الخبير الاقتصادي و المالي محمد صالح الجنادي : لا فائدة من رفع شعار محاربة الفساد وبعث المشاريع في ظل سياسة يغلب عليها الارتجال .

الخبير الاقتصادي و المالي محمد صالح الجنادي : لا فائدة من  رفع شعار محاربة الفساد وبعث المشاريع  في ظل سياسة يغلب عليها  الارتجال .

 

لا شك في أن تونس تعيش منذ مدة أزمة اقتصادية خانقة  كانت  تداعياتها واضحة على الدينار التونسي الذي انحدر إلى أدنى المستويات طيلة شهر أفريل . وبالتوازي ظلّت الأطراف السياسية تتصارع و تتبادل  التهم  حسب مصالح كل حزب و ارتباطاته السياسية في وقت تحتاج فيه البلاد إلى طرح الحلول و اقتراح مشاريع الأفكار القادرة على  إخراج البلاد من الازمة و الدفع نحو تحقيق الاستقرار .
و في هذا الإطار صرّح  السيد محمد صالح الجنادي الخبير الاقتصادي و المالي فقال  :
"يخطئ كل من يعتقد أن الأزمة الاقتصادية وليدة مرحلة واحدة منقطعة عن سابقتها .فأزمة  أفريل 2017 ليست سوى إرث لمرحلة حكم الحبيب الصيد التي اتسمت بواقع التشرذم السياسي و الخطر الامني و التفجّر الاجتماعي . والمرحلة الفارطة  التي كان على الدولة فيها تحمل مسؤوليتها بالتوقي من الأزمة و استشرافها قبل وقوعها لم تأت فيها بحلول للاقتصاد العليل بل زادت في تعميقها و تعكير الوضع  . كما أن  مؤشرات الاقتصاد التونسي المنحدرة و ضعف التنمية و تفاقم البطالة لم تكن ضمن أولويات حكومة الحبيب الصيد في ظل غياب الوفاق السياسي و تشتت القرار بين مكونات الحكم . و كنتيجة حتمية خرج الحبيب الصيد وجاء  الشاهد  إثر ولادة قيصرية بقانون مالية هش و ارتجالي أوصلنا اليوم الى أزمة الدينار" .
مسببات الأزمة الاقتصادية
" ... إن دولة في مرحلة الانتقال من حقبة الى حقبة جديدة هي في أمس الحاجة لبناء اقتصادي متين يكون أساس و إحدى ركائر هذا الانتقال . و هذا البناء المتين له شروط  إذ لا يستقيم بناء دون قاعدة متينة قادرة على تحمل أتعابه . فنخلص إذن الى نتيجة أولى رئيسية عايشناها في حكومة الحبيب الصيد إن لم نقل إنها حالة عامة إمتدت من 2011 الى اليوم . فغياب الوفاق السياسي و ضعف البرامج الاقتصادية و غياب البدائل و تشرذم دائرة القرار بين مكونات الحكم ساهمت أيما إسهام في ضعف الاقتصاد و ترهّله لنصل الى تدني مؤشرات التنمية و غياب الانتاج و تفاقم البطالة و تحولها الى بطالة نوعية تضرب اصحاب الاختصاص ( بطالة تقنيي و اطارات السياحة و الصناعة و الفلاحة ) و بالتالي الالتجاء الى الرهنيات و المديونية . ولم تكن ردة فعل الدولة صائبة أمام كل هذا . فالمعالجة كانت مرتجلة تغيب فيها الحكمة و قامت على التسرع و طرق الحلول الوقتية بسن قوانين وتشريعات تعوزها الحرفية  ولا تتماشى ووضع البلد و تتقاطع و متطلبات المرحلة .
كما أن القوانين و التشريعات و الخطوات في المجال الاقتصادي ( جبائية و مالية ) لم تأخذ بعين الاعتبار مصلحة البلد الاقتصادية بقدر ما سنت بهدف توفير موارد مالية سريعة النضوب و غير دائمة ( القوانين الجبائية و التداين و اقتراض مبالغ مالية لوقت قصير ) . وقانون الجباية  كان خير دليل على افتقار هؤلاء لعقل مفكر قادر على طرح حلول جذرية و نهائية للازمة . ولعلّ  هذا ما أعطى صورة سيئة عن مستقبل البلد للمستثمر التونسي قبل الاجنبي و حال دون تنفيذ مشاريع و الحث على الانتاج هذا ان لم يكن من اسباب افلاس وغلق العديد من المؤسسات و ايقاف العمل  في أكثر من مؤسسة و منشأة اقتصادية هامة .
