إلى بعض الإعلاميين والفنانين في مصر: أنتم آخر من يعطينا " الدروس " فواصلوا " التصفيق " للسيسي أحسن وخير لكم
منذ مدّة انطلقت وجوه مصرية معروفة من فنانين وإعلاميين في حملة مجانية على تونس والاقتصاد التونسي بالخصوص إلى درجة أن بعضهم قال بالحرف الواحد إن تونس دولة مفلسة . وقالت إحداهنّ إن تونس " التي بنحبّها كتير أوي ونتمنالها كل خير على باب الإفلاس ... والسبب إنّها ما عملتش زي مصر... وما خدتش قرارات موجعة ".
أما القرارات الموجعة التي تحدّثت عنها هذه " الأخت " فهي أن الحكومة المصرية قامت بالترفيع في أسعار أغلب المواد الإستهلاكية والغاز والمحروقات ورفعت الدعم عن المواد التي يعيش منها فقراء مصر الذين يعدّون أكثر من 80 بالمائة من الشعب المصري حسب نفس الإعلام المصري الذي أعطى الأرقام مباشرة بعد تنحّي حسني مبارك . وقد اتخذت الحكومة المصرية بأوامر من الحاكم بأمره المشير عبد الفتاح السيسي العديد من الإجراءات الأخرى أكثر إيلاما للشعب المصري الذي لم يستطع التعبير عن رفضه لعدة أسباب منها أن جوقة الإعلام التي رافقت مبارك وكافة الرؤساء العسكريين قبله عادت إلى العمل بأكثر قوّة وباتت تحاول أن تقنع الشعب المصري بأن ما يقوله السيسي منزّل من السماء ولا جدال ولا نقاش فيه وأن ما يفعله لا يرقى إليه الشك وأن من ينقد أو يلاحظ خائن ولا مكان له في " أمّ الدنيا " .
ودون الدخول في تفاصيل لا يسع المجال لذكرها الآن نكتفي بهذا المثال الدّال على أن الساحة الإعلامية المصرية محتاجة إلى دروس حقيقية قبل أن تدّعي أنها تعطي الدروس . فقد كشف الصحافي المصري " كارم يحيى " مراسل " الأهرام " المصرية بتونس أن رئيس التحرير الجديد لمجلة " الأهرام العربي " اتصل به يوم الاثنين الماضي وطلب منه إعداد تقرير عن الأزمة الإقتصادية في تونس . وبعد أن استجاب إلى الطلب وأرسل التقرير فوجئ بنشره ليس كما هو وإنما بعد أن أضيفت له فقرات لم يكتبها وتحت عنوان لا علاقة له بما كتب ولا بالواقع السياسي والاقتصادي بتونس .
وحسب صحيفة " المغرب " الصادرة اليوم 7 أوت 2017 فقد تبرّأ الصحافي المصري من الموضوع وكتب في تدوينة خاصة بعنوان " إبراء ذمّة " قال فيه إن ما ورد على لسانه مجموعة مغالطات عن الاقتصاد التونسي . وأكّد في نفس الإطار أن الإعلام المصري بدأ يستغل تلك المغالطات للإساءة إلى تونس وتبرير خيارات عبد الفتاح السيسي الاقتصادية .
ولأن الإعلام في مصر " حرّ جدا " وطليق جدا فقد علمنا أن هذا الصحافي الحر لا يفكّر ( الآن على الأقل ) في العودة إلى مصر خشية أن يعتقل أو أن يفعل به ما لا يريد . والحقيقة أيضا أن النظام المصري ومنذ وصول المشير إلى سدة الحكم عاد إلى شطحات الحكم القديمة رغم أنها مغلّفة بغشاء غير سميك من الديمقراطية و " المؤسسات " . ولعلّ أبرز ما ميّز الساحة الإعلامية المصرية في عهد السيسي عودة " الطبّالة والزكارة " بأكثر قوة من أجل هدف واحد على الأقل وهو الدفاع عن " خيارات الريّس " ... دون أي مقابل طبعا مع الإقرار طبعا بأن هناك العديد من الأصوات والأقلام الحرة في صفوف الإعلاميين والفنانين وغيرهم من المصريين لكن للأسف طغت عليها أصوات وأقلام الرداءة وغطّت عليها في انتظار ما قد تأتي به الأيام لاحقا .
ودون الدخول في متاهات أخرى قد لا تفيد أحدا نقول لهؤلاء الذين يتصورون أنهم فاهمون كل شيء أكثر من الناس أجمعين إن التجربة التونسية بكل عيوبها ومساوئها وصعوباتها السياسية والاجتماعية والسياسية التي لا يمكن لأي إعلامي تونسي أو أي مواطن تونسي أن يحجبها أو ينفيها أفضل بكثير من التجربة التي المصرية التي لا تختلف كثيرا عن تجارب ناصر والسادات ومبارك بل ربّما تكون أتعس وأسوأ منها جميعا . فنحن في تونس نختلف وتتعارض آراؤنا وتختلف وتتضارب أحيانا لكن نظام الحكم لا يستطيع أن يلجم الأصوات أو الأقلام أو أن يأمرها أو أن يرسم لها حدودا تتحرّك فيها مثلما يحدث في مصر... وعلى هذا الأساس نقول لبعض الفنانين والإعلاميين في مصر : أنتم آخر من يحق له أن يعطي الدروس للتونسيين وعليكم أن تواصلوا التصفيق للسيسي لعلّ ذلك ينفعكم يوم لا ينفع المرء إلا ما أتى بصدق .
جمال المالكي .
التعليقات
علِّق