النقابة المهنية لنواب التأمين : مشروع مراجعة مجلة التأمين تهديد مباشر لمستقبل مهنتنا

النقابة المهنية لنواب التأمين : مشروع مراجعة مجلة التأمين تهديد مباشر لمستقبل مهنتنا


نظمت  النقابة المهنية لنواب التأمين بالبلاد التونسية يوما إعلاميا  للنقاش وإبداء الرأي في ما يتعلق  بمشروع مراجعة مجلة التأمين الذي أعدته سلطة الإشراف وسيُحال على أنظار مجلس الوزراء ثم على أنظار مجلس نواب الشعب.   وتعتبر النقابة أن هذا المشروع  تضمن فصولا جديدة تعتبر مسّا من مصالح نواب التأمين وتهديدا مباشرا لمستقبلهم ومهنتهم .
ومنذ مدة أي منذ إعداد هذا المشروع بات  يعيش قطاع التأمين  حالة من التململ والغضب  لدى  "نوّاب التأمين" بكامل تراب الجمهورية البالغ عددهم نحو 1000 نائب . وكانت النقابة قد دخلت للغرض في مفاوضات مع الهيئة العامة للتأمين من أجل مراجعة بعض الفصول بما يتماشى مع مصلحة نائب التأمين وعبّرت عن رفضها لما ورد بهذا المشروع باعتباره سيمس من حقوق ومستقبل نواب التأمين .
وقد سبق للنقابة أن لوّحت بالقيام بتحركات احتجاجية مختلفة دفاعا عن حقوق نواب التأمين ومستقبل مهنتهم ولتبليغ درجة استيائهم. و حصلت النقابة في وقت سابق على تعهد من المدير العام للدراسات و التشريع بالهيئة العامة للتأمين لاتخاذ قرارات واضحة بشأن النقاط الخلافية المضمنة بمشروع قانون تنقيح مجلة التأمين قبل عرضه على مجلس الوزراء ثم على مجلس نواب الشعب.
وترى النقابة إن المشروع وقع إعداده بطريقة أحادية الجانب من قبل الهيئة العامة للتأمين دون استشارة أهل المهنة من نواب التامين  بناءً على دراسة أعدها مكتب دراسات أجنبي بتوصيات من البنك الدولي في إطار مخطط لإصلاح قطاع التأمين في تونس.
وتعتبر النقابة أن الدراسة تمت دون الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات قطاع التأمين في تونس ووضعية نواب التأمين والاقتصاد عمومًا والتوازنات الاجتماعية في البلاد. لذلك يطالب نواب التأمين بفتح باب الشراكة والحوار معهم وتشريكهم في مراجعة المشروع المذكور وإدخال التعديلات الضرورية عليه قبل عرضه على مجلس الوزراء وإلا سيكون مصيره الرفض بعد الدخول في تحركات احتجاجية واعتصام مفتوح أمام مقر الهيئة العامة للتأمين ومجلس نواب الشعب  وقد يصل الأمر  إلى حدّ الإضراب عن العمل.
وقد عرضت النقابة  ملاحظاتها ومآخذها على  حول مشروع مراجعة مجلة التأمين وفي ما يلي البعض من هذه الملاحظات  أو أهمها مثلما قدّمها رئيس النقابة عمر غزيّل:

