الجلاء ودماء الشهداء

الجلاء ودماء الشهداء

 

 

بقلم نوفل بن عيسى

لقد بدأ مخاض جلاء الجيوش الفرنسية عن الأراضي التونسية منذ الاستقلال ولأدل على ذلك "معركة  رمادة  التي حدثت بين 25 و 28 ماي 1958، أي بعد ثلاثة أشهر فقط من الإعتداء الفرنسي على قرية سيدي يوسف (8 فيفري 1958)" وقد استشهد فيها قائدها المناضل الشهيد مصباح الجربوعي. ولكن الروايات الرسمية ركزت على معركة بنزرت اذ كان يعتبرها بورقيبة معركته - علاوة على كون الجربوع كان يوسفي وحتى أنه يوجد اتهام بتواطؤ تونسي رسمي مع الفرنسيين في اراقة دماء الشهداء والقضاء عليهم!- فضلا على كون من بنزرت تم جلاء اخر جندي فرنسي عن الأراضي التونسية.
ومعركة بنزرت التي دامت من 19 الى 22 جويلية 1961 أي 4 ايام لاغير شهدت فيها استشهاد عدد مهول من المقاومين وقوات الحرس والجيش واشهرهم الرائد محمد البجاوي فكان لابد من تدخل الأمم المتحدة لتصدر القرار 164 بوقف اطلاق النار وقد كان يوم 22 جويلية 1961 هذا الأكثر دموية في المعركة وهكذا كان قرار وقف اطلاق النار مرادفا لايقاف المذبحة وذلك نظرا لعدم تكافؤ القوى المسلحة بين الفرنسيين والتونسيين.
وخلافا لما تذكره الروايات الرسمية التونسية فقد هزمت فرنسا تونس عسكريا شر هزيمة في معركة بنزرت حتى أن المنتقدين لبورقيبة يعتبرون انه غامر بارواح التونسيين وبعث بهم كوقود للمدافع  (chair à canon) ولم يكن لهذه الحرب أي تحضير محكم ولم يكن القرار مدروسا كما يجب حتى أن العديد من الضباط الذين خاضوا تلك الحرب قرروا الانسحاب بعدها من الجيش والاستقالة وغيروا وجهتهم في الحياة واختاروا مناهج أخرى بعد ما ولدته حرب بنزرت لديهم من خيبة وشعور بعدم مبالاة ساسة البلاد حينئذ بارواحهم كما قرر آخرون بمعية مناضلين آخرين ومدنيين تدبير إنقلاب على رئيس الجمهورية - وتعويضه بالمنجي سليم حسب بعض المصادر -  خاصة بعدما استغل بورقيبة فرصة اهتمام الرأي العام الوطني والدولي بالحرب ليغتال المناضل الزعيم صالح بن يوسف في اوت 1961 ثم يتزوج عشيقته وسيلة بن عمار في افريل 1962 ودماء شهداء بنزرت لم تجف بعد ولكن افتضح أمر الانقلاب وكان مصير أغلب المنقلبين الاعدام بما في ذلك المناضل الازهر الشرايطي  الذي لم تقدر فرنسا على اعدامه ولكن بورقيبة فعلها وتخلص منه ومن خصومه اليوسفيين والقوميين  ومعارضيه وكان له ما أراد وجعل من فترة ما بين جويلية 1961 وجانفي 1963 الاكثر دموية في تاريخ حكمه ومنذ تلك الفترة صار القاضي والجلاد والحاكم بأمره في تسيير الأحداث وروايتها.

واذا كانت حرب بنزرت من 19 الى 22 جويلية 1961 واغتيال صالح بن يوسف في 12 اوت 1961 أي بعد ثلاثة اسابيع لا غير فقد كان  تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأغلبية المطلقة على ضرورة فتح التفاوض بين تونس و فرنسا من أجل تحقيق الجلاء عن بنزرت في 27 أوت 1961 وهكذا اتفق الطرفان على أن يكون موعد الجلاء عن بنزرت يوم 15 أكتوبر 1963 أي بعد عامين  وثلاثة أشهر عن معركة بنزرت. فلماذا لم يتم ذلك من قبل؟ الجواب بديهي ونجده في خطب وتصريحات شارل دي قول (Charles De Gaulle) رئيس فرنسا الذي أراد أن يكون الجلاء عن قاعدة بنزرت بعد الانتهاء من حرب الجزائر وكان له ما أراد وقرر وهذا ما حصل بالفعل.

لقد ارتوت هذه الأرض الطيبة بدماء شهداء حرب التحرير ومعارك الجلاء من رمادة إلى بنزرت وإذ نترحم عليهم اليوم وعلى ارواحهم الزكية فأقل ما يمكن فعله وفاءا لنضالاتهم ومن باب العرفان لهم بالجميل أن نعيد قراءة التاريخ والتحقيق فيه وكتابته بموضوعية وتجريده من كل ذاتية وتوظيف واعطاء كل ذي حق حقه ولتعرف الاجيال القادمة حقيقة النضالات من أجل الجلاء وكيف أريقت دماء الشهداء.

التعليقات

علِّق