التطرّف العلماني : تدمير للعقول و هدم للمنظومة القيميّة و الأخلاقية

بقلم الناصر الرقيق
المثقف هو ضمير أمته...هذه واحدة من المقولات الكثيرة التي تصف المثقف في علاقته بشعبه و بوطنه فهذا الذي يعيش مسكونا بهموم البناء و التغيير و الإصلاح لا يمكن إلا أن يختزل في داخله ربوع بلده من الشمال إلى الجنوب لذلك كنّا نرى المعارك ضدّ الإستعمار تقودها النخب الوطنية المثقفة التي ساهمت فيما بعد في تأسيس دولة الإستقلال قبل أن تسطو عليها بعض عصابات الإرهاب الفكري غير أن هذه النخب قاومت و بقيت تتصدّى لرياح التغريب و التوطين الفكري التي كانت علامة مسجّلة بإسم الديكتاتورية البغيضة.
لكن في مقابل ذلك كانت هناك أنواع أخرى من النخب العلمانية المثقفة و المتطرفة خاصّة التي عملت بكلّ قواها للسيطرة على المفاصل الفكرية للدولة التونسية مستغلّة في ذلك الغطاء السياسي الذي كانت توفره لها الديكتاتورية فراحت تضع البرامج و المخططات التي من شأنها سلخ تونس من هويتها العربية الإسلامية فكانت البداية مع سياسة تجفيف الينابيع التي لم تنجح كثيرا و كانت كلفتها البشرية باهضة جدّا حيث أستغلّت فيها جميع إمكانات الدولة القمعية لإجتثاث كلّ نفس مخالف لتوجّهات تلك النخب المريضة بعلمانيتها لتمرّ فيما بعد إلى سياسة تلويث الينابيع و التي مازالت مستمرّة إلى الآن و التي تقوم على تلويث كلّ منابع الهوية سواء العربية منها أو الإسلامية و شنّ عمليات تشويه واسعة لها بالقول من خلال إختلاق إفتراءات و أكاذيب لا يصدقها حتى المجنون أو بالفعل من خلال القيام بإعتداءات و نسبتها لأطراف مناصرة للهوية.
فهذه النخب العلمانية المتطرفة التي تدثّرت لسنين طويلة برداء الديكتاتورية و أكلت من ثريدها اللذيذ ساهمت و لازالت في تدمير العقول و دمغجتها من خلال الخطاب التحريضي و المضلل التي تبثه في وسائل الإعلام خدمة لمصالح أطراف معينة فعندما تغيب القضايا الرئيسية و تحضر بعض الهوامش و التفاصيل و حين يقع غض الطرف عن حدث جلل في المقابل يضخّم حدث عادي فتأكد أن هذه النخب تقوم بكل ما في وسعها لإفساد ما أبقته صالحا في هذا الوطن كما كان لهذه النحب المتعفنة النصيب الأكبر في هدم منظومة القيم و الأخلاق في هذا الوطن من خلال مساهمتها في وضع برامج تعليمية فاسدة من أساسها و كذلك لعب ورقة الحرية المطلقة لمزيد تعميق التعفّن في جرح متعفّن في أصله و يكفي أن يطّلع أحدكم على الإحصائيات الخاصة بنسب الإجهاض و الطلاق و الجريمة ليعرف حجم الجرم الذي إقترفته هذه النخب في حقّ تونس و شعبها.
و من بين ما تتميز به هذه النخب عدم قدرتها على المواجهة و مقارعة الحجة بالحجة بل غالبا ما لجئت إلى تشويه خصومها وشيطنتهم نظر لمعرفتها المسبقة بخسارتها في أي نزال فكري و هو ما تجلّى من خلال ما تقوم به من حملات ضدّ زيارة بعض الدعاة إلى تونس و الذين مع إختلافنا معهم في الأراء إلا أننا نرحب بهم في بلدنا مثلهم مثل أي ضيف أخر طالما لم يتركبوا ما يخالف القانون لكن هذه النحبة العلمانية المتطرفة لم تسعى إلى مواجهة فكرية مع هؤلاء الدعاة الذي تحدّاها بعضهم في مناظرة تبث على الهواء مباشرة لكن لم نرى أي منهم يقبل التحدّى بل تبقى هوايتهم المفضّلة أستوديو و كاميرا و منشّط له نفس الميول و دون ضيوف و النتيجة يعرفها جميعكم.
لكن الأمانة و حتى أكون منصفا هناك نخب علمانية معتدلة و هي بدورها مقموعة و حقها في الظهور مهضوم لذلك من الواجب على هذه الأطراف المعتدلة أن يرتفع صوتها لأن هذا فيه مصلحة لهذا الوطن الذي لن يكون وعاء إلا للمعتدلين من جميع التيارات الفكرية و أن هذا الإختلاف ضروري للتعايش فيما بيننا كأبناء وطن واحد لأننا في نهاية الأمر لسنا طوابع سكّر.
التعليقات
علِّق