أولا: في ما يتعلق بتحديد قائمة وسطاء التأمين

لئن تبدو قائمة موزعي عقود التأمين المحددة بالفصل 69 حصرية   فإنه بقراءة شاملة لمشروع المجلة  يتضح أن الفصل 257 يمثل امتدادا مفتوحا للفصل 69  إذ يشير إلى أنه بإمكان كل شركة تأمين الاتفاق مع مؤسسة خارجية لإنجاز بعض العمليات المرتبطة بنشاطها. و يضيف نفس الفصل أن شركة التأمين تبقى " في كل الحالات المسؤولة المباشرة عن العمليات المسندة  ولا يمكن معارضة الغير بخطأ أو تقصير ناجم عن تنفيذ الإتفاقية ".
أما الفصل 258 فقد بين في فقرته الثالثة أن عملية الإسناد يمكن أن تشمل "عدة عمليات لمؤسسة واحدة ".
وانطلاقا من ذلك  يتضح أن واضع المشروع قد تبنى نفس القواعد المتبعة في إنابة الوسطاء التقليديين وهو ما يحيلنا ضمنيا إلى تمديد للفصل 69 و بالتالي إلى إعادة توزيع أفقي للمادة المؤمنة دون أي تطوير لها علما بأن عمليات الإسناد الخارجي تتم من قبل مؤسسات غير متفرغة  على عكس ما هو مطلوب من وسطاء التأمين التقليديين ضمن الفصل 76 وهو ما يحد بصفة ملموسة من كفاءة هذه المؤسسات خاصة في ما يتعلق بخدمات ما بعد البيع.
وإضافة إلى ذلك فإن تدخل الهيئة في المصادقة على اتفاقيات الإسناد الخارجي تكاد تكون شكلية باعتبار ما ينص عليه الفصل 257 من أن "سكوت الهيئة بعد انقضاء شهرين من تاريخ موافاتها باتفاق الإسناد الخارجي يعتبر موافقَة على العملية " و أن "شروط الإتفاق بين الطرفين لا يمكن أن يحول دون ممارسة الهيئة لسلطة الرقابة على عمليات الإسناد الخارجي" وهي عمليات مراقبة لاحقة.
فبمفهوم الفصلين 257 و 258  يمكن اعتباريا لشركة تأمين أن تحيل كل محفظة عقودها في إطار عمليات الإسناد الخارجي  وهو ما يترك مجالا واسعا للتأويل و الالتفاف على النص.
واستنادا إلى ذلك يتضح انعدام الجدوى من إضافة الباب الخامس المتعلق بالإسناد الخارجي.


