الأنترنت والإرهاب : علاقة ود صعبة الإنهاء

الحصري - مقال رأي
بقلم صباح توجاني المديوني
لأننا تعمدنا فتح حدودنا واحضاننا وقصورنا ومساجدنا لدعاة الظلامية والقادمين من العصور الحجرية، ومكناهم من منابر الإتصال المباشر بصفوة شبابنا التائه والحامل لسلال من الشهائد العلمية، ليبثوا في صدورهم السموم التي حملوها الينا، ولأننا تساهلنا طويلا مع السابحين ضد التيار المغلقة قلوبهم عن تعاليم ديينا الحنيف، فقد نالنا ما كرهنا من صنوف الجماعات المتطرفة التي اتخذت من العنف وسيلة للتعبير ومن السلاح عصا تدك بها عظام امننا وجيشنا بلا هوادة.
فعندما إستلمت حكومة الترويكا الأولى مقاليد الحكم بعد 23 اكتوبر 2011، كانت الاف المساجد وقتها تحت سيطرة وتصرف العناصر المتشددة التي لم تتردد في استمالة الاف الشباب بشتى الطرق، حتى ان شهاداتهم العلمية لم تمنحهم الحصانة الضرورية لصد هذا العدوان الفكري الزاحف.
وامام تغاضي حكومات ما بعد الثورة، وفي ظل الإنفلات الأمني على الحدود وداخل المدن والأرياف، تسلل اصحاب الفكر الظلامي ليضموا اليهم اكثر من عشرة الاف شاب سافر اغلبهم ممن وقعوا في الفخ، الى بؤر التوتر بتعلة "الجهاد في سبيل الله"، فيما تفنن الباقون هنا في إذاقتنا المر جراء العمليات الإرهابية الخسيسة التي نفذوها ولم يكونوا لها من المخططين.
والحقيقة انه لا يمكننا التسليم بأن الإرهاب من صنع حكومات ما بعد الثورة، ذلك ان هذا الغول العابر للقارات، ليس وليد مرحلة ما بعد الرابع عشر من جانفي، بل يذكر التاريخ انه أعلن وجوده منذ سنوات خلت، لعل اخرها واقعة سليمان بالوطن القبلي.
ان المحاولات المستميتة لأجهزتنا الأمنية والعسكرية للتصدي للإرهاب وملاحقة عناصره التي ثبت خضوعها الى تكوين ناجح جدا في فنون القتال المباغت والجماعي ونصب الكمائن وحذقها لصنع الألغام والمتفجرات لا تكفي لوحدها لمجابهة هذا السرطان الذي لا يزال يضرب اعتى الدول واقواها على الإطلاق.
ومما لا شك فيه ان التعاطي الأمني مع معظلة الإرهاب، وان نجح في السابق في تطويقه نسبيا، لا يمكن بأية حال من الأحوال ان يكون الحل الأمثل لمشكل خطير بهذا الحجم يضرب امة ووطنا ومجتمعا بأكمله.
فمقاومة الإرهاب يجب ان تنبني على إستراتيجية واضحة المعالم تبدأ بتوفر الإرادة السياسية، بإعتبارها الحلقة المركزية، وتجنيد كافة طاقات المجتمع بمختلف مكوناته من رجال تعليم وتربية وأئمة معتدلين ومنظمات المجتمع المدني النشيطة، الى جانب ما يتعين على الأسرة بذله من جهود أكبر لتحصين ابناءها ضد التيارات المتطرفة.
وامام الإستغلال المفضوح لمواقع التواصل الإجتماعي وصفحات الأنترنت وكل الوسائل التكنولوجية الحديثة المسخرة لغسل ادمغة شبابنا، وجب التفكير في سن قوانين تحجر بث الظلامية بما يهدد الأمن العام، وتجرم دعوات التكفير واصدار فتاوى إهدار الدم والغزو الفكري في اوسع مفاهيمه، بالتوازي مع الملاحقة الأمنية والعسكرية للمنتمين للجماعات المتطرفة المسلحة منها وغير المسلحة والتي تدعو الى الجهاد في غير بلده.
فالشبكة العنكبوتية التي ابتكرها الغرب واستوردناها لخدمة مصالحنا اضحت اليوم بابا تدخل منه رياح عاتية تأتي على الأخضر واليابس، وقد باتت تشكل خطرا أكبر مما يلقيه علينا بعض الأئمة سواء داخل المساجد او على الفضائيات المشبوهة من دروس دينية ملغمة.
ولعل مقترح رئيس الحكومة المهدي جمعة بتنظيم ندوة وطنية حول الإرهاب من شانه، اذا ما خصص الحيز الأكبر منها لطرح الحلول واذا شاركت فيها كل الأطراف بلا استثناء، سيكون منطلقا عمليا لإرساء استراتيجية ناجعة تتصدى للإرهاب وتقضي عليه قبل ان يستشري اكثر ويتخذ له مكانا بيننا ونصبح بالتالي له من المصدرين.
التعليقات
علِّق