورة الارتماء في عالم الكتابة السردية ضمن أول كتاب جماعي ...".

وبما أن " حبّه الأول " ( أي الصحافة ) لا ينقطع   فهو اليوم رئيس مصلحة الإعلام والاتصال والميلتيميديا  بمؤسسة وطنية .

يقول مؤلف  كتاب " الهوية الثقافية لمورسكيي  تونس "  في تقديم  هذا الأثر المهم الذي يضاف إلى المراجع الموجودة :

 

تبوّأت مسألة الموريسكيين مكانة هامة في اهتمامات المؤرخين والباحثين إثر  وجود  هذه الإثنية ذات الأغلبية المسلمة الممزوجة بأقلية يهودية في المدن الإسبانية التي أقاموا بها منذ وصول العرب إلى هذا البلد الأوربي في بداية القرن الثامن للميلاد حتى طردهم منه قبل أربعمائة سنة أي بعد بقائهم به لأكثر من سبعة قرون.

ولم يكن هذا المصير بالأمر الهين الذي يسهل تجاوزه ذلك أن الموريسكيين بعد الطرد الجماعي (بين عامي 1018ﮪ /1609م وسنة 1023ﮪ/1614م) لم يبق منهم باعتبارهم أمّة لها هويتها لغةً وحضارةً ودينًا أيّ أثر في أيّ جزء من أجزاء شبه الجزيرة الإيبيرية. لكن  وحسب  الباحث زهير تغلات  فإنه " إذا أمعنّا النظر في الكيفية التي أحيت بها الأوساط الأكاديمية والثقافية العربية ذكرى الطرد  لتوقفنا عند مبادرات قليلة ومحتشمة لا تليق بهذا الحدث الخطر والخطير".

* الهوية الثقافية لمورسكيي  تونس

يمثل موضوع "ا لهوية الثقافية لمورسكيي تونس من خلال المجلة التاريخية المغاربية " الذي نقدمه هنا جزءا من الأبحاث التي تتموقع إيبستيمولوجيا ضمن سؤال المعرفة والخطاب التاريخيين. ولقد  تمّ الاختيار على "المجلة التاريخية المغاربية " لأقتطع منها عينة من المقالات والبحوث لإجراء هذا العمل المتمثل في قراءة في خطاب بعض المؤرخين للهوية الثقافية الموريسكية بتونس عبر أعداد هذه المجلة المختصة.

وقد نشأت في البداية تحت عنوان " المجلة التاريخية المغربية " ليتم في مفتتح سنة 1992 تعديله كي تحمل صفة " المغاربية " تمشيا مع العنوان الفرنسي للدورية وكذلك استجابة للمتغيرات السياسية السريعة على ساحة إعلامنا المغاربي  مثلما يفسر الأمر آنذاك الدكتور التميمي . كما يتنزل هذا العمل من جهة أخرى ضمن متابعة مسار البحث التاريخي في بلادنا وجامعاتنا. فقد عرف البحث التاريخي المؤسسي في تونس ثلاث مراحل شهد خلالها تحولا كبيرا . جاءت الأولى خلال الستينات مع إنشاء مركز الدراسات والأبحاث الاقتصادية والاجتماعية  الذي كان تأسيسه عملا أصيلا وفريدا من نوعه في العالم العربي  ليضم أكثر من ثلاثين باحثا متفرغا وأكثر من ستين باحثا بين مشارك ومتعاقد. ثم جاءت المرحلة الثانية حينما نشأ داخله منذ سنة 1973 فرعان للتاريخ هما قسم الدراسات التاريخية المغربية وقسم تاريخ الحركة الوطنية في نفس الفترة التي بدأ فيها الأستاذ التميمي عام 1974 بإصدار المجلة التاريخية المغربية .  ثم أصبح ينظم في مطلع الثمانينات مؤتمرات عالمية حول التاريخ العثماني والموريسكي.

