الحالمون بأحد القصور الثلاثة

الحصري - مقال رأي
بقلم صباح توجاني المديوني
أخذ التوتر الذي يسيطر على علاقات الأحزاب فيما بينها يزداد حدة بعد ان ساد الغموض تحركاتها في كل اتجاه، بما يعني ان الخارطة السياسية في قادم الأيام سوف تتشكل، لا وفق توازنات وخيارات الأحزاب وقواعدها، بل تبعا لأمزجة القيادات المتغيرة.
من ذلك انه من الصعب الإقرار الأن بأن تحالفات بعينها سترى النور استعدادا للإستحقاقات الإنتخابات المقبلة، ذلك ان المشهد السياسي المحلي في تقلب مستمر منذ الثورة تماما كحال الأحزاب التي لم تسجل حضورها الى حد الأن في الأرياف والمناطق النائية من منطلق ان قياداتها لا تقرأ حسابا لأراء سكانها بل هي لا تبالي بأصواتهم مطلقا.
ولا تختلف أراء التونسيين اجمالا عن امزجة القيادات الحزبية، انه ثبت من خلال مؤسسات سبر الأراء ان مجتمعنا متقلب وهوائي الطبع ومواقفه تتغير تسعين درجة بين ساعة وأخرى.
وبغض النظر عن صدقية النسب الصادرة عن دور سبر الأراء ودون اعتبار للإنتقادات التي تطالها من الأطراف الفاشلة في مقياسها النهائي، يبدو ان الذي اعلن عنه مؤخرا أكثر قربا من الواقع مقارنة بسابقيه.
فالإقرار بأن 65 بالمائة من التونسيين لا يعلمون لمن سيصوتون في الإنتخابات المقبلة-- حتى قبل تحديد موعدها واصدار مجلتها— هو في حد ذاتها اعتراف بفشل الأحزاب السياسية بلا استثناء في التواصل مع قواعدها ودليل قاطع بان الفجوة بين القيادات والقواعد قد ازدادت اتساعا بعد علاقة الحب "العابرة" التي جمعت الطرفين غداة انتخابات اكتوبر 2011 دون ان تثمر زواجا وفق الصيغ المعمول بها....
فعندما يؤسس القادة احزابهم يتعمدون اختيار اعضاء مكاتبها التنفيذية من صفوة الأسماء القاطنة في الحضر متناسين ان مدننا الصغيرة واريافنا الوعرة تسكنها ايضا الكفاءات الأصيلة التي تستحق الكثير من الإهتمام، اما عندما يقترب موعد الإنتخابات ، فإن ذات القيادات يولون وجوههم قبلة الجبال والسهول والهضاب ملاحقين المقترعين اينما وجدوا... يكدسون تحت اقدامهم الوعود التي يعلم الطرفان انها ستظل حبيسة ادراج مكاتب الأحزاب...
وأمام انفراد القادة بالراي وتشبثهم باحقيتهم في اتخاذ المواقف – التي غالبا ما تكون عشوائية مزاجية تلحق الضرر بالحزب وبالمنتمين اليه- تشعر القواعد الشعبية بخيبة الأمل في زعيمها فتأخذ في الإبتعاد تدريجيا وتعتزل السياسة او تختار الإنصهار في حزب اخر...
وبالنهاية فإن العديد من الأحزاب الصغيرة منها والكبيرة في اعين قياداتها، ستكون غير ذات مصداقية وستجد نفسها تدور في فلك دائري الشكل بحجم اليد الواحد وقد غادرته الكفاءات وهجرته الأدمغة لبطش اعلى هرمه،،،، وما اكثر شيوخنا الذين ابيض منهم الشعر ووهن الجسم ....الا الفكر فقد ظل متقدا يدفع صاحبه الى أتون الصراعات السياسية التي لا يقوون عليها ولكنهم يدخلونها بلا سلاح...اللهم الا من تاريخ حافل لا يمكن اسقاطه على الواقع المعقد اليوم.
خلاصة القول بان الساحة السياسية مقدمة على عمليات تجميل وتشبيب عميقة سوف لن تنتهي بتنظيم الإنتخابات ان كتب لها ذلك قبل نهاية العام الحالي، ولا يمكن تجاهل دقة العملية الجراحية التي ستجريها بعض الأحزاب سواء منها لشفط الدهون او لتنحيف الصدور، بالنظر الى الزوائد الدودية التي تعاني منها التيارات الفكرية حاليا، الا ان الأكيد ان احلام البعض بقصر قرطاج او بقصر الحكومة او بقصر باردو ربما يكون مجرد اضغاط احلام في شكل كوابيس طالما ان الطريق الى احد القصور الثلاثة لا يزال محفوفا بالكثير الكثير من الأشواك، فكيف لرئيس حزب ان يحب الملايين من شعبه وان يخدمهم بإخلاص وتفان وهو غير قادر على حب اعضاء مكتبه التنفيذي الخمسة او الستة ولا ان يخدم حزبه لأنه لا يعرف التفاني ولا الإخلاص ...فما يحركه هو المصلحة الشخصية فحسب....الا ان التربع في احد القصور يحتاج الى نبذ المصلحة الذاتية وتعميق الحس الوطني....الغائب عن سياسيينا... على الأقل الحالمين منهم باحد القصور....
التعليقات
علِّق