اتحاد الشغل والمأزق الحقيقي

اتحاد الشغل والمأزق الحقيقي
 
بقلم : صباح توجاني المديوني
 
لم يكشف الحسين العباسي رئيس اتحاد الشغل، عن الطرف المعطل للحوار منذ اكثر من شهر مثلما كان وعد به الشعب التونسي مرات متتالية، مفضلا التريث وامهال الفرقاء السياسيين الى حدود يوم 14 دسيمبر الجاري، بعد ان خابت مساعي الرباعي الراعي للحوار الذي كان التزم باستئناف جلسات الحوار يوم اول امس الإربعاء. 
فقد ازدادت تعقيدات المشاورات التي يقودها الرباعي امام تعنت الترويكا وتمسكها بمرشح جديد هو جلول عياد وزير المالية في حكومة الباجي قائد السبسي، امام رفض جبهة الإنقاذ المعارضة لهذا الترشيح وطرحها اسما اخر هو المحامي شوقي الطبيب الذي لا تقبل به حكومة علي العريض ومن وراءها حركة النهضة الحاكمة.
وامام انخرام المسار الكرونولوجي اي الزمني للحوار الوطني استنادا لما حددته خارطة الطريق التي قدمها الرباعي الراعي للحوار، كان لزاما على اتحاد الشغل باعتباره اكبر منظمة شغيلة في البلاد وبيدها الحل والربط فيما يخص شن الإضرابات العامة المشلة لكافة القطاعات، ان يحسم امر اطول مسلسل سياسي عرفته تونس منذ الثورة.
وبالرغم من الإنتقادات اللاذعة التي توجه لإتحاد الشغل، وحملة التشكيك غير المسبوقة في نواياه غير المعلنة، يجد الإتحاد نفسه على الدوام في مرتبة القيادي في وقت تراجعت فيه اسهم الأحزاب السياسية التي فقدت مصداقيتها الشعبية واضحت مجرد خواء فكري لا يقدم للبلاد ولا للعباد ما يروي ظمأها ويداوي جراحها النازفة.
لم يكتف اتحاد الشغل بتهديده كل معارض لخارطة الطريق المستوحاة من مبادرته المستندة الى مطالب المعارضة باسقاط الحكومة وتشكيل حكومة جديدة غير متحزبة، بل تجاوز ذلك الى استعراض عضلاته في الشارع عبر تحريكه مناطق مختلفة من البلاد اخرها في توزر المصطبغة بهدوء سكانها، وتأليبه لقطاعات حيوية شنت اضرابات الحقت شللا بشرايين الدولة واضرت بمصالح التونسيين، في وقت تواصل فيه قيادات الإتحاد انشغالها وانغماسها في مشاورات الربع ساعة الأخير من اجل اعادة الحوار الوطني الى السكة التي حاد عنها منذ اكثر من شهر.
وكان العباسي قد علل منحه مهلة اخيرة للفرقاء السياسيين بالضغوط التي مارستها الأحزاب على الرباعي في مسعى لمزيد التريث قبل رمي المنديل ايذانا بدخول البلاد في مرحلة لا احد يضمن نتيجتها ولا تنوءاتها، تضاعف من حدتها تلك التهديدات الإرهابية التي اضحت حقيقة بعد ان اكدها وزير الداخلية رسميا يوم امس.
ولم يخف رئيس اتحاد الشغل خشيته من دخول البلاد في شتاء ساخن اجتماعيا في ظل مخاطر تحدق بالوطن بما يقيم الدليل على ان الإتحاد غير لهجته من التهديد المباشر الصريح الى الوعيد المبطن ببدء مرحلة يائسة من الحراك السياسي العقيم سيكون البديل عنها، في حال فشل الحوار، فوضى عارمة ستصيب البلاد في مقتل بعد ارتفاع نسبة الإحتقان الشعبي الى حد الذروة، ونفاذ صبر الرباعي الراعي للحوار، في وقت تزداد فيه المخاوف من انهيار تام للإقتصاد وتدهور المقدرة الشرائية للتونسيين وتفاقم البطالة وانتشار المد الإرهابي الذي ظل لأشهر يتربص بهم ويوجه سهامه الى الأمن والعسكر والمدنيين على حد سواء.
