اعتصام باردو: ما بين مطرقة الصندوق و سندان الشارع

بقلم نهى بلعيد
يسمّونهم الانقلابيون و لكنّهم يعتبرون أنفسهم الشرعيون لأنّ لا شرعيّة تعلو إرادة الشعب. بعضهم يطالب بحلّ المجلس الوطني التأسيسي و الحكومة و البعض الآخر يرفض المطلب الأولّ و يطالب بالمطلب الثاني، ذلك أنّ نوّابهم منقسمون: مع أو ضدّ المجلس الوطني التأسيسي.
لا أحد ينفي أنّهم احتلّوا باردو البارحة بعد أن جاء عشرات الآلاف منهم من كافّة ولايات الجمهوريّة. لقد قالوا أنهم منعوهم من المجيء بعد أن هدّدوا أصحاب الحافلات، و لكنّهم جاؤوا بأعداد غفيرة بعد أن تطّوع البعض منهم لنقل رفاقة على متن سيّارته الخاصّة.
مشهد يذّكرنا البارحة، بالسيناريو المصري. هو نفس الزمان، عصر الإخوان و لكنّ المكان مختلف. الآخرون تجمّعوا يوم 30 جوان/ يونيو / حزيران بميدان التحرير. و هؤلاء تجمّعوا أمام المجلس الوطني التأسيسي، صارخين: "يسقط حكم الإخوان، يسقط جلادّ الشعب"، "لا خوف لا رعب، السلطة ملك الشعب"، "بعد الدمّ لا شرعيّة للعصابة النهضاويّة"، " اليوم اليوم النهضة طيح اليوم"، "عملاء الاستعمار، نهضاوي رجعي سمسار" "قتّالين ولادنا سرّاقين ولادنا"، "عاش عاش الاتّحاد على دربك يا حشاد"، "ملا حالة و اليوم التأسيسي الاستقالة"، "وووه وووه وووه تأسيسي يطيح اليوم"،" نهضاوي باروا راوح جيبولو الشوكوطوكم"... متّهمين الحكومة في الآن ذاتها بمقتل شهداءنا سواء كانوا سياسيون أو جنود.
هم يدركون أن "الفلول" تساندهم في هذا المشروع، لكنّهم يؤمنون بأنّ الإخوان قد فشلوا خلال هذه المرحلة الانتقاليّة... هم يدركون أنّهم يقفون إلى جانب "أزلام النظام السابق"، لكنّهم ملّوا من حكم الإخوان إثر كلّ الأزمات التّي عاشتها البلاد منذ 23 أكتوبر 2011، تاريخ انتخابات المجلس الوطني التأسيسي... فقط، لأنّهم يجدون في شيخ الثمانين الذي قارب على التسعين منقذهم من ربيع الإسلاميين.
الإسلام دينهم و لكنّ الأمن مطلبهم، لأنّهم لا يشعرون بالهدوء و الأمن و السلم و السلام منذ 23 أكتوبر 2011.
يرفضون الإرهاب... يرفضون كلّ ديكتاتوريّة دينيّة... يتّهمون الترويكا بتخاذلها عن اتّخاذ قرار صارم تجاه مشروع الإرهاب رغم أنّ البعض منهم قد صوّت لأحزاب الترويكا.
صمودهم لا حدود له بعد أن مضى أكثر من أسبوع على وجودهم أمام المجلس الوطني التأسيسي. لقد حاولوا أن يجعلوا أزمتهم وسيلة للحديث في السياسة و مناقشة مشاكل البلد. فاجتمعوا منذ الساعات الأولى للإفطار و تشاركوا الولائم و موائد الطعام و رفعوا راية تونس مرارا و تكرارا و ندّدوا بمشاكل وطنهم و نادوا بشعارات ثورتهم.
هم يعتبرون أن شرعيّة المجلس الوطني التأسيسي قد ولّت و انتهت منذ أن سقط شكري بلعيد شهيدا، فما بالك بذبح جنود تونس الأبرار الذين قدّموا دمائهم فداء للوطن؟... غير أنّ الإسلاميين متمسّكين بشرعيتهم، شرعيّة صناديق الاقتراع ليوم 23 أكتوبر 2011.... مشهد يذّكرنا بشرعيّة محمد مرسي إلى حدود آخر لحظة من وجوده بالسلطة.
و لكن هل الشرعية هي شرعيّة الصندوق أم شرعيّة الشارع؟...
نحن شعب مازلنا نعيش مرحلة انتقال ديمقراطي/ نتعلّم خلاله ما معنى ديمقراطيّة و مفهوم الحريّة. الصراعات اليوميّة مسألة عاديّة و الاختلافات الفكريّة أمر طبيعي. و لكن حين يتعلّق الأمر بالشرعيّة، يهبّ الشارع التونسي لنصرتها أو لطردها.
منذ صباح 26 جويلية 2012 و نحن نسمعهم يتحدّثون عن المليونيّة، وصف اقترن إراديّا بالشرعيّة، فكلّ جهة ترى في عدد أنصارها في عدّاد المليون، ممّا يجعل المنافسة شديدة و إن كانت أشبه بحرب نفسيّة.
هو إذن، السيناريو المصري الذي يتكرّر. المكان محدّد و النواب بعضهم مساند للشعب، لكن لم يظهر بعد "السيسي" التونسي لا سيّما بعد أن استقال رشيد عمّار من الجيش التونسي.
تمرّ الأيّام و لم تسقط الحكومة بعد رغم انتصارهم البارحة في الليلة الحادية عشرة من اعتصام الرحيل، لنتساءل آنذاك: هل ستنتصر إرادة شعب باردو أم نتيجة انتخابات 23 اكتوبر 2011 أم سيكون الاستفتاء هو الفيصل؟...
و للحديث بقيّة....
التعليقات
علِّق