أيام قرطاج السينمائية : إجماع على أنها كانت كارثة ودعوات للمحاسبة وعدم التسامح مع من شوّهوا صورة تونس

أيام قرطاج السينمائية : إجماع على أنها كانت كارثة ودعوات للمحاسبة وعدم التسامح مع من شوّهوا صورة تونس

 

انتهت أيام قرطاج السينمائية وعاد الجميع إلى ديارهم لكنّها خلّفت جبالا من النقد والاستياء والغضب ... وعدة أشياء أخرى . ومن خلال متابعتنا لما قيل أو كتب عن هذه التظاهرة  وجدنا أن أكثر النقّاد تفاؤلا قال إن إيجابيات هذه الدورة بلغت 40 في المائة بينما بلغت سلبياتها حوالي 60 في المائة . ولم تنل سهام النقد هذه المرة مسألة التنظيم الذي كان فوق مستوى السوء في الافتتاح كما في الاختتام بل طالت أيضا عدّة مسائل أخرى على غرار " تغيير التوجّه الرسمي " لهذه الأيام والتصرّف في الموارد المالية وخرق الأسس التي خلقت من أجلها أيام قرطاج السينمائية وغير ذلك من الأمور التي لن يتوقف الحديث عنها على المدى القريب .

لا هروب من التدقيق
في هذا الاطار تحدّث أحد النقاد التونسيين لإحدى الإذاعات فقال : " بلغت   الميزانية التي وضعت على ذمة إبراهيم اللطيّف حوالي 4 مليارات  أنفقت في أسبوع بينما لا ينفق مثل هذا المبلغ على السينما التونسية كلّها خلال سنة كاملة . وأعتقد أن أغلب المبلغ  لم ينفق في محلّه  وإذا كان لإبراهيم اللطيف حجج ودلائل على كل هذه النفقات فأنا أيضا عندي كافة الوثائق والدلائل التي تثبت أن مال الشعب ذهب أغلبه إلى أصدقاء مدير الدورة وسوف أقدّم في الوقت المناسب وللجهات المناسبة كل شيء يثبت كلامي . وفي انتظار ذلك أطالب وزارة الثقافة ومجلس نواب الشعب بضرورة إجراء تدقيق شامل وسريع في كلّ ملّيم أنفق في هذه الدورة . وأنا على يقين من أن المفاجآت ستكون صادمة ."
إهانة الضيوف العرب  و " تصفيق " للغرب ؟
في هذه الدورة التي قال الكثير إنها ترقى إلى أعلى من مستوى الفضيحة  هناك ممارسات لا يمكن السكوت عنها . فقد اتفق النقّاد تقريبا على أن الكثير من الضيوف العرب ( وهم في النهاية ضيوف تونس وليسوا ضيوف إبراهيم اللطيف ) قد  تلقّوا معاملات أقلّ ما يقال فيها إنها سيّئة إن لم يقل مهينة . لن نذكر كل الحالات طبعا لأن المجال لا يسمح . لذلك إليكم هاتان الحادثتان : الأولى كتب عنها الناقد عبد الكريم قابوس الذي لا يمكن لأحد بمن فيهم إبراهيم اللطيف أن ينكر أنه من أكبر العارفين بأغوار السينما . هذا الناقد تحدّث عمّا حصل للمخرج الكويتي خالد الصديق فقال : "  المخرج الكبير الكويتي خالد الصديق لا يجد أحدا في انتظاره وتحجز أفلامه في المطار فيقتطع تذكرة ويعود للكويت غاضبا ".
ويضيف قابوس : "  لقد طلب منه أن يحضر المهرجان مع أفلامه وطلب منه أن يدفع هو ثمن تذكرته  . وعندما وصل  إلى المطار لم يجد أحدا في انتظاره لإجراء عمليات الجمارك..لأنه حمل معه نسخا احترافية من أفلامه لا تخفى عن الجمارك التي طلبت اجراءات معقدة واتصل بمحمد شلّوف الذي تواصل معه ونسّق معه ولم يردّ عليه فكان يصيح ويشتم في المطار واقتطع تذكرة إلى روما للعودة الى الكويت ...".
الإعتذار للجزائر واجب
أما الحادثة الثانية فتهمّ الوفد الجزائري الرسمي الذي يبدو أن إدارة إبراهيم اللطيف لم تعره أي اهتمام  إلى درجة أن الفنانة الجزائرية " بهيّة راشدي " بثّت على مواقع التواصل الاجتماعي شريطا تحدّثت فيه عن " معاملة مهينة للوفد الجزائري " . وقد خلّف ذلك استياء كبيرا لدى الأشقاء الجزائريين من مختلف الدرجات . وفي هذا السياق قالت " الصباح نيوز " منذ حين إن وزارة الثقافة  لاحظت هذا التقصير الكبير فحاولت التكفير عن هذا الذنب الكبير من خلال أمرين على الأقل . أوّلا طلبت من إدارة إبراهيم اللطيف أن تقدّم اعتذارا رسميا للوفد الجزائري . ثانيا دعوة وفد جزائري يكون على رأسه الفنانة بهيّة راشدي ليكون ضيف شرف مبجّلا على أيام قرطاج المسرحية التي تدور من 18 إلى 26 نوفمبر 2016 ."
جيش بلا فائدة


