المسؤولية المجتمعية للمؤسسات، سنتين ونصف بعد صدور القانون!

صادق مجلس نواب الشعب يوم 29 ماي 2018 على قانون يتعلّق بالمسؤولية المجتمعية للمؤسسات، وذلك بعد تقديم مبادرة تشريعية في الغرض من طرف عدد من النواب من أحزاب سياسية مختلفة وقد أجمع المبادرون أن هذا القانون سيمكن من المساهمة في تطوير وتحسين البنية التحتية ودعم الأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية والمساهمة في الحفاظ على البيئة عن طريق مشاريع مختلفة إضافة إلى إحداث فرص عمل قارة وغير قارة وسيمثل آلية تمويل جديدة من قبل المؤسسات لتمويل مشاريع تنموية لفائدة الجهات "الفقيرة" بالخصوص وبالتالي سيدعم جهود الدولة في تحسين التنمية وخاصة في الجهات الداخلية.
واستمد القانون مرجعيته من المبادئ التي نص عليها الدستور التونسي وكرسها المجتمع الدولي، من خلال ميثاق الأمم المتحدة للمسؤولية المجتمعية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومواثيق منظمة العمل الدولية وإعلان ريو بشأن البيئة والتنمية. وإضافة لذلك، ولا سيما المبادئ التي نص عليها الدستور وتكريسا لأحكام العديد من الفصول مثل الفصل 45 الذي ينص على أنه "تضمن الدولة الحق في بيئة سلمية ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ، وعلى الدولة توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي" والإنخراط والاستجابة إلى التوجهات الدولية في هذا المجال، فقد كان لهاذا القانون مرجعية ميدانية واقعية تبعا للعديد من المشاكل، وبالخصوص، البيئية والاجتماعية التي تسببت فيها بعض المؤسسات في مختلف مناطق الجمهورية وألحقت العديد من الأضرار بالبيئة والمائدة المائية والبنية التحتية وغيرها إضافة لذلك لم تساهم هذه المؤسسات بالقدر الكافي في تنمية هده المناطق المتضررة من أنشطتها. وقد تسببت في إندلاع العديد من الاحتجاجات والمطالب الاجتماعية ولا سيما محاسبة المؤسسات المسؤولة على الأضرار ودعوتها إلى الحفاظ على البيئة والمساهمة في التنمية. وعلى سبيل الذكر شركة فسفاط قفصة نتيجة عمليات استخراج الفسفاط بمنطقة الحوض المنجمي وما تسببه من تلوّث بيئي والمجمع الكميائي بمدينة قابس نتيجة صرف النفايات في البحر والشركات النفطية بجزيرة قرقنة نتيجة أنشطتها الصناعية وتلويثها مياه البحر وكذلك سوء التصرف في النفايات بجزيرة جربة.
وحسب الفصل الأول من القانون "يهدف قانون المسؤولية المجتمعية للمؤسسات إلى تكريس مبدأ المصالحة بين المؤسسات ومحيطها البيئي والاجتماعي من خلال مساهمتها في مسار التنمية المستدامة والحوكمة الرشيدة وفقا للتشاريع الجاري بها العمل. ... وتعتبر المسؤولية المجتمعية مبدأ تنتهجه المؤسسات حرصا منها على ضرورة تحملها مسؤولية تأثير نشاطها على المجتمع والبيئة من خلال تبني سلوك شفاف يعود بالفائدة على المجتمع جهويا."
وينطبق هذا القانون على المؤسسات والمنشآت سواء كانت عمومية أو خاصة، ومهما كان حجمها أي مؤسسات صغرى أو متوسطة أو كبرى فهي مطالبة بتطبيق هذا القانون (طبقا للفصل الثاني من القانون) إلا أنه بعد قرابة سنتين ونصف من دخوله حيز التنفيذ فإن نسبة التزام هذه المؤسسات بتطبيقه لا تزال محتشمة وتتطلب مجهودات إضافية وذلك بالرغم من سعي العديد من الأطراف وخاصة الهياكل الممثلة للمؤسسات إلى الدعم والدفع إلى المضي قدما في تفعيل القانون، فمثلا قام الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بالتوقيع خلال شهر ديسمبر 2019 على انخراط الاتحاد في الاتفاق العالمي للأمم المتحدة المتعلق بالمسؤولية المجتمعية للمؤسسات وعمل على حث انخراط المؤسسات في محيطها الاجتماعي وعنايتها بالبيئة والمساهمة في التنمية المستدامة.
أما بالنسبة لمنظمة كونكت فقد حرصت منذ صدور القانون على ترسيخ المسؤولية المجتمعية للمؤسسات عبر إقناع مسؤوليها أنها ضمانة أساسية لتحسين قدرتها التنافسية وتطويرها وقامت بإطلاق برنامج لتعريف المسؤولية المجتمعية للمؤسسات من خلال LABEL RSE CONECT وأكدت أن البرنامج يتنزل في إطار ترسيخ مبدأ الحوكمة الرشيدة وإدماج المؤسسات في محيطها والرفع من مردوديتها.