وقد لا نجانب الصواب اذا قلنا بان مسلسل الحوار الوطني الذي طالت حلقاته المشوقة دون ان تلوح نهايته، يعيش اخر ايامه بالنظر الى تواصل اختلاف وجهات النظر بين طرفي النزاع، وبانه حري باتحاد الشغل الذي يعيش مأزقا حقيقيا توخي العقلانية واعلان فشل الحوار والإبقاء على حكومة الترويكا مع تحديد سقف زمني لأعمالها ينتهي مع اتمامها المسار الإنتقالي التاسيسي اي اصدار الدستور الجديد وتنظيم انتخابات تكون الكلمة الفصل فيها للشعب، او السعي الى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضع ضمن اولوياتها استكمال الدستور واعادة النظر في التعيينات المثيرة للجدل والإعداد الجيد للإنتخابات القادمة بالتوازي مع وضع استرتيجية متماسكة لمجابهة خطر الإرهابن واصلاح ما يمكن اصلاحه في الميزانية الجديدة للدولة، بما يستجيب لتطلعات التونسيين.
الا ان المعارضة ترفض كل هذه المقترحات ولا ترضى بتغيير بنود خارطة الطريق بما يتماشى ودقة المرحلة التي تمر بها مختلف القطاعات، وتتمسك برحيل الحكومة وبفرض مرشحها لرئاسة الحكومة الجديدة، وهو توجه لا تقبل به الترويكا الحاكمة التي تراوغ في والوقت الضائع ، ان غياء او او عجزا، مستندة الى الشرعية الإنتخابية التي اوصلتها الى سدة الحكم منذ يوم 23 اكتوبر 2011، متناسية ان الشرعية اصبحت ادعاء فارغا مستعيرا بالشعارات الجوفاء الرنانة التي لا تقيم وزنا للحراك الشعبي وانتظارات كافة فئات المجتمع.
 والراي عندي، انه من الأحرى باتحاد الشغل ومن وراءه الرباعي الراعي للحوار، وكل الأحزاب المشاركة في حلقاته الأولى، ايقاف كرة الثلج قبل وصولها الى المنحدر خاصة بعد ان عادت مؤسسة "موديز" العالمية لقضم جزء مما تبقى من الإئتمان السيادي للبلاد، بما قد ينبئ بانهيار وشيك لإقتصاد بلد الربيع العربي الذي استحال الى شتاء بارد خانق.
والثابت اليوم ان ما يدور في كواليس الأحزاب وفي مقر الحوار الوطني بعيد جدا عما ينشر من تصريحات من هذا الشق او ذاك، في ظرف اضاعت فيه الأحزاب بوصلتها وتناثر بريق خارطة الطريق التي استبشر بها التونسيون واعتبروها طوق نجاة لهم من دهاليز السيناريوهات الخطيرة التي اقظت مضاجعهم وحولت احلامهم الى كوابيس لا يريد لها رجال السياسة ان تتوقف.
فلا الأحزاب السياسية المناحرة استنكفت من حبك المناورات على حساب الشعب الجريح، ولا الرباعي الراعي للحوار قبل بفشله واقره رسميا ليفتح المجال لبديل عن خارطة طريقه التي باتت مجرد ورقة تتلاعب بها الرياح، ولا احد من مكونات المشهد المحلي اولى عناية لمطالب التونسيين الملحة وهم يراقبون تدحرج مقدرتهم الشرائية التي ستزيدها ضغطا اجراءات جبائية ثقيلة تضمنتها ميزانية الدولة للعام الإداري الجديد، التي يقر رجال الإقتصاد بانها ميزانية مختلة وميزانها مأزوم ستؤدي حتما الى هزة شعبية اخرى، ستكون خير فرصة لبسط الإرهاب سلطته على البلاد.
 

التعليقات

علِّق