وهنا لا بدّ من التذكير  بما قاله عبد الكريم  قابوس الذي أكّد أن  هناك عقد استشهار مع شركة  سيتروان وأن سيارات DS مركونة أمام نزل أفريكا وجيشا عرمرم من المرافقين وشركة تنظيم خاصة خصصها إبراهيم اللطيف للوفود الأوروبية وخاصة الفرنسية ... وأضاف قابوس قائلا : " إن السبب الرئيسي لتراجع إشعاع هذا المهرجان هو خروجه من التنظيم الكلاسيكي ...فمع درة بوشوشة التي تعاملت مع المهرجان وكأنه فيلم من إنتاجها  فقدت أيام قرطاج السينمائية  طبيعتها كمهرجان عربي إفريقي وأصبحت مجرد نسخة أو " مسخة "  لمهرجان  " كان "  وقد كان في وقت سابق يطلق على شارع الحبيب بورقيبة أيام المهرجان اسم " شوكولا"  لأنه كان مزيجا من الأفارقة والعرب . أما اليوم فأصبح يزج بالغرب مع قلة قليلة من الأفارقة . ومن النقاط الأخرى التي أضرت بالأيام تغيير القانون الاساسي الذي كان ممتازا لكن درة بوشوشة غيرته .  كما قام مدير الدورة الحالية ابراهيم لطيف بتغيير ديباجته التي صارت تقتصر على سطر واحد جاف . كما أن  إبراهيم لطيف خلق طريقة جديدة وغريبة لإدارة الأيام  حيث باتت  هذه التظاهرة  تعول على الافلام الأمريكية التجارية والحال أن القانون الأساسي ينص على مقاطعة السينما الأمريكية المنتجة للأفلام الإمبريالية . وقد  أنفق اللطيف في الدورة السابقة قرابة 40 ألف دينار في تأجير أفلام تجارية أمريكية عرضها في المهرجان  راميا عرض الحائط بالقانون الذي يفرض عرض أفلام عربية إفريقية . وقد شهدت  الدورة 26  مشاركة 6 أفلام إفريقية في المسابقة الرسمية من  جملة 17 فيلما .  كما أن مسابقة الفيلم الأول لم تشهد سوى مشاركة فيلم واحد إفريقي . ومن الأمور الأخرى التي خرق فيها إبراهيم لطيف القانون الأساسي للمهرجان هو بعث مسابقة السينما الواعدة وهي عبارة عن استنساخ لمسابقة أفلام المدارس في العالم المأخودة من مهرجان " كان " . وفي الوقت الذي كانت فيها إدارة الأيام مطالبة بالاتصال بالبلدان العربية والإفريقية لمدّها بالأفلام الجديدة خيّر إبراهيم لطيف أن يقتات من بقايا  المهرجانات على غرار الأفلام المصرية التي جلبها من مهرجان الأقصر السينمائي . وكدليل على  وجود كسل كبير في الإبداع  خيّر إبراهيم اللطيف الذهاب الى " كان"  و" برلين"  و" فينيس"  واقتناء الأفلام العربية والإفريقية من هناك  .".
أكبر عملية تحيّل ؟
وقال قابوس أيضا : " إن الميزانية المخصصة للأيام هي مليار ونصف تمنحها وزارة الثقافة للمركز الوطني للسينما والصورة  الذي عهدت إليها مهمة التصرف في الموارد المالية للمهرجان .  لكن ونتيجة الخلاف بين ابراهيم اللطيف والمركز أصر مدير الدورة على استقلالية الأيام عن هذا المركز واستقال في وقت سابق من الادارة لولا تدخل وزيرة الثقافة سابقا سنية مبارك التي خشيت الفضيحة وأعادت لطيف بشروطه بل انضافت الى ميزانية الدورة ميزانية ثانية من صندوق مقاومة الارهاب وثالثة من الوزارة لتصبح الميزانية  مليارين  و300 ألف دينار علما بأن الميزانية المخصصة لدعم الأفلام التونسية طيلة سنة كاملة هي 3 ملايين دينار ومن غير المعقول أن ينفق اللطيف نفس المبلغ في أسبوع واحد ".
و يختم " قابوس " بطريقته الساخرة  ليذكر إشهارا كنديا لمشروب " كندا دراي"  الذي  يقول مطلعه : "  لونه لون الكحول  وطعمه طعم الكحول لكنه ليس بالكحول" . وقال  عن مهرجان أيام قرطاج : " طعمه طعم المهرجان  ولونه لون المهرجان  لكنه ليس بالمهرجان" . ...وعموما قد نحتاج السنة القادمة الى " هايكا  " خاصة بأيام قرطاج السينمائية قصد تعديلها ومراقبتها "

خلاصة القول
هناك  إجماع أو يكاد على أن أيام قرطاج السينمائية حادت عن طريقها الذي يفرض الإهتمام  بالسينما العربية والإفريقية  وأصبحت لا تبالي بهذا الامر بل قد تكون أصبحت بوقا أو ممثّلا للغرب ( أمريكا وفرنسا خاصة ) . وهناك إجماع أيضا على أن التنظيم في البداية كما في النهاية  كان تعيسا ورديئا إلى أبعد الحدود وارتقى في بعض جوانبه إلى مستوى الفضيحة .و لعل ما حصل في الاختتام من  خروقات وتصرفات على غرار ما أتاه لطفي العبدلّي  وما حصل من عراك وخصام وشتائم بين  مريم بن شعبان ومريم بن مولاهم خير دليل على أن الإساءات  لتونس وصورتها أكثر من الإيجابيات إن وجدت طبعا . ويبقى الجميع في انتظار ما ستقوم به وزارة الثقافة حتى لا نقول كالعادة : " حمار وقضم قرعة " .

جمال المالكي

التعليقات

علِّق