حماية لحرمة و سلامة الطّفل التونسي : لماذا لا تكون التربية الجنسية مشروعا وطنيا؟

حماية لحرمة و سلامة الطّفل التونسي : لماذا لا تكون التربية الجنسية مشروعا وطنيا؟

انطلق الحديث في  تونس منذ سنوات عن  التربية الجنسية و كان من المنتظر أن تكون بلادنا رائدة عربيا في إقرار هذه المادة صلب المناهج التعليمية  و لكن  بعد سنة  2019 لليوم لا جديد يذكر في هذا الموضوع مع أن العنف الجنسي في الوسط العائلي في تونس ما فتئ يرتفع من سنة الى أخرى بالرغم من وضع التشريعات والقوانين التي تجرم هذا النوع من العنف على غرار القانون عدد 58 لسنة 2017، الذي تضمن اليات الحماية وجرم العنف بكل أنواعه بما فيه العنف الجنسي .

في المقابل نجد  أن الدول التي قامت بإقرار التربية الجنسية تقلصت فيها نسب التحرش الجنسي والاغتصاب والحمل غير المرغوب فيه وحتى الأمراض المنقولة جنسيا .

ويعتبر موضوع التثقيف الجنسي أو التربية الجنسية عموما من المواضيع الحساسة و التي تثير الجدل  في تونس كلّما طُرح لنقاش.

فما المانع أن تكون التربية الجنسية مشروعا وطنيا ؟

يؤكد تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكاّن صدر عام 2020 أن العالم العربي يفتقر إلى التثقيف الجنسي، ويلفت إلى أن هذا النقص ينعكس ارتفاعاً في حالات الحمل والإجهاض لدى المراهقات، وارتفاعاً في نسبة الأمراض المنتقلة جنسياً وفي العنف الجنسي ورهاب المثلية. ومن جهتها تؤكّد منظّمة الصحة العالمية أن نشر التثقيف الجنسي يساهم في رفع الوعي في كلّ هذه المستويات، وبالتالي فإن أثره مفيد للمجتمع على أصعدة عدّة.

و يذهب المختصون في علم النفس و الاجتماع الى أنه باطلاع الطفل على جسده يكون تكوينه الجنسي وعلاقته بالآخر أكثر نضجا. فالتربية الجنسية تكرس الإحترام والأخلاق والسلامة الجسدية و النفسية من خلال تعليم الطفل كيفية التعامل مع جسده وكيفية التصدى لمخاطر الاعتداءات التي من شأنها ترك بصمة سيئة في حياته منذ الطفولة إلى الشباب و حتى بقية حياته .  

و توفّر التربية الجنسية معلومات مبسطة و ملائمة لمختلف الاعمار عن السلوك الجنسي وصحتهم الجنسية وهو أمر بالغ الأهمية لصحتهم و توازنهم النفسي . التربية الجنسية ليست  مرادف للممارسة الجنسية، وهذا الفهم الخاطئ يجعل البعض يرفض تلقينها لأطفاله. فالتربية الجنسية لا تشجع الطفل على الاستكشاف الجنسي قبل أوانها  لكنها تفتح باب الحوار و تعزز الثقة بين الأطفال و الاولياء و من يدرسونهم هذه المادة .

و توصى المنظمات الدولية مثل اليونسكو، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، واليونيسيف، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، وبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية" الإيدز"، ومنظمة الصحة العالمية بأن تستند هذه البرامج إلى منهج دراسي ثابت؛ وأن تكون دقيقة علمياً ومصمّمة خصيصاً لملاءمة مختلف الأعمار وشاملة، أي تغطي مجموعة من المواضيع المتعلقة بالسلوك الجنسي والصحة الجنسية والإنجابية لجميع مراحل الطفولة والمراهقة.

*يجب كسر "التابوهات" لمصلحة الطفل

مؤخرا في تونس تحدثت وسائل اعلام عديدة عن تكرر حوادث التحرش أو الاعتداء الجنسي، وفي كثير من تلك الحوادث يكون الضحية طفل أو طفلة أو مجموعة أطفال  . و لعل من أبرز هذه الحوادث  حادثة استدراج أطفال عبر الإنترنت و تصويرهم  و ابتزازهم حيث شكل الموضوع  صدمة للجميع  و خلق حوارا مجتمعيا في بلادنا عن خطورة وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال و ضرورة تثقيفهم أكثر فأكثر حماية لحرمتهم الجسدية  و سلامتهم النفسية  ...

8 الاف طفل يتعرض للعنف بأنواعه حسب تقرير لوزارة المرأة سنة 2022 وهو ما يدق نواقيس الخطر في تونس لحماية أطفالنا من أي اعتداء كان حفاظا على توازن مجتمعنا و سلامة الأجيال القادمة . تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي حسب البعض  افة على الأطفال خاصة قبل البلوغ حيث يمكن ان يكون الطفل  متضررا منها و الولي  غير قادر على مساعدته لجهله الموضوع خاصة  مع مشاغل الحياة و الضغط اليومي للعمل و غياب الحوار في عدد من المواضيع التي تعتبر "تابوهات" داخل الاسرة التونسية و من بينها الصحة الجنسية .