أما المرحلة الثالثة فقد انطلقت عام 1985  حين بعث الأستاذ التميمي بمدينة زغوان مؤسسة بحثية خاصة سماها في البداية "مركز الدراسات والبحوث العثمانية والموريسكية والتوثيق والمعلومات" (سيرمدي) قبل أن تتحول عام 1995 إلى "مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات".

* إنصاف مجلة أكاديمية

مضت مسيرة مؤسسة التميمي وسط صمت يكاد يكون مطبقا. فقد جاء التعتيم الإعلامي على نشوء مركز "سيرمدي" المذكور وإحدى دورياته "المجلة التاريخية المغاربية" مؤشرا جديا على ذلك. نلمس هذا التجاهل عندما يتجاوز المؤرخ التونسي مصطفى كريم عدم الإشارة لهذه " المجلة الوحيدة منذ إصدارها التي عملت على نشر مجموعات كاملة من الدراسات والمصادر والوثائق" كما يصفها مؤسسها ومديرها إلى اليوم  الدكتور عبد الجليل التميمي  مضيفا في نفس افتتاحية العدد الصادر بمناسبة عشرينية الصدور لهذه المجلة أنها " بفضل مستواها الأكاديمي وانتظام صدورها تُعدّ اليوم أداة عمل مرجعية  لا غنى لأيّ أحد عنها. فهي تنشر ليس فقط بالعربية والفرنسية والإنجليزية بل أيضا بالإسبانية والألمانية. وتُعدّ اليوم  على المستوى الدولي  كأحد المخابر الفاعلة والمجددة للدراسات الإنسانية عن المغرب العربي في العهدين الحديث والمعاصر.

ووعيا مني بهذا النقص الذي سنعود له بأكثر تفاصيل ضمن باب التعريف بالدورية  وأيضا بعد التأكد من أنّ هذه الدورية لم تنل حظها من البحوث الجامعية المونوغرافية أوفي مجال تحليل المضمون بالمعاهد المختصة (معهد التوثيق - معهد الصحافة وعلوم الإخبار...)  كما تسولت بعض المبادئ النظرية في علوم الاتصال وأيضا القليل من المنهجيات في تحليل الخطاب التاريخي.. كما تولّد الاهتمام لدي بالمسألة الموريسكية ومن بعد ذلك الهوية الثقافية للموريسكيين التونسيين.

*استيطان الموريسكيين بتونس

تجسّم التعاون بين الفئة الحاكمة التركية والأندلسيين في عملية تمركزهم واستيطانهم في دواخل البلاد في منطقة الشمال الشرقي من البلاد التونسية. فلهذه العملية أكثر من دلالة سياسية  إذ تعتبر المنطقة التي ركزوا فيها أثرى منطقة على الإطلاق في البلاد التونسية. ولم تكن عملية توزعهم في هذه الأماكن عفوية أو تلقائية تماما  بالرغم مما تفيد به المصادر التي ترى أنّه تُرك لهم الخيار في الاستقرار حيثما شاؤوا. وكان استقرارهم في أماكن آهلة بالسكان . وكان أحيانا على حساب هؤلاء. كما يُستنتج من وثيقة ترجع إلى عهد حمودة باشا الحسيني (1782-1814) وتكشف عن صراع قائم بين الأهالي الأصليين لبلدة  مجاز الباب والأندلسيين الذين جاؤوا واستقروا هناك. وخضعت عملية تركيز الأندلسيين في تلك المنطقة في واقع الأمر لإرادة سياسية واضحة  إذ كانت الفئة الحاكمة ترمي إلى جعلهم بمثابة الجسر للتوغل في دواخل البلاد  أي إلى الأماكن التي بقيت مستعصية عليها إلى حد ذلك التاريخ  بحيث يمكن القول إنّ الفئة التركية الحاكمة قد وظفت الأندلسيين أوّلا كوسيلة لبسط هيمنتها وتدعيم حضورها في دواخل البلاد  وثانيا كهدف للحصول على ريع جبائي وفائض إنتاج فلاحي من شأنه أن يسهم في تنشيط قطاع التجارة الخارجية.

