الكل يقفز من السفينة القيسية

الكل  يقفز من السفينة القيسية

مساء يوم 25جويلية 2021 كان يمكن أن يكون تاريخا مفصليّا في تونس وكان يمكن أن يكون اليوم الثاني لاستقلال تونس حيث نزل التونسيون للشوارع فرحا و حصد الرئيس اعجاب ومساندة السواد الاعظم من الشعب فضلا عن مساندة دولية مهمة كان يمكن استثمارها .

وبعد مرور أربعة أشهر بات واضحا أن الامور لم تسر كما يشتهي التونسيون وكما يشتهي شركاؤنا فما الذي حدث؟ ولماذا تحولت الفرحة الى تشاؤم و المساندة الى معارضة ؟ وما دلالات ذلك وتداعياته على مستقبل البلاد؟

انطلق الرئيس قيس سعيد يوم 26 جويلية بدعم ثلاثي الابعاد استهلكه بسرعة قياسية حتى لم يبق له من الدعم من شيء. و الجميع اليوم قفزوا من السفينة القيسية و ما تبقّى منهم يخططون للقفز حيث تأكّد هؤلاء أن القفز في البحر أهون من السفر نحو المجهول.

اجتماعيا: حصد الرئيس سعيد دعما شعبيا منذ اعلانه عن الاجراءات الاستثنائية وهلل غالبية الشعب بحل البرلمان و احالة النواب على البطالة كما هللوا ورقصوا فرحا بتخلّصهم من الطبقة الحاكمة التي جوّعتهم وفقّرتهم واستكرشت على حسابهم حيث ملوا التطبيع مع الفساد و المحسوبية و انتظروا يوم 26جويلية و ما سيتلوه من أيام اجراءات أخرى أقوى تسهّل حياتهم و تضرب المحتكرين وتعيد لهم الامن في الشارع ولابنائهم في المؤسسات التربوية .وكان سقف الانتظارات كبيرا من شخص حمّلوه أكثر مما يحتمل وهو ذاته تفاجأ بمنطق السلطة و اكراهات الحكم وتأكد أن الشعب يريد ما لا يستطيع تحقيقه له.

 ولنا في رفضه تفعيل قانون 38 الخاص بتشغيل من طالت بطالتهم و الذي أمضى عليه بنفسه خير مثال .كما تأكد أن محاربة الفساد و الاحتكار تحتاج لآليات و سنوات بينما الشعب بدأ يتضوّر جوعا.كل هذا جعل من هللوا و ناصروا يصابون بإحباط تعاظم يوما بعد يوم وهو ما تأكده الارقام في سبر الآراء حيث ما فتأ سعيد يخسر نقاطا كبيرة من شهر لآخر سواء في منسوب الثقة أو في نوايا التصويت. ولايزال التدحرج مستمرا ما لم يتخذ اجراءات حقيقية و ملموسة و سريعة لانعاش القدرة الشرائية و لتوفير الصحة و الامن .

سياسيا: من الصعب أن يحظى رئيس دولة بما حظي به الرئيس سعيد من مساندة مطلقة لأكثر من 90بالمائة من السياسيين و الاحزاب حتى من خصومه. حيث وافقوه على استعمال الفصل 80من الدستور ودعوه الى الاسراع في الاصلاحات و فتح باب الحوار مع القوى الصادقة و مع المنظمات الوطنية لطي صفحة حكم الاسلاميين في تونس الى الابد .ولكن سرعان ما انفضّ أغلبهم عن الرئيس بعد أن أغلق الباب في وجوههم وعاملهم كفاسدين ومرتشين ورواد خمارات .فوجد الرئيس نفسه مدعوما من حزبين فقط بعد شهر فقط من اجراءات 25جويلية.لكنهما سرعان ما غيرّا من خطابهما و بدا الامتعاض من سياسة الرئيس واضحا عليهما .

واليوم لم يتبقّ للرئيس أي مساند من الطبقة السياسية و لا من المنظمات الوطنية و الكل يقولون بصوت واحد تونس لاتدار بشخص واحد و لا يمكن أن يقرر مستقبلها السياسي و الاقتصادي مهما بلغت طهارة هذا الشخص ونظافة يده لان تونس حبلى أيضا بهؤلاء وبإمكانهم أن يقدموا شيئا للوطن في هذا الظرف الحساس.

دوليا: كلنا يتذكر الاسبوعين اللذين اعقبا 25جويلية و كيف تحوّلت تونس لوجهة لكبار المسؤولين في العالم حيث استقبل الرئيس العشرات من الاشقاء و الاصدقاء وكلهم عبّروا وان بدرجات متفاوتة على دعمهم لما اتخذه سعيد من اجراءات حتى أن دولا معينة أعربت صراحة و في الكواليس عن دعمها المادي المباشر لتونس بمبالغ ضخمة كانت كفيلة بإخراجنا من الازمة الاقتصادية التي نتخبط فيها .لكن هذا الزخم السياسي الدولي و هذه الزيارات انقطعت فجأة في تزامن مريب تؤكّد اتفاقا دوليا غير معلن بأن مسار 25جويلية و المرسوم الرئاسي 117 الشهير قد أخرجا تونس من الحضيرة الدولية و باتت تعيش عزلة غير مسبوقة بعد الخطابات النارية للرئيس في حق صندوق النقد الدولي ووكالات التصنيف وفي حق الدول العظمى و شركائنا التقليديين.

الدعم الثلاثي الابعاد اليوم يتلاشى و ما على الفريق الرئاسي سوى تعديل الأوتار حيث لاتزال الفرصة مناسبة لتحقيق امال التونسيين وطمأنة الاصدقاء و الاشقاء و الابتعاد عن المغالبة. فتاريخيا تونس لم تنجح سوى بالحوار و بالتشارك في أخذ القرارات الكبرى .ومن يوحون للرئيس أن الجميع فاسدون وهم وحدهم الوطنيون و الطاهرون عليهم أن يكفوا فما يفعلونه اجرام في حق تونس و في حق الوطن فلاهم أكثر وطنية من غيرهم و لاهم الذين يمتلكون الحقيقة .

.

ويجب أن يفهم هؤلاء أن تونس تتسع لجميع أبنائها حتى الفاسدين تؤدبهم و لا تشوههم .

ريم بالخذيري

التعليقات

علِّق