كما قامت بورصة تونس بإدماج سياسة المسؤولية المجتمعية ضمن توجّهاتها الاستراتيجيّة وقرّرت الترويج لفائدة اعتماد الممارسات المتعلقة بهذه المسؤولية ونشرها فيما يهم المكوّنات البيئية والاجتماعية والحوكمة، وقد انطلقت خلال شهر جويلية الفارط بإعداد دليل خاص بالمسؤولية المجتمعية للمؤسسات لفائدة المؤسّسات المدرجة بها ويتمثل هدفها في المساهمة في تحقيق التنمية المستديمة بالتركيز على عدد من البرامج التي تهتم بحماية المحيط والتصرّف الاجتماعي صلب المؤسّسة.
هذا، وقد نصت الفقرة الثانية من القانون أنه على المؤسسات المعنية تخصيص إعتمادات لتمويل برامج المسؤولية المجتمعية أي إجبارية تخصيص حصة من ميزانيتها إلا أنه لم يتم ضبطها وتحديد معاييرها وسقفها. وللإشارة فإن المساهمة المجتمعية على المستوى الدولي، في أغلب الدول، طوعية إلا أنها كانت تحفيزية في بعض الدول على غرار الهند أو جزر الموريس حيث يتم تخصيص 2 بالمائة من الأرباح مقابل التقليص من الأداءات الموظفة على المؤسسة.
ونظرا لأن أغلب المشاكل المرتبطة بالمؤسسات تكون ذات بعد محلي وجهوي فقد نصّ الفصل الرابع على إحداث لجنة قيادة جهوية للمسؤولية المجتمعية تحدد أولويات التدخل جهويا وخاصة في مجالات البيئة والتنمية المستدامة، ترشيد استعمال الموارد الطبيعية وتثمينها، تنمية المهارات والتشغيل والحوكمة الرشيدة وستكون هذه اللجان الجهوية مكونة من ممثلين من السلطة الجهوية ومن الشركاء الإجتماعيين وممثلين لمنظمات المجتمع المدني وغيرهم وحسب الفصل الرابع كذلك تضبط تركيبة اللجنة واختصاصاتها وصلاحياتها بأمر حكومي، وفق قواعد الحياد والاستقلالية والمسؤولية.
وفي غياب باب أو فصل خاص بالعقوبات في صورة الإخلال وعدم التقيد بما نصّ عليه هذا القانون وقصد التأكد من احترام المؤسسات لقانون المسؤولية المجتمعية وتطبيقه والإلتزام بمبادئه ومتابعة برامج المسؤولية المجتمعية سيتم إحداث مرصد المسؤولية المجتمعية صلب رئاسة الحكومة، وقد نص الفصل السادس من القانون أن هذا المرصد يتولى متابعة برامج المسؤولية المجتمعية ومراقبة مدى تطابقها مع مبادئ الحوكمة الرشيدة والتنمية المستدامة والعمل على تحقيق التوازن بين الجهات والتمييز الإيجابي في برامج المسؤولية المجتمعية وفق الفصل 12 من الدستور. كما يعد تقرير سنوي حول وضع المسؤولية المجتمعية ويتولى النظر في التقارير النهائية المقدمة إليه سنويا من اللجان الجهوية وإحداث وإدارة منصة إلكترونية للمسؤولية المجتمعية للمؤسسات وإسناد جائزة سنويا لأفضل مؤسسة في إطار مبدأ المسؤولية المجتمعية.
وبالتالي فإن تحقيق هذه الأهداف مرتبط بتفعيل هذا القانون على أرض الواقع وبإنخراط مختلف الأطراف المتداخلة فيه ودعم الأنشطة والبرامج التي تسهم في تحقيقه وبالتالي وجب التأكيد على ضرورة صدور الأوامر المنظمّة للقانون حتى يمكن تفعيله بصفة كلية، حيث وضع القانون الخطوط العريضة للمسؤولية المجتمعية وأحال المسائل التقنية والعملية إلى رئيس الحكومة بإصدار أوامر حكومية، إضافة إلى ضرورة إنخراط ودعم النقابات ومنظمات المجتمع المدني قصد لعب المؤسسات دورها في المجال وتجذير هذه الثقافة وبالتالي ستكون قطعا فوائد عديد للمؤسسة المنخرطة في هذا التمشي حيث سيرفع من مؤشر الحوكمة لديها وسيمكنها من التوقي والتحكم في المخاطر البيئية والمساهمة في الحفاظ عليها والتخفيض في المشاكل والتوترات الاجتماعية وهو ما سيحسن العلاقة مع أجرائها ويحافظ على حرفائها وزبائنها وبصفة عامة القبول والدعم المجتمعي لأنشطتها بالإضافة إلى فتح آفاق جديدة في عملية التطوير والتجديد والنفاذ إلى أسواق جديدة. وهنا يعد دور الإعلام في نشر وتنمية المسؤولية المجتمعية هاما من خلال طرح مواضيع ذات علاقة بالمسؤولية المجتمعية وإبراز دور المؤسسات التي تساهم في هذا المجال، إضافة لدوره الكبير في نشر التجارب الناجحة في المجتمع.
أحمد العلوش
مستشار بمجلس نواب الشعب
ناشط بالمجتمع المدني
التعليقات
علِّق