الجريمة والفساد والمخدّرات ...

الجريمة والفساد والمخدّرات ...


بقلم الإعلامي لطفي حجي

جريمة قتل الرقيب بالجيش الوطني بالمترو بمحطة باب الخضراء، من قبل منحرفين مجرمين يشتبه أنهم "مزطولون"، المفروض أن تدفع الى صيحة فزع واستنفار سياسي وأمني ومجتمعي، استنفار دائم وليس ظرفيا لمقاومة الانحراف والجريمة قبل أن تبتلع المجتمع.
واضح أن أولويات السياسيين هذه الأيام هي تصفية الحسابات فيما بينهم، لكن هيئات المجتمع المدني وأجهزة الدولة يجب أن تعمل بمعزل عن أجندة السياسيين التصفوية تلك.
لا يمكن لمواطن أن يقتنع أن الدولة بأمنها وأجهزتها المختلفة عاجزة عن مقاومة الجريمة والانحراف، فالدولة في المفهومين السياسي والسوسيولوجي هي الوحيدة التي تحتكر العنف لضبط النظام حتى لا تعمّ الفوضى ويهيمن المجرمون واللصوص على المجتمع ويروّعون مواطنيه. والعنف في هذا التفسير المفهوم ليس القمع وإنما تطبيق القانون بجدية عبر الأجهزة المختصة.
ولئن تفشت الجريمة أمام أنظار الدولة فإن ذلك يعني بكل المقاييس أن حلقة ما من الأجهزة الرسمية لا تعمل بما فيه الكفاية أو متواطئة، أو مرنة مع الإجرام لأغراض سياسية قصد استعمال الإجرام كأداة لتعميم الفوضى السياسية.
ولا يتمّ تعميم ذلك إلا إذا كان هناك تكامل بين تلك الأجهزة المتواطئة، والمال الفاسد الذي يزدهر وينمو في الفوضى الإجرامية لترويج مخدراته ، و"زطلته"، وأقراصه القاتلة لشبابنا، ومع وسائل الإعلام التي روّجت وبرّرت لاستهلاك الزطلة ولأنواع من المخدّرات وهي تعمل ضمن أجندة معيّنة واضحة المعالم ومدفوعة الأجر.
الدولة قادرة نعم، لكنّ يقتضي ذلك شروطا ضرورية.
أولا: إجراءات عاجلة داخل الأجهزة تقتضي عزل المتواطئين ومحاسبتهم بحجم إجرامهم.
ثانيا : حملات أمنية دائمة تبعث رسائل قويّة إلى المجرمين والمنحرفين ليدخلوا جحورهم وينتهي الإجرام الاستعراضي الذي بتنا نتعايش معه في الساحات العامة وفي وسائل النقل العمومية وفي تجرؤ المجرمين على اقتحام البيوت الآمنة، ولا يجب أن تقف تلك الحملات عند المنفذين فقط بل يجب أن تصل الى أسماك القرش الذين يرعون المجرمين المنفذين .
ثالثا : المحاكمات العلنية والعادلة: وهنا أكتب من تجربتي الحقوقية، لا بد أن يعلم المجتمع جميعا مصير المجرمين المتوحشين الذين يرتكبون هذه الجرائم البشعة في حق أبنائنا، وتحقيق ذلك يتطلب فسح المجال أمام الإعلام لحضور تلك المحاكمات ونقلها للرأي العام فهي شئنا أم أبينا قضايا رأي عام تهز المجتمع في كل مرة .
تسليط أحكام تكون في حجم تلك الجرائم لردع المجرمين الآخرين.
هناك عواصم في العالم استبد بها المجرمون، وحاصرتها المافيا في مرحلة من تاريخها، لكن بمجرد وصول مسؤولين حازمين تم القضاء على رموزها والحد من نسبة الجريمة وأعادوا الشعور بالأمن إلى المواطنين.
ليس لديّ وهم بالقضاء التامّ على الإجرام مرة واحدة ونهائية، فالجريمة قائمة ما دام الإنسان على وجه الأرض والتاريخ البشري بدأ بجريمة قتل، لكن ما تقدر عليه الدولة بأجهزتها هي الحد منها وتحجيم دور المجرمين، وبعث رسائل الأمل الى المواطنين.
وإن لم تقم بذلك فهي متواطئة وتريد أن تجعل من الجريمة أداة لبثّ الفوضى المجتمعيّة واستثمارها سياسيّا ضمن أجندة محددة ما بعد، ممن خسروا مواقعهم وامتيازاتهم .

التعليقات

علِّق