إضراب الأساتذة : بين مطالب أهل القطاع وسخط الرأي العام...والتلاميذ "الرهائن"

إضراب الأساتذة : بين مطالب أهل القطاع وسخط الرأي العام...والتلاميذ "الرهائن"

الحصري - رأي 

كل يوم يمرّ يصبح موضوع الأساتذة أكثر إثارة وأكثر تعقيدا، فقد نفّذ حوالي 80 ألف أستاذ الإضراب الذي هدّدوا به وسبق السيف العذل وحرم تلاميذنا من يومي دراسة ما كانوا ليحرموا منهما لو أن  صوت العقل تغلّب على كافة الأصوات الأخرى .
وبعيدا عن تجاذبات المطالب والمصالح بين مؤيّد للأساتذة في ما يريدون وبين  ساخط عليهم وعلى مطالبهم  يجب على الاساتذة أن يسمعوا  " الرأي المخالف " الذي ينبع من الجوار أي من المواطنين الذين لا يختلفون عنهم في شيء.
 هؤلاء المواطنون لهم أبناء  يعلم الله وحده كيف يتدبّرون أمورهم للإنفاق على مستلزمات دراستهم التي لم تعد " مجانية " كما تعلمون بل تثقل كواهل أغلب الناس في هذه البلاد ،وأبناء هؤلاء المواطنين مطالبون باستيعاب الدروس وإتمام البرامج من أجل النجاح . وعندما تتكرر الإضرابات ويتكرر غياب الأساتذة والأستاذات في العام عشرات المرات ودون مبررات في كثير من الأحيان يصبح من المستحيل إتمام البرامج وبالتالي تضعف حظوظ النجاح .
نأتي الآن إلى لوم آخر يلقيه الناس على رجال التعليم اليوم . فهؤلاء الناس يقولون إنه يوجد في البلاد من لا يجدون خبزا يابسا يسدّون به الرمق بينما يطالب الأساتذة بزيادات ومنح  كان من المفروض تأجيل المطالبة بها حتى تستوي بعض الأمور وحتى يجد مئات الآلاف من الجياع ما يأكلون . ويذهب الكثير من الناس إلى حد القول إن على الأساتذة أن يحمدوا الله على أن أوضاعهم أحسن بكثير من غيرهم وأنهم يعملون بين 16 و 18  ساعة في الأسبوع والعديد منهم  يتدبّرون أمورهم مع إداراتهم  فيقومون بالتدريس المطلوب في يومين أحيانا ... ويتفرّغون إلى " أعمال أخرى " بقية أيام الأسبوع ...؟؟؟
نأتي الآن إلى الدروس الخصوصية التي قال أحد الأساتذة أمس في حصة تلفزية   إنها  " تهمة "  ألصقت بالأساتذة والحال أنهم منها براء ... أي أن الدروس الخصوصية ليست وباء عاما مستشريا في البلاد وأنها مقتصرة على بضعة مواد معروفة لا غير . هذا الكلام مردود على صاحبه لأننا نعرف جميعا أن 90 في المائة على الأقل من الأساتذة والمعلمين يعطون دروسا خصوصية في كافة المواد تقريبا ولم يعد ناقصا إلا أن تعطى الدروس الخصوصية في مادة الرياضة مثلا . ويعرف القاصي قبل الداني أن هذه الدروس التي تفرض على التلاميذ وأوليائهم فرضا وباتت سيفا مسلّطا ووسيلة ضغط وترهيب بالنسبة إلى الأولياء تدرّ  على الاساتذة والمعلمين المذكورين أكثر من " شهاريهم " . وهنا يقول الكثير من الأولياء : "  زيدوهم في رواتبهم  لكن يجب أن تحرّم عليهم الدروس الخصوصية تحريما  كاملا ... وكل من يقوم بها  يعاقب أشد العقاب ..." فما رأيكم أيها الأساتذة ؟؟؟ . أليس هذا رأيا أيضا ؟
ونمرّ الآن إلى أهم موضوع في الحكاية . فقد قيل في أمر إضراب الأساتذة كلام معقول ويجب أن يسمع . فالإضراب حق يضمنه الدستور . وهو وسيلة ضغط على صاحب العمل الذي يذعن إلى الطلبات حتى يتفادى الخسارة الأكبر . لكن في هذه الحالة : هل يضغط الأساتذة على وزير وأعضاء حكومة  وموظفي وزارة سامين يجد كل واحد منهم راتبه كاملا آخر كل شهر ولا يتأثر أبدا لا بمطالب الأساتذة ولا بالكوارث التي تحدث للتلاميذ وأوليائهم بسبب هذه الإضرابات ؟. إذا كان ذلك كذلك أي أن الإضرابات ستحرم هؤلاء من رواتبهم فيسارعون بإيجاد الحلول السريعة سيصبح الجميع إلى جانبكم في مطالبكم . لكن المصيبة أن الخاسر الأكبر في الصراع الدائر بينكم وبين الوزارة هو التلميذ ووليّ التلميذ . وهذا التلميذ ما هو ذنبه حتى تأخذوه رهينة  عسى أن تتحقق مطالبكم ؟؟.
إن المطلوب اليوم من الجميع أن يراعوا الله في هؤلاء التلاميذ وهذا الوطن الذي يوشك اقتصاده على الإنهيار لو تواصلت هذه النزعة المطلبية كثيرا من الوقت . صحيح أن مطالب الأساتذة تسمع وتناقش  وفيها بالطبع ما لا يتنافى مع المنطق . لكن صحيح أيضا أن على الأساتذة أن يؤجلوا البعض من طلباتهم إلى الوقت الذي تصبح فيه  الإستجابة ممكنة ... وأن على اتحاد الشغل أن يتريّث وأن يكون أكثر حكمة  من الآخرين خاصة أن قيادته تدرك أكثر من غيرها الوضع الإقتصادي الكارثي الذي باتت عليه البلاد . والمطلوب اليوم أن نصغي إلى صوت الحكمة قبل أن نصغي إلى تهديدات أخرى بالتصعيد من قبل  أساتذة نفهم ونتفهم البعض من  مطالبهم لكن لا نفهم ولا نتفهّم  " زعاماتهم  السياسية " على حساب  التلاميذ وأوليائهم ... وبقية الأساتذة الآخرين .
 
جما المالكي 

التعليقات

علِّق