وقد انعكس استقرار الأندلسيين ثم الموريسكيين في المستوى الوثائقي باعتباره حدثا تناقلته المخطوطات التي وضعها كبار رحالتهم وديبلوماسييهم وعلى رأس هؤلاء يأتي أحمد الحجري. وهنا يتلاقى السرد الروائي مع السرد التاريخي. فهناك روايات أو بالأحرى أخبار تاريخية نقلها مؤرخون فرنسيون على أنّ عدد الموريسكيين الذين هاجروا للإيالة التونسية هو الأكثر كثافة منه في بقية بلدان المغرب العربي. فرغم أنّ التميمي ينقل في ورقته المذكورة معلومات تقدم البلاد التونسية على أنها الأهم في استقبال أكبر أعداد الوافدين الأندلسيين ليكتب ما يفيد أنّ " الأغلبية الساحقة من الموريسكيين التجأت ولا شك إلى الفضاء الترابي المغاربي وفقا للجدولة المعروفة التالية: - ثمانون ألفا ( 80 ألفا ) التجؤوا إلى تونس  -  خمسون ألفا ( 50 ألفا) التجؤوا إلى المغرب الأقصى -  خمسة وعشرون ألفا (25 ألفا) التجؤوا إلى الجزائر".  وها إننا مع أحمد الحمروني نستعيد فقرات من نص مخطوط : " ناصر الدين على القوم الكافرين"  لنستعيد فصول استيطان الأندلسيين بالبلاد التونسية.

يكتب ابن أبي دينار في "المؤنس في أخبار إفريقية وتونس" منوّها بحفاوة عثمان داي وحكمته بأكثر تفصيل قائلا قول الشاهد الوحيد: "وفي هذه السنة (1016-1017ﮪ/1609م) جاءت (جماعة) الأندلس من بلاد النصارى  نفاهم صاحب إسبانيا  وكانوا خلقا كثيرا  فأوسع لهم عثمان داي في البلاد  وفرّق ضعفاءهم على الناس  وأذن لهم أن يعّمروا حيث شاؤوا  فاشتروا الهناشر  وبنوا فيها واتسعوا في البلاد  فعمرت بهم  واستوطنوا في عدة أماكن. ومن بلداتهم المشهورة سليمان وبلّي وقرنبالية وتركي والجديدة وزغوان وطبربة وقريش الواد ومجاز الباب والسلوقية وتستور  وهي أعظم بلداتهم وأحضرها  والعالية والقلعة (قلعة الأندلس) وغير ذلك  بحيث يكون عدّتها أزيد من عشرين بلدة  فصار لهم مدن عظيمة.

* الهوية الثقافية الموريسكية تحديدا  

تتمثل العيّنة المدروسة كما قلنا في مقالات من المجلة التاريخية المغاربية بأقلام مؤرخين تونسيين وأجانب متقابلة في ثنائيات تحكمها مرآتيّة نسبيّة تتعاكس فيها الرؤى حول مسائل محدّدة تنبع جميعها من سؤال الهوية : الهوية الثقافية الموريسكية تحديدا. تتشكل عينتنا من ستة أعداد من هذه الدورية هي على التوالي:

  1 -  العدد 120 لشهر أفريل 2005  متضمنة لورقة :" تأثيرات الموريسكيين – الأندلسيين في المجتمع المغاربي:إيالة تونس نموذجا"  (باللغة العربية) لعبد الجليل التميمي. 2 -  العدد المزدوج 89-90 لشهر ماي  1998  المتضمن لورقة: "الجن والسحر والخوف في مجتمع موريسكي: تستور"  (باللغة العربية) لأحمد الحمروني

3 -  العدد المزدوج 85-86 لشهر ماي 1997  متضمنا لورقة: "ملاحظات حول الوزن الديمغرافي والاقتصادي للمجموعة الأندلسية بزغوان في منتصف القرن التاسع عشر"  (باللغة العربية) لمحمد ضيف الله.