ثانيا: في ما يتعلق بتفرغ نواب التأمين لنشاط الوساطة
نلاحظ  أن الفصل 76 المتعلق بالموانع قد تمت إعادة كتابته دون تغيير جذري إلا في ما يتعلق بإضافة عبارة "على وجه التفرغ" وهي عبارة مبهمة تؤدي إلى تأويلات عدّة قد تجعل من نائب التأمين عرضة إلى التفسيرات الضيقة الخالية من كل موضوعية. فهل تعتبر ممارسة العمل الفني من الأعمال المتعارضة مع الوساطة في التأمين؟
ثالثا: في ما يتعلق بتدخل الهيئة في الشروط التعاقدية بين النواب و شركات التأمين
حدد الفصلان 77 و 78 من مشروع مراجعة مجلة التأمين الإطار القانوني لوكالة النائب حيث حدد الفصل 77 الإطار العام للوكالة ببيان  أنه " تخضع العلاقات بين نواب التأمين ... وشركات التأمين لأحكام مجلة الالتزامات والعقود وخاصة منها المتعلقة بالوكالة بأجر" في ما حدد الفصل 78 من المشروع الإطار الخاص للوكالة و بيّن خضوع العلاقات بين شركات التأمين ونواب التأمين لأحكام عقد تسمية نموذجي تُـــعّده الجامعة المهنية لشركات التأمين بعد التشاور مع الجمعية المهنية لنواب التأمين مع مصادقة الهيئة عليه.
غير أن نفس الفصل 78 أشار إلى  أن الهيئة تضبط " الآجال القصوى لإحالة نائب التأمين لكشف الحسابات وأوراق الخزينة ومبالغ الأقساط المقبوضة إلى الشركة أو الشركات الموكلة" " وهو ما يعتبر تداخلا من الهيكل التعديلي في شروط تعاقدية تتم بين الطرفين المتعاقدين: شركات التأمين و النواب في شخص ممثليهما حتى أن واضع المشروع قد بنى على هذا التداخل عقوبة ضمن الفصل 88-2.
رابعا: في ما يتعلق بالعقوبات
لقد سلط الفصل 75 من مشروع مراجعة مجلة التأمين عقوبة سحب الترخيص في صورة عدم اكتتاب أو تجديد عقد التأمين على المسؤولية المهنية من قبل النائب. والمعروف قانونا أنه في صورة عدم وجود مؤمن يحل محل المعني في التعويض الناتج عن خطئه فإن المسؤولية تكون شخصية. غير أن هذا الفصل قد ارتأى غير ذلك و كان من الأجدر التنصيص على التنبيه على المعني و اعتماد عقوبة أخفّ خاصة إذا سلمنا بأن نائب التأمين هو وكيل للشركة و لا يمثل الحريف إلا في حالات محددة و نادرة.
من ناحيتها نصت الفصول 88-2 - 88-7-  88-8 و 88-9 على عقوبات تتمثل في غرامات  تتراوح بين خمسة آلاف و ثلاثين ألف دينار وهي عقوبات لا تتناسب مع المخالفات المرتكبة  و هي غير متوازية حتى مع مخالفات أخرى. فعلى سبيل الذكر لا الحصر تتم معاقبة مخالفة "غياب عقد التأمين على المسؤولية المدنية المهنية" بسحب الترخيص في حين تعاقب مخالفة "رفض إرجاع المطبوعات والوثائق إلى شركة التأمين" بالغرامة .
ومن ناحيته أعطى الفصل 88-8 من مشروع مراجعة مجلة التأمين للهيئة إمكانية إيقاف نائب التأمين عن النشاط لمجرد الاشتباه به في جريمة تمس الشرف و النزاهة. هذه العقوبة و بغضّ الطرف عن نسبيّتها (تتخذ العقوبة حال علم الهيئة بالتتبع) و عن شططها في ما يتعلق بامتدادها الزمني (الإيقاف إلى حين البت النهائي في القضية) تتعارض كليا مع  الفصل الأول من المجلة الجزائية المتعلق بقرينة البراءة.
وما يمكن ملاحظته هو أن العقوبات المنصوص عليها بالفصول المذكورة مجحفة في حق النائب  و لا تتناسب مطلقا و خطورة المخالفات الممكن ارتكابها.
وإضافة إلى ذلك  فإن بعض العقوبات تتعلق أساسا بأخطاء تعاقدية  أي أنها تهم عقد التسمية بين النائب و شركة التأمين  و بالتالي فالأجدر إقحام هذه العقوبات بعقد التسمية حتى تحافظ على صبغتها التعاقدية  من ذلك مثلا مخالفة "عدم احترام آجال تحويل الأقساط المستخلصة لحساب شركة التأمين".
خامسا: في ما يتعلق برقابة الهيئة على الوسطاء و فتح المجال أمام المنافسة غير الشريفة