*نصف مليون مترصد على الانترنت يترصد الأطفال للإيقاع بهم

توصي كل من  اليونسكو و اليونيسف  بتلقين الأطفال و الشباب مهارات الحياة حماية لهم من أي اثر سلبي يعود بالضرر على حرمتهم الجسدية و يهدد سلامتهم النفسية . كما يلزم الفصل 7 من القانون عدد 58 لسنة 2017  كل الوزارات و على راسها وزارة التربية بالقيام بالتدقيق الصحي الشامل وإحداث خلايا إصغاء ومكاتب عمل اجتماعي ونوادي صحية بالتعاون مع الأطراف المعنية، مع  نشر ثقافة التربية على حقوق الإنسان وترسيخها لدى الناشئة. و يؤكد الهدف الرابع من اهداف التنمية المستدامة على ضرورة التثقيف الجنسي الشامل و توفير البيئة الكريمة للأطفال

يؤكد المختصون على ضرورة تزويد الأطفال بالمعارف الكافية حول حقوقهم وحول السلوكيات المقبولة وغير المقبولة كما يؤكدون كذلك على الأهمية الكبرى لوجود حوار بين الطفل و الاسرة كي لا يبحث الطفل عن المعلومة من وسائل غير رسمية ووسائل التواصل الاجتماعي المفتوحة. حيث لن يجد للاستجابة إلى يرضي رغبته في المعرفة بل ستعرض عليه المعطيات و المعلومات بالشكل الخاطئ و بقلة إحترام لوعيه و ذاته  و سنه و بطريقة مسيئة له كطفل و يمكن حتى ان يتم استغلاله بطرق مهينة . فنصف مليون مترصد على الانترنت يترصد الأطفال للإيقاع بهم حسب مركز منع جرائم الاطفال و الوقاية منها بأمريكا و هذا ما وجب الانتباه له و العمل على تلافيه باعتماد التوعية للأولياء و الأطفال على حد السواء  .

*التربية الجنسية تتصدى للمغالطات و خطر وسائل التواصل الاجتماعي

و بحديثنا مع عدد من المختصين في مجال الطفولة فقد ذهب اغلبهم الى  ان التربية الجنسية تحسّن  قدرة الأطفال والشباب على الرد على إساءة المعاملة، ودرء هذه الإساءة  وتدفعهم لطلب  المساعدة عندما يحتاجون إليها. وقد استمعنا كذلك لعدد من الاولياء في ما يخص هذا الملف و كانت الأجوبة مختلفة حسب المستوى الثقافي و حسب اطلاعهم و معارفهم المكونة بخصوصه .

محمد 48 سنة أب لثلاث أطفال يقول أنه مع التربية الجنسية للأطفال نظرا لفوائدها الجمة لحماية الحرمة الجسدية للناشئة و الحفاظ على توازنهم النفسي خاصة إذا قدمت بشكل مدروس و ممنهج   . اما سامية 38 سنة أم لطفلين تقول أنها متخوفة من تزايد منسوب العنف في العاصمة و تأثيراته على الأطفال مشيرة الى أن التربية الجنسية من شأنها أن تفتح قنوات جديدة للمعرفة بالنسبة للأطفال تكون رسمية و مناسبة لكل طفل حسب سنه و هذا ما يعفينا كأولياء من الأسئلة المحرجة و تسد الباب أمام المغالطات و خطر وسائل التواصل الاجتماعي.

راضية أستاذة تعليم أساسي اكدت من جانبها  أنها مؤيدة لإقرار التربية الجنسية في المناهج التعليمية التونسية مشيرة الى وجود نماذج عالمية ناجحة لتطبيق هذه التجربة ببلادنا و أكدت راضية أنها كأستاذة منفتحة على تكوين في هذه المادة على أن تدرس على شكل فقرات لا تتجاوز ربع ساعة في الفصل لتمرير معلومة سهلة و غير معقدة للأطفال

تعتبر الجهات الرسمية مشروع ادراج التربية الجنسية في المؤسسات التعليمية  يتطلب مزيدا من  العمل بين مختلف الأطراف مؤكدة تظافر مجهوداتها في هذا الملف للإجابة عن التسائلات المختلفة و لحماية الناشئة  . في ما تؤكد الجمعيات و المنظمات الحقوقية ان ادراج التربية الجنسية في المناهج التعليمية ضرورة عاجلة لن تؤدي الى تغيير المعتقدات المجتمعية  أو ضرب القيم الأخلاقية كما يذهب البعض لذلك ، بل ستجنب الناشئة الأفكار المغلوطة وما ينجر عنها من مشاكل خاصة مع انفتاحهم على قنوات تواصل جديدة لا يمكن ضبط معاييرها.مشروع ادراج "التربية الجنسية" ضمن المناهج التعليمية هو مشروع  كبير وجب الاشتغال عليه  وطنيا ليس على مستوى افراد او جمعيات او منظمات او جهات رسمية فقط  فعلى الجميع تحمل مسؤولية الناشئة في تونس في هذا الملف الحساس .

ايناس المي 

#صحفيون_من_اجل_حقوق_الانسان 

#صحة_انجابية

#التربية_الجنسية  

التعليقات

علِّق