أمنيّون يحتجّون ويصرّون على انتداب أبنائهم : متى تنتهي هذه العقليّة المريضة ومطالب التوريث التي تنخر الإدارة التونسية ؟

  أمنيّون يحتجّون ويصرّون على انتداب أبنائهم : متى تنتهي هذه العقليّة المريضة  ومطالب التوريث التي تنخر الإدارة التونسية  ؟

دخل  مثلما هو معلوم يوم أمس الإثنين 8  فيفري 2021 عدد من الأمنيين في سيدي بوزيد في اعتصام أمام مقر إقليم الحرس الوطني بعد  تنفيذ وقفة احتجاجية   معبرين  عن رفضهم لما اعتبروه إقصاءً لأبناء سلك الحرس الوطني من الإنتدابات.

هذا الخبر قد يكون عاديا في ظلّ وضع متحرّك ويسمح بالاحتجاج والتعبير عن الرأي منذ 14 جانفي 2011. لكن في المقابل فهو يثير مسألة مسكوت  عنها بالرغم من أهميّتها وهي في اعتقادي  واحدة من الأمراض الخطرة المزمنة التي أصابت الإدارة التونسية بصفة عامة منذ عهد بورقيبة إلى اليوم مرورا بعهد بن علي الذي عرف استفحال الظاهرة وتعميمها تقريبا على أغلب مجالات العمل في البلاد.

أما الحكاية التي أتحدث عنها فهي مسألة التوريث في الوظيفة العمومية وهي ظاهرة موجودة منذ عقود خاصة في شركات النقل العمومي ( الوطنية والجهوية والسكك  الحديدية ...) وشركة فسفاط قفصة ومشتقاتها وأسلاك الأمن الوطني المختلفة وشركة الكهرباء ( الستاغ ) وشركة الماء ( الصوناد )...  والصناديق الاجتماعية والبريد التونسي وغير ذلك من المؤسسات العمومية التي ظلّ الانتداب فيها يخضع إلى قاعدة " الأقربون أولى بالمعروف " وقد حرمت هذه القاعدة أو لنقل هذه العادة السيئة آلافا من التونسيين من حقّهم في الانتداب لا لشيء إلا لأنهم ليسوا " من أبناء المؤسسة ".

هذه الحقيقة كان الحديث عنها " ممنوعا " في العصور السابقة لكنّها ظلّت قائمة دون أي وجه حقّ بل هي تمثّل تعسّفا صارخا على التونسيين الذين يتقدّمون للمناظرات لكنّ أغلب الوظائف المعروضة ( قبل إيقاف الانتدابات ) تذهب إلى الأبناء والفروع حتى لو كان ذلك على حساب الكفاءة والشهائد العلمية وغير ذلك من المعايير التي يفرق المنطق تطبيقها دون سواها.

إن ما أتاه هؤلاء الأمنيون يعتبر أمرا عاديّا في ظل تواصل هذه العقلية المريضة التي للأسف الشديد قبلت بها السلطة وباركتها ولم تعمل أي جهد من أجل تغييرها. وهي عقلية تنخر كيان الإدارة وتكرّس الظلم وعدم توفير المساواة في الحظوظ بين كل التونسيين . وإذا أردنا أن ننهض بالإدارة التونسية في كافة مجالاتها يجب علينا قبل كل شيء أن نقطع مع عقليّة التوريث السائدة إذ لا فضل لأحد على أحد إلا بقدرته على العمل والإفادة . وأعتقد أنه حان الوقت لإرجاع الأمور إلى نصابها إذ يكفي ما نالته بعض القطاعات من امتيازات لا حقّ لها فيها لأنها ببساطة غير مبرّرة وغير مستحقّة ... ولا فائدة في ذكر تلك الامتيازات التي يعرفها الجميع في وظائف معيّنة وهي تكرّس التمييز بين التونسيين دون أي وجه حقّ.

وللإشارة فقد كرّست  بعض مؤسسات الدولة فكرة توريث الوظائف لأبناء العاملين بها.  ويطرح  ذلك عدة أسئلة حول الفساد في الانتدابات وانعدام شفافية المناظرات   خاصة أن " الصدفة  " تتكرر دائما  لتجعل  من أبناء الموظفين ينجحون في بعض المناظرات دونا عن سواهم. ولقد  بات اليوم توريث الوظائف للأبناء مطلبا  علنيا  في عدة قطاعات  يقدّمه بعض الموظفين العموميين لتجنيب أبنائهم حتى عناء المشاركة في المناظرات .

وللتذكير فقد حسمت المحكمة الإدارية  الجدل  القائم من خلال قرار أصدرته في جانفي  2017 بتأكيد وجوب أن تتمّ الانتدابات عن طريق المناظرة وفق المبادئ  الدستورية  ورفضت المحكمة الإدارية بالتالي الاعتراف بمطلب تمييز أبناء العاملين في الانتداب.

وأكدت المحكمة أن هذا المطلب يخالف المبادئ الدستورية المتعلقة بالمساواة وعدم التمييز.

و للتذكير أيضا فقد تقدّمت منظمة " أنا يقظ " سنة 2016 بشكوى  إلى المحكمة الإدارية ضد كل من الصندوق الوطني للتأمين على المرض والصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومركز البحوث والدراسات في مجال الضمان الاجتماعي  لإلغاء الفصل الرابع المضمّن صلب الاتفاقية المبرمة مع الطرف النقابي بتاريخ 3 أكتوبر 2011   لمخالفته الصريحة لإجراءات الانتداب في الوظيفة العمومية  إذ أنها  تعطي الأولوية المطلقة في الانتداب لأبناء الأعوان.

وقد بيّنت المحكمة الإدارية أن قاعدة التناظر في الانتداب كرسها دستور 2014 في فصله الواحد والعشرين الذي يقول نصّه : ''المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء امام القانون من غير تمييز''.

ج - م

 

 

التعليقات

علِّق