4 - العدد المزدوج 17-18 لشهر جانفي 1980 متضمنا لورقة: "وثائق جديدة حول الأندلسيين بتونس في بداية القرن الثامن عشر"  (باللغة الفرنسية) لمايكل دي إيبالثا.

5 -  العدد 9 بتاريخ 9 جويلية 1977  المتضمن لورقة: " نبذة تاريخية عن تستور" (باللغة العربية) لنيكولا هوبكنز.

6 - العدد 65-66 لسنة 1992  المتضمن لورقة "محاكم التفتيش والمرأة الموريسكية" (باللغة الفرنسية) للباحثة جان فيدال. مثّل البعد المنهجي الإشكالي المعيار الأول لاختيار العينة. فقد سعينا إلى البحث عن مقالات تستجيب بوضوح لروح إشكاليتنا المتعلقة بطرح مسألة الهوية الثقافية الموريسكية في خطاب المؤرخين المعاصرين من خلال نماذج هيستيوغرافية مقارنة. لذلك تمت مراجعة واختيار النماذج من المقالات المذكورة حسب توزيع متساو على ثلاثة مؤرخين تونسيين في مقابلة مع ثلاثة مؤرخين أجانب (فرنسية وإسباني وأمريكي). كما أننا تعمّدنا أن تكون المقارنة بين هذه النماذج الهيستيوغرافية ضمن مواضيع ومباحث متقاربة وتقبل المقارنة  إذ نجد اهتمامات مشتركة بين نص التميمي عن الموريسكيين الأندلسيين في المجتمع المغاربي وتلك الوثيقة الدسمة لمايكل إيبالثا حول هؤلاء الأندلسيين الوافدين على الإيالة التونسية في الإطار التاريخي المعقد لتلك الفترة. كذلك البحث الذي قدمه محمد ضيف الله حول مدينة زغوان ويعتمد توجهات في البحث والتحقيق الاجتماعي (الديمغرافي) والاقتصادي. لذلك فإنّ الذي قدّمه نيكولا هوبكنز عن مدينة تستور من منظور الدراسة الإثنوغرافية الميدانية (المتعمقة في الحياة اليومية سوسيولوجيا واقتصاديا) مع اختلاف نصف قرن من الزمن  يجعلهما متحاورين عن بعد. لقد سعى بحثنا إلى تفهّم جوهر الخطاب التاريخي حول الهوية الثقافية الموريسكية وآلياته الإخبارية حول تأثير الأندلسيين في الإيالة التونسية. وفي نفس السعي التفهمي  حاولنا تلمّس نقاط الالتقاء والتباين بين عمل مؤرخة فرنسية  هي جان فيدال حول مسألة بسيكوسوسيولوجية تتعلق بشعور الخوف والطقوس الدينية المنجرّة عنه بين مجموعتين موريسكيتين  تنتمي الأولى لمدينة غرناطة آخر معقل للموريسكيين في مواجهاتهم اليومية مع محاكم التفتيش والحرق والتعميد قبل طردهم النهائي من إسبانيا المسيحية  وبين عمل ثان  وهو لأحمد الحمروني  حول مدينة  تستور أهم المدن التي احتضنت هؤلاء الموريسكيين بعد تهجيرهم حيث بحثوا عن الأمان والاستقرار والممارسة الحرة لشعائرهم الدينية وحياتهم الطبيعية.

و لم تخْلُ مقاييسنا في اختيار العينة من خصائص مونوغرافية تتميز بها هذه العينة. فهناك نصوص تعتبر منارات داخل المتن العام للمجلة التاريخية المغاربية. فنص هوبكنز "نبذة تاريخية عن تستور" الذي جاء في لغة عربية سليمة  وأيضا ترجمة التميمي لورقة فيدال حول "محاكم التفتيش والمرأة الموريسكية" هما ورقتان هامتان أردنا بكل تواضع أن نحتفي بهما ونقدم إضافتنا حولهما في هذا العمل البحثي.

التعليقات

علِّق