في قراءة شاملة لمشروع مراجعة مجلة التأمين نلاحظ أثرا قويا لرقابة الهيئة على الوسطاء التقليديين في ظل غياب شبه كلي لرقابة الهيئة  سواء على المؤسسات المكلفة بإبرام عقود التأمين أو على مؤسسات الإسناد الخارجي.
فقد حدد الفصل 82 جديد من المشروع الأشخاص الخاضعين لرقابة الهيئة  و من بينهم الأشخاص المشار إليهم بالفصل 69  في حين لم يرد أي ذكر للأشخاص المكلفين بالإسناد الخارجي تطبيقا للفصل 257 و ما تبعه.
وفي نفس الإطار فإن السلطات العقابية للهيئة المضمنة بالفصول  88-2و 88-7و88-8 و 88-9 لم تشمل الأشخاص المشار إليهم بالفقرة الرابعة من الفصل 69.
وهذه الوضعية لا تختلف عمّا هو سائد حاليا  و هي تخلّف حالة من المنافسة غير الشريفة خاصة من قبل المؤسسات البنكية و مؤسسات الإيجار المالي. فإذا اعتبرنا ما أتى به المشروع من توسيع لدائرة الوسطاء فكيف ستكون حالة المنافسة في غياب مقاربة شاملة للمراقبة و العقاب؟.
أولا: في ما يتعلق بمفهوم التأمين الصغير
عرّف الفصل الأول من مشروع مراجعة مجلة التأمين عقد التأمين الصغير بأنه " عقد التأمين الذي يتلاءم وحاجيات الفئات محدودة الدخل والمؤسسات متناهية الصغر الصغيرة والمتوسطة  قصد تغطيتها من الأخطار ومخاطر الحياة من خلال توفير الإستقرار الإقتصادي وتوفير فرص إقتصادية إضافية ".
أما الفصل 1-1 من المشروع فقد حدد محتوى المخاطر الكبرى بحيث يمكن استنتاج محتوى عقود التأمين الصغير بصفة سلبيّة باعتبار كل ما لم تشمله قائمة المخاطر الكبرى.
غير أن المشروع لم يحدد أية مقاييس علمية للتعريف بالفئات المنتفعة من التأمين الصغير بل اكتفى في عديد الفصول بالإشارة إلى  أن تطبيق الفصول المتعلقة بهذا الصنف تتم بترتيب من الهيئة.
نفس الفصل 1-1 استثنى بفقرته الثانية مجموعة من الضمانات من قائمة المخاطر الكبرى إذا تجاوز نشاط مكتتب العقد حدودا يتّم ضبطها بترتيب من الهيئة  وهو استثناء يكاد يطال كل الضمانات الموجهة للأشخاص الطبيعيين (الأخطار المتعلقة بالحريق والكوارث الطبيعية و الأضرار الأخرى التي تلحق بالممتلكات و المسؤولية المدنية العامة والخسائر المالية المختلفة و العربات البرية ذات محرك ومجروراتها و مسؤوليتها المدنية).
و اعتبارا لما جاء من توسيع لقائمة وسطاء التأمين خاصة أمام غموض ما جاء بالفصل 257 المتعلق بالإسناد الخارجي  تبدو النيّة واضحة لتوجيه عقود التأمين الصغير نحو موزعين معيّنين دون سواهم   مما قد ينجر عنه تفقير لوسطاء التأمين التقليديين الذين تظل مهنتهم الأساسية هي الوساطة.
ومن خلال النقاشات التي دارت بين المهنيين الذين  حضروا هذا اليوم الإعلامي تأكّد أنهم غير راضين عن هذا الوضع وأن العديد منهم يلقون باللوم على أطراف سياسية نافذة تحاول أن يستفيد " تابعوها " من هذا القطاع بأقصى ما يمكن على حساب نواب التأمين الذين أفنى البعض منهم عمره في هذا القطاع دون أي يجني فائدة تذكر .
وقد كان الإجماع في هذا اليوم الإعلامي على كل ما تقترحه النقابة أو مجمله على الأقل وخاصة في ما يتعلّق بالعقوبات التي  يرى الجميع أنها مرتفعة  وغير منطقية إذ يكفي أن يسهو نائب تأمين مجرّد السهو عن تنزيل المبالغ المالية لفائدة شركة التأمين بضعة أيام حتى يجد نفسه في متاهات قد تحكم عليه بالخروج جملة وتفصيلا من قطاع أو مهنة قضى فيها ربع عمره .
وقد استغرب هؤلاء النواب عن استغرابهم من وجود هيئة التأمين أصلا إذ قال أحدهم إن ما يربط النائب بشركة التأمين عقد ينص على كل شيء فما دخل الهيئة أصلا إذا كانت الطرق لفض الخلافات أو حتى النزاعات موجودة بين النائب وشركة التأمين ؟.

 

التعليقات

علِّق