الأخطاء والتزييف في " قلب الذيب " : هل هي نتيجة الجهل أم رغبة في تزييف التاريخ ؟

الأخطاء والتزييف في " قلب الذيب " : هل هي نتيجة الجهل أم رغبة في تزييف التاريخ ؟


ما زال مسلسل " قلب الذيب " يثير الجدل وتختلف حوله الآراء .  وبالرغم من أن المحاكم التونسية لا تعمل بسبب وباء كورونا فإنها مدعوّة إلى الحسم (  حتى عن بعد ) النزاع القائم بين قناتي الحوار التونسي والوطنية 1 .
ولعلّ أغرب ما يتعلّق بهذا المسلسل  أنه تمّت معالجة المسألة في كافة أطوار التقاضي ( ابتدائي واستئناف وتعقيب ) في بضعة أيام رغم أن القضية ذات أهمية قصوى . وهذا ما جعل العديد من أهل القضاء لا يخفون غضبهم واستياءهم على غرار القاضية المعروفة باستقلالية رأيها كلثوم كنّو .
ولم يقف الجدل عند هذا الحدّ  حول  هذا المسلسل يحظى باهتمام خاص  لأنه يتناول موضوعا لم يتم التطرّق إليه إلا نادرا من قبل السينمائيين أو كتّاب السيناريوهات التلفزية وهو موضوع حركة التحرير الوطنية .
ومنذ البداية اتضح أن الأمور اختلطت على ما يبدو على الجميع . فمن المفروض أن الأحداث دارت سنة 1948 لكن في تلك السنة لم تسجّل الساحة التونسية أحداثا ذات بال باستثناء موت الباي الوطني منصف باي في منفاه بفرنسا وتحديدا يوم 1 سبتمبر من تلك السنة . وقبل ذلك لم يستطع الباي الذي خلفه في السلطة ( محمد لمين باي ) أن يفرض شرععيته . وفي ما عدا ذلك فإن الإيهام بأن هذا الباي أعطى السلاح للدستوريين ليس سوى مغالطة تاريخية .
من جهة أخرى فإن اندلاع الثورة المسلحة بقيادة الحزب الدستوري الجديد لا تعود إلى سنة 1948 بل إلى 18 جانفي 1952 إثر إيقاف بورقيبة ورفاقه . كما أن تصوير معمّرين فرنسيين وهو يستحوذون على أراضي التونسيين يعدّ ذبحا للحقيقة التاريخية بما أن تلك الأحداث جدّت قبل ذلك التاريخ وتحديدا بعد بضع سنوات من الاحتلال الذي نعرف جميعا أنه انطلق سنة 1881 .
ومن جهة أخرى فإن  دور المواطن الجزائري الذي كان يقوم بإدخال السلاح إلى تونس لمساعدة  " الجيران " مناقض للحقيقة التاريخية التي تقول إن العكس تماما هو الذي حصل لأن التونسيين هو الذين كانوا يمدّون الثورة الجزائرية بالسلاح بعد اندلاع تلك الثورة المسلحة في الجزائر يوم 1 نوفمبر 1954 .
وقد أجمع المؤرخون على أنه تم العبث بالتاريخ في رواية أريد لها أن تكون تاريخية وليس لأنهم وضعوا بعد انطلاق بث المسلسل معلّقة تقول " إن أحداث المسلسل ليست واقعية " حتى يشفع لهم التاريخ هذا الإعتداء على التاريخ وسيبرّر الأضرار الجمّة التي حصلت بسبب هذا المسلسل وهذا ما يتصوّره أساتذة تاريخ كبار ومعروفين على غرار الدكتور خالد عبيد والأستاذ عميرة عليّة الصغيّر.
وفي نفس الإطار أوضح أستاذ التاريخ المعاصر عادل بن يوسف الذي يحمل تجربة مع وسائل الإعلام بما أنه أنتج برامج تاريخية على غرار " شهادات تاريخية " لفائدة الإذاعة الثقافية  وإذاعة المنستير أن تخصيص مسلسل للتاريخ المعاصر لتونس  أمر جيّد في حد ذاته . وقال في هذا السياق : " نحن ينقصنا بالفعل هذا النوع من الأعمال الدرامية في حين أنه في بلدان أخرى على غرار مصر والمغرب والجزائر هناك العديد من الروايات التي تؤرّج لفترات مهمّة من تاريخ هذه البلدان . ومن جهة أخرى فقد أثار الأستاذ بن يوسف الكثير من الأخطاء التاريخية المتعلّقة بنفي المنصف باي وبالحركة المنصفيّة التي تأسست سنة 1948 . كما أكّد أن الظهور الرسمي الأول للمناضلين " الفلّاقة " يعود إلى سنة 1952 وتحديدا بعد مؤتمر الحزب الجديد الذي ترأسه الهادي شاكر بعد إيقاف الحبيب بورقيبة يوم 18 جانفي 1952 .
وبيّن الأستاذ بن يوسف أن مسألة نقل الأسلحة من الجزائر إلى تونس ليست صحيحة وأن العكس هو الذي حدث بعد اندلاع الثورة الجزائرية في 1 نوفمبر 1954 مؤكّدا أن بعض قادة " الفلّاقة " على غرار لزهر الشرايطي وساسي لسود تم إرسالهم إلى الجزائر لمساعدة الجزائريين الذي كانوا يخوضون معركتهم المسلحة على  أرضهم .
ولا  تقف الأخطاء التاريخية عند الفترات المعنيّة ذلك أنه حتى الأزياء المستعملة لم تكن " بنت " ذلك العصر ومثال ذلك أنه تم " تلبيس " رجال من القصرين ما يعرف باسم ّ كدرون " لم يكن صائبا باعتبار أن " الكدرون " لباس ساحلي بامتياز. كما أن النساء لم يكنّ يرتدين " البنوار " المعروف في المدن بل " الملية " الريفية . وأشار أستاذ التاريخ كذلك إلى أخطاء فادحة تتعلّق حتى  بأنواع السيارات   والأسلحة  المستعملة وهي أسلحة سوفياتية تعود إلى  ستينات القرن الماضي ... إلى غير ذلك من الأخطاء .
وحسب الأستاذ بن يوسف فقد كان بالإمكان تفادي تلك الأخطاء لو تمّت الإستعانة بمؤرخ يشرف على هذا العمل من الناحية التاريخية  وهذا  معمول به في كافة أنحاء العالم في ما يتعلّق بالأعمال الدرامية  موضحا أن ذلك لن تكون له كلفة مالية كبيرة على جهة الإنتاج لأن أغلب المؤرخين يكتفون غالبا بالجانب المعنوي أي من خلال إدراج أسمائهم في جينيريك العمل لا غير .
هذا الرأي الذي يدلّ على  تواضع الأستاذ نشاطره رغم أننا مقتنعون بأن المؤرخ أيضا يجب أن ينال حقه المادي خاصة أن ما سيتقاضاه لن يثقل كاهل ميزانية هذا المسلسل الذي تم بيعه للقناة الأولى بما لا يقل عن مليار و 900 ألف دينار.
أما السؤال الأهم في كل الحكاية فهو : هل إن هذا الكمّ الهائل من الأخطاء وتزييف الوقائع التاريخية كان ناتجا عن جهل أم عن رغبة مبيّتة في تزييف التاريخ  خاصة أن الحقيقة المؤكدة تقول إن هذا العمل ليس " من الخيال " مثلما أراد البعض إيهامنا بذلك ؟. 


 

التعليقات

علِّق