وقد  كان للوضعيىة الأمنية الهشة و الخطر الارهابي المحيط بالبلاد أثر سلبي في إرساء عدة مشاريع اقتصادية غنمها الجار المغربي لتوفر شروط استقرار المشاريع التنموية عنده .
و كخلاصة لسنة كاملة فإن توتر العلاقات السياسية و تدهور الوضع الأمني و ضعف التشريعات و القوانين الاقتصادية أدت الى قدوم يوسف الشاهد بقانون مالية كفاتحة لسنة 2017  ".
إرث فشل الحبيب الصيد ؟
" ... لقد تمخضت وثيقة قرطاج عن حكومة يوسف الشاهد داعية إلى خلق وفاق وطني يضمن استقرار الوضع بالبلاد و يحضر لإرساء رؤية اقتصادية ناضجة يقودها يوسف الشاهد بهدف الضغط على تراجع المؤشرات الاقتصادية و تحقيق الاقلاع الاقتصادي . إلا أن وثيقة قرطاج لم تأت بتفصيلات مهمة تجيب عن  أسئلة ملحة : كيف نحقق الاقلاع الاقتصادي ؟ و أيّة أرضية نحتاج لخلق الاستمثار و التنمية ؟؟
ولا يمكن بأي حال طرق باب التغيير برفع شعارات جوفاء بدون آلية عمل واضحة تضبط مهام كل مؤسسة و كل فرد لإتمام عملية البناء الوطني .  و لا يقتصر الأمر على رفع شعار محاربة الفساد و بعث المشاريع و الاستثمار و دفع الانتاج لإعادة بعث الاقتصاد التونسي الذي انهكته سياسة الارتجال .
ولنعد  الآن إلى البداية: ماذا ينتظر جمهور النخب السياسية من قانون ميزانية قدّ في شهر وبطريقة عشوائية و بلا رؤية ؟؟
ماذا ينتظر جمهور النخب السياسية من سنّ قانون جباية يفرض جزية على الانتاج و يرفع في الأداءات ؟؟
ماذا ينتظر جمهور النخب السياسية حكومة و معارضة من أداء الادارة الهزيل واستفحال الرشوة و الفساد و التعقيدات الادارية التي تعترض سبيل المستثمر التونسي قبل الأجنبي ؟؟
و هنا نجيب بأن نظرة الدولة كانت بعيدة كل البعد عن  إرساء أسس اقتصاد وطني متين يضمن تواصل الاجيال القادمة و يخلق مواطن شغل لما يقارب مليون عاطل .".
ما الحلول إذن ؟
" ... نحن في حاجة اليوم الى الاتّعاض بتجارب دول اخرى اعطت امثلة ناجحة اقتصاديا وتتقارب في الواقع  مع  بلادنا .بدون اعتماد سياسية النسخ  . نحن في حاجة إلى مراجعة القوانين المالية و الجبائية و سن تشريعات قادرة على جلب المستثمرين و التشجيع على الاستثمار الذي يمر ضرورة عبر مجلس تفكير يضم الكفاءات الوطنية القادرة على الاظافة .
- نحن في حاجة الى الكف عن الارتهان لصناديق اجنبية تفرض علينا مدة وجيزة لخلاص ديوننا و الزامنا بقروض اخرى بفوائد  اكبر . نحن في حاجة الى مراجعة منظومة الإدراة و تحسين العمل الدبلوماسي  و اعادة الثقة لدى المستثمر الاجنبي و اعادة الثقة في سياسيتنا و اقتصادنا .
- نحن في حاجة ماسة الى تطوير القضاء  و الاعلام و التخلي عن اعلام المناشدة الذي يضر بصورة بلادنا في الخارج .
- نحن في حاجة ماسة الى ارضية استثمار جيدة و محسوبة و منطقية قائمة على امكانياتنا وما تزخر به بلادنا من ثروات طبيعية ( ملح و فسفاط و جيس و بترول ,..) تضع امامها اهدافا واضحة على المدى القريب و المتوسط و البعيد و تحتسب كل الفرضيات التي يمكن ان تعثر مسيرتنا الاقتصادية .
- نحن في حاجة الى التعويل على رجال اعمالنا الوطنيين بعيدا عن منطق الابتزاز والتخويف و التخوين و تجنيد كل مؤسسات الدولة خدمة لاقتصاد وطننا بعيدا عن المصالح الفئوية الضيقة .".

التعليقات

علِّق